أميركا تنتقم لهزيمتها في سورية بقانون قيصر… فهل تنجح؟: العميد د. أمين محمد حطيط
لم تكن أميركا تتصوّر انّ حربها العدوانية الكونية التي شنّتها على سورية من أجل اقتلاع القلعة الوسطى لمحور المقاومة وتالياً تفكيك المحور وتمرير مشاريعها التصفوية لفلسطين، لم تكن أميركا تتصوّر فشلها وإخفافها كما لم تكن تتخيّل أن تستطيع سورية أولاً ثم سورية ومحور المقاومة معها ثانياً وأخيراً انضمام روسيا إلى معسكر المقاومة، أن يستطيع هذا المعسكر الدفاعي ان يفشلها ويفرض عليها واقعاً لم تكن تتوقعه أو تتخيّله.
ولأنها أخفقت في عدوانها الإرهابي وانتصرت سورية وحلفاؤها إلى حدّ أنها باتت على أعتاب المرحلة النهائية للحرب، فقد اعتمدت أميركا سياسة مركبة من استراتيجيتين لمنع سورية من استثمار انتصارها أولاً ولمنع تشكل بيئة في المنطقة تجهض خططها العدوانية ضدّ فلسطين وأهلها وهي الخطط التي اختصرت بما أسمي “صفقة القرن” أو رؤية ترامب للسلام الذي هو استسلام كلي للمشروع الصهيوساكسوني. ولهذا اعتمدت أميركا استراتيجية “إطالة أمد الصراع” في سورية عسكرياً، واستراتيجية “خنق سورية وتجويع شعبها لتركيعها” اقتصادياً، على قاعدة “مَن يتحكّم بلقمة عيشك يخضعك بسهولة”.
انهما استراتيجيتان متكاملتان عسكرية ميدانية، واقتصادية معيشية، اعتمدتهما أميركا ضدّ سورية انتقاماً لهزيمتها في مواجهتها، ومنعاً لها ولحلفائها من استثمار الانتصار والانصراف إلى تنظيم وتنفيذ متطلبات مرحلة ما بعد الحرب والتي تستوجب مراجعة الوضع السياسي والعسكري الذاتي والتحالفي، والانطلاق إلى إعادة بناء سورية او ما يُصطلح على تسميته اليوم “إعادة الإعمار”، إعمار ما دمّرته الحرب العدوانية التي قادتها بشكل خاص كلّ من أميركا ومعها دول أوروبية وتركيا ومعها مع دول عربية او السعودية ومعها أتباع مرتزقة.
واذا كانت سياسة الحصار الاقتصادي الذي تمارسه أميركا بحق سورية ليست بجديدة، وهي كما يعرف الجميع معتمدة أميركياً ضدّ سورية منذ أوائل السبعينيات خاصة بعد حرب تشرين التحريرية، واذا كان التشدّد التصاعدي في هذه السياسة مستمراً منذ عقود خمسة، فإنّ الحرب الاقتصادية الأميركية على سورية تبلغ ذروتها اليوم بما يسمّى “قانون قيصر” الذي سيعمل به اعتباراً من 17 حزيران/ يونيو2020 الحالي والذي يُعتبر الردّ الأميركي المباشر على الصلابة والتماسك والقوة السورية التي أفشلت العدوان عليها. وهو تدبير اقتصادي يرفد الاحتلال الأميركي الميداني لشمال شرقي سورية المصحوب مع سرقة النفط وحرق المزروعات ومحاولة إقامة الكيان الانفصالي الكردي هناك.
فـ “قانون قيصر” الإرهابي يمكن ان يُعتبر الحلقة الأقسى والأبشع للحرب الاقتصادية التي تمارسها أميركا على دولة أو شعب في كلّ المعمورة، فهو بالنسبة لسورية ومن غير الدخول في تفاصيل محتويات صفحاته الـ 11 (وضع القانون في 11 صفحة فولسكاب من أجل ان يغرق في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل ليطمئن واضعوه بأنه أدّى المطلوب أميركياً في خنق اقتصادي كلي لسورية دولة وشعباً) فـ “قانون قيصر” هو باختصار مجموعة من التدابير الكيدية يتوخى منها أن تعزل سورية عن العالم الخارجي اقتصادياً ومن كلّ الوجوه، وتحول دون إطلاق عملية إعادة البناء بيدها أو بيد حلفائها، وان تجوّع شعبها حتى الموت جوعاً أو الاستسلام، وفضلاً عن ذلك فإنه يصيب بآثاره البشعة دول الجوار السوري وفي طليعتهم لبنان الذي سيجد نفسه إذا طبّق القانون معزولاً عن البرّ كلياً ما يزيد من أزماته الاقتصادية والمعيشية والمالية وقد بات على حافة الانهيار الشامل.
إنّ قانون الإرهاب الاقتصادي القيصري الأميركي أعدّ ظاهراً ليكون ضدّ سورية انتقاماً من انتصارها على العدوان الكوني عليها، أما في العمق والحقيقة فإنّ هذا العدوان الاقتصادي الذي جاء متعارضاً كلياً مع قواعد القانون الدولي العام وشكل تصرفاً كيدياً أميركياً غير مشروع ضدّ دولة او دول مستقلة ذات سيادة، انه في العمق ضدّ محور المقاومة بكلّ مكوناته وضدّ دول الجوار السوري جميعاً خاصة لبنان وضدّ روسيا والصين وحلفاء آخرين يحافظون على علاقة مميّزة مع سورية.
فـ “قانون قيصر” الأميركي سلاح عدوان اقتصاديّ تشهره أميركا بوجه كلّ مَن ساهم في انتصار سورية ومتحضّر للمشاركة في إعادة إعمارها، ما يفرض على الجميع التعاون والتكامل والتنسيق لخوض معركة دفاع اقتصادي عن الذات وعن سورية. فمحور المقاومة معني مباشر بالمحافظة على انتصاره في سورية، ولذلك هو معني بالمواجهة، والصين وروسيا اللتان تتحضّران للدخول في عملية إعادة إعمار سورية، معنيتان بالمواجهة ورفض التقيّد بأيّ بند من بنود قانون قيصر الكيدية العدوانية، وعليهم ان يتذكروا انّ أميركا لجأت إلى هذا القانون لتمنع إعادة الإعمار بيد روسية وصينية تستبعد اليد الأميركية والأوروبية، خاصة أنّ الرئيس الأسد كان واضحاً في حديثه هنا عندما قال انّ اليد التي دمّرت لن يكون لها فرصة في سورية لتشارك في إعادة البناء.
إذن… مواجهة أميركا وقانون قيصرها لا يمكن أن تقتصر على سورية، فسورية ليست وحدها المستهدفة وان كانت التسمية والتفسير الظاهر للتدبير أنه وجه من وجوه الحرب الاقتصادية ضدّ سورية. فالمواجهة الناجعة المطلوبة هي المواجهة التي يشارك فيها كلّ مستهدف بالقانون مباشرة او غير مباشرة، وهنا يكون التحدي الذي لا بدّ منه لكسر القرار الأميركي بالحصار المتعدد الضحايا.
إن انتصار معسكر المتضرّرين من قانون قيصر هو انتصار للعالم برمّته، كما كان انتصار معسكر الدفاع عن سورية الميداني الحربي ضدّ الإرهاب هو انتصار لكلّ العالم وأحراره، ومن جميل الصدف أن يكون موعد تطبيق قانون قيصر مسبوقاً بعملية الناقلات الإيرانية الخمس التي بها تحدّت إيران الحصار والعقوبات الأميركية عليها وعلى فنزويلا، فكسرت حصاراً مزدوجاً وخصّصت لكلّ إصبع في يد العدوان الأميركي ناقلة تلويه وتمنع اليد الأميركية الملتوية الأصابع من ان تتحرك.
فمواجهة قانون قيصر الإرهابي ينبغي ان تكون مواجهة فاعلة تقوم على رفض الانصياع له، لإفهام أميركا انّ قراراتها ليست قدراً وأن قرارها يسري على مواطنيها ولا يسري خارج حدودها وانّ هيئاتها التشريعية تشرّع لها ولا تشرّع للعالم. رفض يواكب التحضير لأيّ تدبير يمكن ان تتخذه أميركا التي تتآكل هيبتها في الخارج وتنهشها الفوضى والاضطراب في الداخل. فأميركا بعد سقوط الأقنعة عن وجهها البشع المشبع بالكراهية والحقد والعنصرية والمثقل اليوم بالفشل والإخفاق والهزائم ليست القوة التي ترعب وتخيف، فهيبتها التي بها هيمنت على العالم قيد التآكل وهي في أقلّ من 5 أشهر تلقت صفعة “عين الأسد” وركلة الناقلات الخمس ولم تجرؤ على الردّ.
انّ إفشال الحرب الاقتصادية على سورية وحلفائها في جولتها الأخيرة هي مهمة جماعية، فإذا تحقق هذا الفشل فإننا نتوقع ان يكون “قانون قيصر” هو الحلقة الأخيرة من سلسة الإرهاب الاقتصادي الأميركي ضدّ العالم… والنتائج المأمولة تستحق التحدي والمجازفة. والعالم يتطلع بشكل خاص إلى مواقف الصين وروسيا وإيران والعراق ولبنان وينتظر بشكل عام صرخة الأحرار جميعاً “لا لتجويع سورية وخنقها اقتصادياً”، ومن جهتنا نحن فإننا واثقون من الانتصار، خاصة أنّ زماننا اليوم هو زمن الانتصارات بعدما ولّى زمن الهزائم إلى غير رجعة طالما هناك إرادة مواجهة وسلاح مقاوم.
(البناء)