الطابور الخامس في لبنان: طابور الخيانة: د. عدنان منصور*

أن يخرج طابور العمالة الى الشوارع، ليطالب بنزع سلاح المقاومة، وهو يرى العدو «الإسرائيلي»، ينتهك أرضه، ويجتاح مياهه وسماءه ليل نهار، ويقصف من أجوائه، من آن الى آخر، دولة عربية شقيقة، ويتجاهل الاعتداءات “الإسرائيلية” المتواصلة على لبنان، التي تهدّد أرضه وسيادته واستقراره وثرواته، فهذا قمة الذلّ والخنوع والخيانة.

أن يطالب طابور العمالة بنزع سلاح المقاومة، في هذا الوقت الحرج والحساس والخطير، الذي يشهده ويعيشه لبنان وشعبه، جراء الأوضاع المعيشية والمالية المتدهورة، والوضع النقدي الحادّ، وحالة الفساد المستشرية في كلّ مؤسّسة ومرفق، ومحاولته الخروج من الأزمة، وترتيب أوضاعه مع صندوق النقد الدولي، فهذا يعني أنّ هذا الطابور أصرّ على الابتعاد بالكامل عن الهدف الوطني، وعمد إلى تجاهل الواقع، وتحريف البوصلة باتجاه دول في الخارج، يريد تقديم أوراق اعتماده لديها، التي ما كانت يوماً إلا حليفة للعدو «الإسرائيلي»، ومتربّصة دائماً بالمقاومة، مستخدمة كلّ الوسائل من أجل القضاء عليها. مما يؤكد على القاسم المشترك، والهدف الواحد الذي يربط هذا الطابور بمحرّكيه وموجّهيه. إذ من خلال تحرّكه وشعاراته ومطالبه المثيرة للشكّ، يريد أن يتناغم مع الخارج المتربص بالمقاومة ليقول له، إنّ أساس الأزمة والعلة لكلّ ما يجري في لبنان، مردّه إلى وجود المقاومة وسلاحها، ولا غيرها.

طابور الخيانة والعمالة هذا، لا يريد أن يفهم أنّ الذي قدّم آلاف الشهداء من أجل تحرير الأرض والحفاظ على الوطن والشعب، والذي هزم أشرس عدو بكلّ ما يملكه من قوة ضاربة، قادر اليوم وغداً، وفي أيّ لحظة تدعو الحاجة، لصون أمن البلاد وسيادتها، ووحدة شعبها، وهو جاهز كلّ الجهوزية لكي يتصدّى لكلّ الأصوات المشبوهة، المدفوعة من مشغليها، مهما كلف ذلك من تضحيات.

فالأرض لمن يحميها، لا لمن يبيعها… والوطن لمن يصونه، لا لطابور خيانة يساوم عليه ويبيعه في بازار تجاذبات السياسات الدولية.

 طابور العمالة والخيانة يريد الانقضاض بكلّ الوسائل المتاحة له، على المقاومة وسلاحها ووجودها! أليس هذا هو المطلب الرئيس للعدو «الإسرائيلي»؟! أليس هذا أيضاً مطلب حلفاء العدو، الذين دعموه في اعتداءاته على دول المنطقة، والذين أشعلوا الفتن والحرائق في دول منطقتنا المشرقية!

أليس مطلب طابور الخيانة، بدعوته إلى نزع سلاح المقاومة، وهو يعرف مسبقاً أنّ هذا عصيّ عليه ومستحيل، بمثابة تمهيد من أجل المطالبة لاحقاً بتقسيم لبنان وفدرلته، معتمداً على قوى إقليمية ودولية، تديره وتوجّهه، وتدعمه بشتى الوسائل المادية، والمالية، والإعلامية، والسياسية، والدبلوماسية؟!

 لماذا الآن هذه الدعوات التي تفجّرت فجأة، بعد أن أوشك عدوان قوى الإرهاب على المنطقة، وسورية بالذات، على نهايته؟! لماذا هذا التوقيت الخبيث، كي تخرج الأفاعي فجأة من أوكارها، لا ترى أمامها إلا المقاومة وسلاحها، حيث تجد فيها، العائق الأول، والسدّ المنيع، في وجه سياسات قوى خارجية معادية للمقاومة، تعمل على استهدافها واستهداف لبنان لجرّه إلى فلكها ودائرة نفوذها؟!

مما لا شك فيه، أنّ طابور العمالة هذا، يعتزم أن يدفع البلاد إلى الهاوية، أياً كانت النتائج المدمّرة عليها، وإنْ أدّت أفعاله إلى تفجير لبنان من الداخل، لأنه لا يراهن على الداخل، إنما يراهن على تدخل ودعم القوى الخارجية المعادية للتوجهات الوطنية والاستقلالية لدول المنطقة، ليقول لها وبصوت عالٍ، إنّ مشكلة لبنان، تكمن أولاً وأخيراً في وجود المقاومة وسلاحها «غير الشرعي» و «وجود الدويلة داخل الدولة»، وهي الممانعة لأيّ تطبيع مع «إسرائيل»، وهي التي تهدّد مصالحها ومصالحكم، ومصالح حلفائكم في المنطقة، ليعطي لنفسه، وللقوى الخارجية التي تحركه، الذريعة والحجة، من أنه لا يمكن القبول بلبنان على ما هو عليه، في ظلّ وجود السلاح. لذلك سيعمد طابور الخيانة لاحقاً، إلى أن يرفع شعار استحالة العيش المشترك، في ظلّ هذا الوضع السائد، مما سيحمله على استدعاء القوى الخارجية التي يراهن عليها من أجل تدويل الأزمة، التي يرى فيه، على أنه الحلّ الوحيد، ليحقق من خلاله مبتغاه في التقسيم وفدرلة البلد، وان يسهل الأمر بالتالي لعرّابي التقسيم والفدرالية، لأن يحققوا هدفهم ومبتغاهم على الأرض.

إنّ مواجهة طابور الخيانة لا رجعة عنها، ولا مهادنة ولا مساومة معه. لقد كشر عن أنيابه، وأضحت نياته وأهدافه واضحة المعالم، وشبكة علاقاته مع أعداء المقاومة في الداخل والخارج ظاهرة للعيان… انها ساعة الحسم! لا مفرّ منها… فإما أن يبقى لبنان، ويبقى معه جيشه وشعبه ومقاومته، وإما أن ينهار ويتفكك، وفق ما يخطط له صهاينة الداخل والخارج.

 فليتعلّم طابور الخيانة جيداً من دروس الماضي، لأنّ ما يطلبه ويلحّ عليه اليوم، لنزع سلاح المقاومة، سيذهب هباء وسيتبدّد. ومن أراد التأكد من ذلك، فليسأل العدو، فالجواب عنده… وليسأل عملاء العدو لا سيما قائدهم ـ وإنْ مات –  فسيكون جوابه الصارخ هو نفسه الذي أطلقه أمام حافلة كان يهمّ بالصعود إليها، بعد هزيمة الاحتلال، وهروب عملائه، ولجوئهم إلى فلسطين المحتلة قائلاً، وهو ينتقد العدو «الإسرائيلي»: «لقد خدمناهم لعشرين سنة ويعاملوننا اليوم معاملة الكلاب». وهل كان يظنّ يوماً ورفاقه العملاء أنّ «إسرائيل» ستعاملهم خلافاً لذلك؟! لقد اعترف بالفم الملآن أنه خدم العدو، ويا ليته خدم وطنه حتى لا يجد نفسه تنتهي على هذا النحو المشين.

 إنّ الرهان الصحيح، والاعتماد القوي، يكون على الوطن وحماته من جيش وشعب مقاوم، ولا يكون الرهان أبداً، على العدو أو على أصدقائه وحلفائه بأيّ شكل من الأشكال!

فهل يتعظ طابور العمالة اليوم، ويأخذ العبرة جيداً من الماضي القريب، وقبل أن يدفع الثمن غالياً!؟

*وزير الخارجية الأسبق.

(البناء)