عودة العملاء محاكمة للمقاومين والشهداء…! شوقي عواضة
عندما أعدمت المقاومة الفرنسيّة الآلاف من العملاء الذين تآمروا على فرنسا ومقاومتها في فترة ما بعد التّحرير من الاحتلال الألماني كانت تمارس حقّها في تطهير الوطن من الخونة الذين باعوا أنفسهم بأبخس الأسعار لعدوّهم، وباعوا أوطانهم وانتهكوا مجتمعاتهم وقاتلوا واعتقلوا ونكّلوا وعذّبوا أبناء جلدتهم نصرة لعدوّهم ولم يكن بحسبانهم أنّ القيد سينكسر، وأنّ السّجان سيُسجن والقاتل سيُقتل، فجاءت تلك اللّحظة التّاريخيّة لحظة انتصار دماء الشّهداء وتضحيات المناضلين والمقاومين وحفظاً لكلّ تلك التّضحيات تبنّت لجان المقاومة الفرنسيّة إعدام آلاف العملاء ميدانياً دون اللّجوء إلى محكمة من محاكم الدّولة فقامت بإعدام عشرة آلاف عميل رمياً بالرّصاص إضافة إلى عشرين ألفا تمّ إعدامهم شنقاً وفقاً لوثائق رسميّة في متحف المقاومة الفرنسيّة لتستكمل عملية التّحرير من العملاء بتقديم 127 ألف ملفّ للمحاكمة القانونيّة أدين منها 97 ألف عميل تراوحت أحكامهم بين الحكم بالسّجن من خمس سنوات وصولاً إلى الإعدام.
تلك فرنسا أمّ التّشريع كما يراها البعض والتي لا زلنا في لبنان نعود إلى قوانينها التي وضعتها خلال احتلالها له، والتي طوّرتها هي وبقينا على ما وضعته الأمّ الحنون من القوانين.
هذا في فرنسا أمّا في الجزائر بلد المليون شهيد والتي ما زال الشّرفاء من أبنائها والمحاربين القدامى يرفضون حتى اليوم عودة العملاء إلى الوطن. أمّا في لبنان فقد أصبحت العمالة وجهة نظر مبرّرة ولديها من يدافع عنها من سياسيين ومسؤولين دون أيّ خجل .
في لبنان فقط يكرّم العميل من قبل بعض أقطاب الدولة التي لولا المقاومة وشهداؤها لم يكن لها من سيادة، ولا هيبة في لبنان فقط يكرّم سفاح ارتكب المجازر بحق الأسرى والمعتقلين وخطف واغتال مواطنين لبنانيين بأوامر «إسرائيلية» ويهرّب بطائرة أميركية في وضح النهار دون أن يهمس أيّ من أدعياء السيادة ببنت شفة. غير المزيد من المطالبة بعودة العملاء إلى لبنان، لتصبح للعملاء جمعيّات ومنظمات حقوقيّة وإنسانية ونشاطات من أجل عودتهم بل وأصبح لهم صوت في البرلمان وممثلون لهم ولم يعد ينقصهم سوى تشكيل لائحة للانتخابات البرلمانية المقبلة، أو ان تطرح السفيرة الأميركية بعض أسماء العملاء وترشّحهم لبعض الوزارات وبعض المراكز والإدارات في الدولة، وبذلك ينال لبنان الرضا الأميركي ويصبح دولة ديمقراطية لا تغضب سياساته ترامب ولا تدفعه لتشديد الحصار على لبنان. ورغم انّ المقاومة في لبنان شكلت منارة للديمقراطية التي مارستها بتسليم العملاء للمحاكمة بعدما وضع الأمين العام لحزب الله سماحة السّيد حسن نصرالله قبيل تحرير عام 2000 استراتيجية تقول إنّ الخائن لا دين له ودينه الخيانة أياً كان العميل ومهما كانت ديانته هو لا دين له سوى الخيانة. تمّ التهاون في التعاطي مع العملاء ورغم ذلك كان تصرّف المقاومة الذي أذهل العالم أرقى بكثير من محاكمات المقاومة الفرنسيّة، ولم يكن ذلك ضعفاً من المقاومة، بل كان إصراراً على استكمال التّحرير على أن تتمّ محاكمة العملاء، وتمّت المحاكمات بأقلّ أحكام عرفها التّاريخ لعملاء خانوا وقتلوا وتعانوا مع المحتلّ الإسرائيلي. اليوم ومع عودة طرح العفو عن العملاء والخونة نقول لممثلي العملاء في لبنان أولئك المتحمّسين والمتعاطفين والمتآمرين على الوطن والمقاومة لعلّكم لم تقرأوا التّاريخ جيّداً ولم تدركوا أنّ ما من مقاومة انتصرت إلّا وحكمت سوى في لبنان، لم تحكم المقاومة ولن تحكم لأنّه لم تكن السّلطة ولن تكون هدفاً لها لا سابقاً ولا حاضراً، وهذا لا يعني بأنّ المقاومة ضعيفة أو أنّ المقاومين سيتهاونون في القيام بواجباتهم الوطنيّة، لا سيّما في قضية العملاء التي أصبحت تشكّل قضية رأي عام وقضيّة وطنيّة بامتياز وما جرى بعيد تهريب جزار الخيام كان رسالة واضحة لكلّ العملاء تعبّر عن حجم الصراع مع العملاء وما يطرح اليوم من اقتراح عفو عن العملاء يطرح الكثير يضعنا أمام مواجهة المرحلة والاعتراف بأنّه في حال عودة العملاء فإنّهم سيعودون كجيش عملاء وضباط من الشاباك وفرق المستعربين لهم مهماتهم ووظائفهم وأهدافهم. إضافة إلى حملهم الجنسية الإسرائيلية منذ سنوات وهذا لم يكن نتيجة تقصير من الدولة اللبنانيّة بل كان نتيجة لخيانتهم لوطنهم ولإصرارهم على التآمر والتعامل مع العدو الصّهيوني وبناء عليه فإنّ عودة العملاء لا يمكن تصنيفها إلّا مقدمة لمحاكمة الشهداء والمقاومين الذين قاتلوا وحرّروا وقدّموا أرواحهم من أجل تحرير الأرض واستقلال لبنان الذي يصرّ البعض على إعادته للزمن الاسرائيلي ولتعميم وتكريس ثقافة الانهزام والانبطاح أمام العدو ولن يتحقّق ذلك مهما كانت التضحيات.
ففي لبنان المقاوم لا يزال الشهيد عماد مغنية يرابط على الثغور ولا تزال عيون الشهيدة سناء محيدلي عند كلّ مفترق تترقب وما زال أحمد قصير وخالد الأزرق وبلال فحص حاضرين ويقودون جيلاً من الكرامة والعنفوان وسينتصرون…