هذا نظامكم الإعلامي بكل توحشه فأين الغرابة ؟
غالب قنديل
تتلاحق صيحات الاستنكار والتعجب عن مفردات الأداء الإعلامي كلما وقعت ازمة صاخبة تنذر بالانفجار الأمني وتتخطى حدود التحشيد القابل للصرف في السياسة ويتناسى العديد من الساسة والمسؤولين انهم من قدموا الرعاية والحماية لنظام إعلامي خارج القانون وخارج الدستور منذ تقاسم التراخيص والتطبيق الأشوه والمنقوص لقانون الإعلام.
أولا هذا النظام الإعلامي بجميع مصنفاته وفروعه يشبه النظام السياسي الذي انتجه فهو طائفي ومتخندق في تأجيج العصبيات ومرتبط بمصالح مالية وتجارية في الداخل والخارج تنعكس على مضمون ادائه وهو يهتك المحرمات بلا تردد لخدمة الممولين ولترجمة توجيهاتهم السياسية.
هذا الإعلام اللبناني مثل كل إعلام في العالم هو صوت مالكيه وصورتهم ولا وجود لإعلام مستقل أصلا في العالم كله وأي إعلام هو في خدمة ما يمثل من مصالح وتوجهات وتلك رسالته الفعلية وليست قيم الحرية التي لايرى فيها غير هامش التصرف الذي يبغي الاحتفاظ به لخدمة اجندات المالكين التي يتخلى لأجلها عن أي قيمة وطنية إلا في حدود هيبة السلطات العامة حيث توجد دول وطنية حقيقية تمتلك القدرة على الإلزام بمحتوى الخدمات العامة والمصالح العليا وهذه ليست حال نظامنا فقد هتك في لبنان مفهوم الخدمة العامة الملزمة في العمل الإعلامي وعطلت احكام القانون التي تطال هذا الجانب من الأداء المهني وأهملت موجبات التراخيص الإعلامية ولم يجرؤ أي وزير للإعلام ولا أي مجلس للوزراء على ملاحقة هذا الأمر والذهاب أبعد من حدود استعداد المحطات والقنوات للاستجابة والتعاون طوعا في بعض الشؤون العامة الخطرة وحتى موضوع الصراع مع العدو الصهيوني الذي يرعاه الدستور والميثاق ما يزال عرضة للانتهاك في تعبيرات إعلامية كثيرة مع انه من محددات الهوية الوطنية في ميثاق الوفاق المؤسس لدستور الجمهورية وهو موجب وملزم قانونا.
ثانيا تطاولت عدة وسائل إعلام على القانون وعلى مرجعياته في محطات كثيرة وسخرت من تقارير المجلس الوطني للمرئي والمسموع التي شخصت اخطاءها ومخالفاتها وظفرت بحماية الحكومات وصمتها لدرجة ان احد رؤساء الحكومات أقام حفلا تكريميا لمقدم برنامج تلفزيوني في ذات اليوم الذي وصل فيه إلى السراي تقرير صادر عن المجلس يدين هذا الإعلامي بإثارة فتنة طائفية وبالتحريض على حمل السلاح لخوض حرب اهلية في إحدى حلقات برنامجه وكان يروج لجماعات التكفير بوصفها حركات ثورية ودولة الرئيس الذي كرمه كان يمول بعضها وألقى بتقرير المجلس في سلة المهملات ومثله فعل جميع الرؤساء والحكومات التي تعاقبت حتى اليوم وفي مرة يتيمة خلال أعوام طويلة كلفت إحدى الحكومات وزير إعلامها بجواب خطي على المجلس الوطني ربما هو من اقترحه فقال فيه “لقد اخذ مجلس الوزراء علما بتقريركم.” في لفتة سخرية ولوم أبعد ما تكون عن الأصول القانونية او المهنية وكان التقرير يومها يتضمن عرضا وافيا لثغرات قانونية وعملية ويقترح خطوات محددة ذهبت للحفظ في الأرشيف المهمل لمراسلات المجلس وحتى عندما اختار المجلس نشر تقرير عن فضيحة البث الأرضي لإذاعات أجنبية في الجريدة الرسمية لم يهتز رمش لرئيس الحكومة او لأي وزير بل كشر وزير الإعلام عن أنيابه وفتح النارمن جميع الاتجاهات.
قبل اكثر من عشرة أعوام حضر إلى بيروت آدم إيرلي رئيس مكتب التواصل الأميركي في دبي وعقد اتفاقات مالية وسياسية مع وسائل مرئية ومسموعة مقابل التزامات بخدمات محددة ومرت الحكاية بلا مساءلة ولا تزال مستمرة رغم النصوص والأحكام القانونية التي تحرم مثل هذه الارتباطات.
ثالثا أي قانون وأي انتظام وأي هيبة للمجلس الوطني ؟ عندما تشعر وسائل إعلامية انها أقوى من المجلس ومحمية من المحاسبة مرة بتموضعها السياسي والطائفي ومرة بارتباطاتها الخارجية ومرات بحاجة السياسيين والحكومات إليها وباستعدادهم للمساومة معها بعدم تطبيق القانون وتسفيه دور المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع وإباحة التطاول عليه وعلى صلاحياته وحصر دوره بتكريس نتائج المحاصة السياسية التي انطلقت مع اولى التراخيص وقد بات المجلس كاتب العدل الذي يعمل في خدمة الشركات وحماتها فقد قامت الحكومات المتعاقبة بحرمان المجلس من الإمكانات والأدوات التي تتيح له متابعة الأداء الإعلامي والمحتوى الإعلامي وتشخيص الأخطاء والمخالفات حتى لو لم يقترح عقوبات موازية بموجب النصوص القانونية وقد طالب المجلس سائر الحكومات ووزراء الإعلام بتزويده باجهزة الرصد المطلوبة وبطاقم التشغيل الضروري لتأمين متابعة مستمرة لمحتوى البث الإذاعي والتلفزيوني ولتسهيل التنبيه إلى الأخطاء والثغرات ومساعدة إدارات التحرير في تكييف ادائها وفق القانون والأصول وهو ما تفعله المجالس والمرجعيات الناظمة للإعلام في جميع الدول الغربية التي يستلهمها المسؤولون اللبنانيون ويعتبرونها المثال ومن يطالع تقارير المجلس الأجنبية للإعلام ويتعرف على مقدراتها سيشفق على حال مجلسنا المستضعف.
رابعا منذ البداية كانت الحكومات كلها تحابي المتجاوزين ولا تريد محاسبتهم وتطلب من المجلس ان يسايرهم وهو بصلاحياته الاستشارية لم يفعل غير تشخيص الخلل والتجاوز واقتراح العقوبات أحيانا الأمر الذي بات يحجم عنه حتى لا تقوم عليه القيامة مع التنصل الحكومي الذي يتحول به المسؤولون في السلطة التنفيذية إلى حماة الحرية التي يتهم المجلس بمسها بمجرد الإشارة إلى المخالفات وكأن المطلوب حرية المخالفة وحرية خرق القانون وليس حرية الرأي والتعبيرتحت سقف القانون وبمعاييره النافذة.
يضاف لما تقدم أنه كلما جاء وزير للإعلام يجرب حظه في نهش حصة من دور المجلس ويتخيل بعضهم انه وزير وصاية على المجلس خلافا لنص القانون الذي يربط المجلس بمرجعيتي مجلس الوزراء ومجلس النواب ويعطي لوزير الإعلام دور واسطة الاتصال والمراجعة لدى المؤسستين التشريعية والتنفيذية ورغم قابليات التعاون والمسايرة وعدم الرغبة بالتعارض التي يحرص عليها المجلس برئيسه واعضائه ظل مستهدفا ومتهما بالجور على الحريات وسط صمت حكومي وسياسي على الافتراءات واحيانا بتواطؤ مكشوف من بعض وزراء الإعلام الذين افترضوا انهم في معركة صلاحيات او منافسة على المرجعية مع المجلس الذي اعتبر انه مع جميع الوزراء المتعاقبين في شراكة ملزمة.
خامسا من بديهيات القواعد الدستورية ان القوانين تبقى سارية ونافذة حتى يسن ويصدر قانون جديد في ذات الموضوع ولاعذر لوزراء الإعلام الذين اكثروا من الكلام عن تعديل القانون الساري ليعلقوا تنفيذه في بنود خطيرة تتعلق بالأداء الإعلامي وخصوصا لجهة التحريض الطائفي والمذهبي ومصادر التمويل فالمادة القانونية التي نصت على قيام وزير الإعلام بالتعاقد مع شركة تدقيق محاسبية ومالية تقوم بمراجعة نصف سنوية لحسابات رساميل الشركات لم تطبق ولا مرة منذ العام 1996 تاريخ صدور دفاتر الشروط والتراخيص الأولى وهي المادة الثامنة والأربعون في القانون 382/ 94 وليس في تعليقها وعدم تطبيقها غير إباحة ارتهان الإعلام لمصادر التمويل والتطنيش على امتهان الارتزاق والتنفع عند من يشتري الخدمات التي لا تتم سوى بانتهاك القانون وقواعده التي ظلت نظرية وغير مطبقة ويخاف المسؤولون من وضعها في التنفيذ فقد قال لي احد رؤساء الحكومات يوما “لانريد مشاكل مع التلفزيونات خفف طحشتك شوي” لأنه سمع بعدما سأل واستفهم انني صاحب دور رئيسي في صياغة تقارير المجلس وفي إثارة بعض القضايا المخالفة للقانون وبعض الوزراء اختاروا الاشتباك معي من اول الطريق وقائيا او عملوا على تطويقي وتغييبي لعدم الوقوع في الإحراج واعترف لي بعضهم مشكورين بالنزاهة والدقة والموضوعية شاكيا من الاعتبارات السياسية وقيودها وللحديث صلة عن تجربتي الشخصية بما فيها من عبر تكشف حقيقة نظام إعلامي انتجه النظام السياسي ليتبادلا الحماية والتواطؤ واستباحة القانون.