مخطط استيطاني يسلب ويهدم أحياءً مقدسية
تسارعت خلال الأيام الأخيرة إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس، نحو تنفيذ مخطط لتهويد أجزاء واسعة من الأحياء المقدسية وادي الجوز والشيخ جراح والمصرارة، عبر تحويل مناطق شاسعة منها لمركز استثماري استيطاني.
وشرعت بلدية الاحتلال بتنفيذ المشروع عبر توزيع أوامر بإخلال 200 منشأة تجارية وصناعية بالمنطقة الصناعية في الحي المقدسي وادي الجوز، يوم الأحد الماضي، لتعلن في وقت لاحق من اليوم ذاته، عن بدء المرحلة الأولى من المخطط الذي يستهدف أكثر من 2000 دونم من الأحياء المقدسية المحاذية للبلدة القديمة.
وكانت لجنة التنظيم والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس قد أقرت في نيسان/ أبريل الماضي هذا المشروع الذي تم وضعه عام 1994 ضمن مخططات تهويد المدينة المقدسة، بدعوى استغلال جميع “المناطق الخالية” في الأحياء المقدسية.
ومكمن خطورة هذا المخطط بأنه يحول أجزاء واسعة من القدس إلى منطقة جذب واستثمار استيطانية بفعل المناطق التجارية والسياحية الضخمة التي ستقام، بالإضافة إلى استغلاله لربط شرق المدينة بجزئها الغربي لتحويل القدس تدريجيًا “عاصمة موحدة لإسرائيل”، بموجب “صفقة القرن” الأميركية.
وأمهلت بلدية الاحتلال أصحاب المحال والورش في المنطقة الصناعية الوحيدة في القدس الشرقية، ستة أشهر من أجل الإخلاء الكامل والنهائي للكراجات ومحال البناء والمطاعم وغيرها، والتي قدرت الغرفة التجارية الصناعية بالقدس عددها بـ200 محل تجاري.
وادعت بلدية الاحتلال في قرارات الإخلاء التي سلمتها لأصحاب الورش أنها تنوي تنفيذ ما أسمته “مشروع خطة مركز مدينة القدس الشرقية”، على أنقاض هذه المحال؛ فيما ادعت بلدية الاحتلال في بيان صدر عنها أن مشروع المنطقة التجارية والصناعية التي تعتزم تنفيذه شرقي المدينة المقدسة يأتي في سياق “لتعزيز الثقة بين البلدية والمواطنين العرب في المدينة“.
ويشمل المخطط إقامة بنايات ضخمة ستستخدم في قطاع التكنولوجيا و”الهاي تيك”، كذلك إقامة حدائق ومكاتب ومبان حكومية. وأظهرت تقارير صحفية إسرائيلية أن المنطقة المهوّدة ستصبح مقرا لشركات تكنولوجيا المعلومات الاحتلالية بشكل يشبه “وادي السيلكون” التكنولوجي في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
وتتذرع بلدية بأن المشروع الاستيطاني سيوفر “10 آلاف فرصة عمل عالية الجودة في القدس الشرقية وزيادة معدل توظيف النساء من القدس الشرقية، بالإضافة إلى زيادة الثقة بين سكان القدس الشرقية مع البلدية والحكومة، وتعزيز وضع المناهج الدراسية الإسرائيلية في القدس الشرقية كمفتاح للتعليم العالي والتوظيف”، وفق ما جاء في بيان بلدية الاحتلال في القدس أورده الموقع الإلكتروني لصحيفة “يسرائيل هيوم“.
وجاء في إنذار بلدية الاحتلال إنها “ملزمة ببدء إجراءات فرض القانون ضد مخالفات البناء بما في ذلك الاستخدامات الاستثنائية حتى لو بنيت قبل سنوات طويلة، وسيعاقب كل من تثبت مخالفته للقانون وفقا للعقوبات المنصوص عليها قانونيا، بما في ذلك الغرامات وأوامر الحظر والهدم“.
وفي هذا السياق أوضح رئيس الغرفة التجارية الصناعية في القدس المحتلة، المحامي كمال عبيدات، أن السلطات الإسرائيلية صادقت على مشروع إخلاء المنطقة الصناعية منذ بداية كانون الثاني/ يناير الماضي، لإخلاء الجزء الأول من كراجات ومنشآت مبنية بناءً قديما أو على شكل بركسات وصفيح، وهي المنطقة العليا من منطقة وادي الجوز الصناعية، وتعود ملكية العقارات والأرض لعائلة الخطيب.
وأضاف عبيدات في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (“وفا”)، أن حوالي 40 صاحب محل وكراج تسلم قرارات بالإخلاء من أصل 200 محل، فيما يجري الحديث عن مشروع ضخم سيستولي على كمية كبيرة من الأراضي ولا يمكن تنفيذه في وادي الجوز فقط، بل سيمتد إلى مناطق أخرى، حيث يتم الحديث عن إنشاء بنايات بمجموع مساحات 200 ألف متر.
وأشار إلى أن “الاحتلال لم يوفر مكانا بديلا للكراجات”، وقال: “نحن نخشى من قطع مصدر الرزق الوحيد لمئات العائلات، ونخشى من تغيير وجه حي وادي الجوز بالكامل، فالمنشآت القائمة منذ 70 عاما سيجري إخلاؤها، وما نخشاه أن يندرج هذا المشروع في إطار تفريغ المدينة عبر تهجير عشرات العائلات التي ستفقد مصدر رزقها“.
وشدد على أن “ما يجري هو قرار عنصري يهدف لتغيير وجه المدينة، والاحتلال يريد أن يستولي على المنطقة الصناعية ويدمرها بعد أن دمر الزراعة في مدينة القدس”، مطالبا بتشكيل فريق فلسطيني من خبراء قانونيين محليين ودوليين من أجل العمل لوقف هذا المشروع الذي يهدد القدس برمتها.
من جانبه، اعتبر مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، زياد الحموري، أن ما يجري في وادي الجوز أمر خطير جدا، فقد تم إبلاغ قسم من أصحاب العقارات بإخلاء المنشآت من أجل بناء حوالي 200 ألف متر مربع لبنايات تصل لارتفاع 16 طابقا، تضم فنادق ومحلات تجارية وكلية تكنولوجيا ومكاتب “هاي تيك”.
وأوضح الحموري أن “ما تبقى من أجل استكمال تهويد القدس هو 6% فقط، وخطورة هذه الخطة هو خلق تواصل استيطاني بين مختلف البؤر الاستيطانية في الشيخ جراح، وكذلك خلق تواصل مع المؤسسات الحكومية الرسمية مثل مبنى الشرطة، وبالتالي تصبح هذه المنطقة يهودية بالكامل مع امتداد البنايات في منطقة أرض السمار بالشيخ جراح“.
ولفت إلى أن “التهويد يتم أيضا في منطقة المصرارة شمال القدس العتيقة، وسيجري بناء بنايات ضخمة مقابلة لسور القدس، وبنايات مقابلة للسور في سلوان جنوب القدس بمساحات آلاف الأمتار، وهذه البنايات المرتفعة ستشوه مدينة القدس كاملة، وسورها حيث ستوضع أنوار تهويدية كذلك“.
وأضاف أن “الخارطة الهيكلية لــ2020 في القدس هي نقاء العرق في البلدة القديمة، أي طرد العرب من البلدة القديمة وإحلال اليهود مكانهم، عبر تشجيع أهالي البلدة القديمة لتركها مقابل مغريات مادية“.
وأوضح أنه “سبق الإعلان عن إخلاء صناعية وادي الجوز، إعلان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو منح 200 مليون شيقل لمخطط تهويد القدس إضافة لكل المبالغ التي ترصد للتهويد، فالاحتلال يستعجل بتوفير هذه المبالغ من خلال وزارة شؤون تهويد القدس لديه، هذا إضافة لما تقوم به الجمعيات الاستيطانية التي تحضر مبالغ مخيفة من أميركا وأوروبا لتهويد القدس”.