من الصحف الاميركية
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الصادرة اليوم بأن جهاز الأمن الرئاسي الأميركي نقل الرئيس دونالد ترامب مساء يوم الجمعة الماضي إلى مخبأ سري مخصص لمواجهة أي تهديد إرهابي، كإجراء احترازي بسبب اقتراب الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد من البيت الأبيض.
وقالت الصحيفة إن سبب اتخاذ ذلك الإجراء الاحتزازي غير واضح، ونقلت عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم إن الرئيس ترامب لم يكن معرضا لأي خطر حقيقي.
وذكرت الصحف الاميركية ان العاصمة واشنطن شهدت صدامات بين الشرطة ومتظاهرين مع بدء حظر التجول الذي فرضته السلطات الأميركية للسيطرة على المظاهرات التي اندلعت منذ أيام في ولايات عدة احتجاجا على مقتل شاب أميركي من أصل أفريقي على يد أفراد الشرطة.
ونقلت عن مسؤول أميركي قوله إن أكثر من خمسين عنصرا في جهاز الخدمة السرية في الشرطة أصيبوا بجروح في واشنطن.
ولفتت واشنطن بوست الى أنه تم استدعاء جميع عناصر الحرس الوطني الخاص بالعاصمة واشنطن، والمقدر عددهم بنحو 1200 جندي.
كما ذكرت أنه تم إحراق عدد من السيارات في مناطق محيطة بالبيت الأبيض، وقالت إنه تم إخماد حريق في الطابق السفلي من كنيسة سانت جون الموجودة بالمنطقة نفسها.
في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 تحدث الموظف المتقاعد من مجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأميركية بروس ريدل أمام جمع من الحضور في معهد بروكينغز بالعاصمة واشنطن، وقدم بعض الملاحظات الصادمة حول العلاقات الأميركية السعودية.
يقول الكاتب دوغلاس لندن في تقرير نشرته مجلة “بوليتيكو” الأميركية إن ريدل الذي قضى 40 عاما في متابعة الشأن السعودي انطلاقا من المسؤوليات التي تحمّلها، كان يراقب أسرار الاقتصاد والدبلوماسية السعودية إضافة إلى سياساتها الداخلية، وكانت لديه نقطتان يريد إيضاحهما حول أهم حليف لواشنطن في الشرق الأوسط.
النقطة الأولى تتمثل في أن السعودية شهدت مؤخرا تغييرا مثيرا للقلق، باعتبار أن سياساتها التي كانت في السابق غامضة بشكل عادي وقابلة للتوقع، أصبحت منذ العام 2014 متقلبة وغير قابلة للتوقع بشكل يفوق ما كانت عليه خلال الأربعين سنة الماضية.
أما النقطة الثانية فهي أن البيت الأبيض -على ما يبدو- قرر أن يمنح دعمه الكامل للقيادة الحالية للمملكة دون بذل جهد جاد لفهمها، حيث قال ريدل إن الرئيس دونالد ترامب أعطى السعودية صكا على بياض فيما يخص سياساتها الداخلية والخارجية، وهو ما يجعل سياسة واشنطن نحو الرياض -التي كانت حذرة- تصبح الآن مغامِرة ومتهورة إلى أبعد الحدود.
ويقول الكاتب لندن -وهو ضابط عمليات سابق في السي آي أي- إن المملكة السعودية أرسلت في ربيع هذا العام موجات صدمة في كافة أنحاء العالم، بعد أن انخرطت في لعبة مدمرة اقتصاديا ضد خصمها النفطي روسيا، إذ بعد انسحابها من مؤتمر الدول المنتجة للنفط، قررت الرياض زيادة إنتاجها من أجل خفض الأسعار بسبب ما اعتبرته تخليا من موسكو عن دورها. هذه الخطوة أدت إلى انهيار الأسعار العالمية، بالتزامن مع تسبب فيروس كورونا في شل حركة الاقتصاد.
ويضيف أنه قبل هذه التطورات كانت الحكومة السعودية نفسها قد تعرضت لعملية تطهير مثيرة، قادها ولي العهد محمد بن سلمان الذي يبدو أنه عزز سلطته في السنوات الثلاث الماضية، ويحظى أيضا بدعم إدارة ترامب.
ويشير الكاتب إلى أن عديد المحللين والخبراء من أمثال بروس ريدل، يحذرون من أن إدارة ترامب قبلت بمحمد بن سلمان بنفس طريقة قبول إدارة باراك أوباما بولي العهد السابق محمد بن نايف، أي بالاعتماد على جهاز مخابرات على درجة عالية من التسييس، يتعمد -على الأرجح- ترك ثغرات هامة في المعلومات التي يطلع عليها الرئيس.
ونتائج هذا الأسلوب تبدو مثيرة للقلق، فمحمد بن سلمان خلال الفترة التي قضاها في السلطة ورّط الولايات المتحدة في المستنقع اليمني، واغتال الصحفي جمال خاشقجي، كما تسبب في اضطراب أسواق الطاقة، وغازل خصوم واشنطن على غرار روسيا والصين وإيران.
ويقول الكاتب إن التعامل الأميركي مع السعودية كان دائما يعتمد على جمع المعلومات الاستخباراتية من أجل تحديد الدوافع الحقيقية والتفاعلات الداخلية داخل هذه المملكة، التي تعد بلدا غامضا لا يخضع حكامه لمبادئ الشفافية الداخلية أو الحد الأدنى من المحاسبة الخارجية.
ويضيف أن هذه المملكة يحكمها الآن الملك سلمان الذي بلغ 84 عاما وأصابه الوهن، وهو يمثل غطاء لابنه الذي يتولى الحكم فعليا، ولذلك فإنه بات من المهم أكثر من أي وقت مضى الحصول على معلومات استخباراتية موثوقة حول ما يحدث في هذا البلد، الذي تجمعه بواشنطن علاقات عسكرية ودبلوماسية وتجارية بمليارات الدولارات.
ويشير الكاتب إلى أن ناقدي هذه السياسة الأميركية حذروا من أن المؤسسات الاستخباراتية الأميركية، وخاصة آخر ثلاثة مدراء لوكالة الاستخبارات المركزية، اتخذوا مقاربة مسيسة جدا في جمع المعلومات عن السعودية. وعوضا عن طرح الأسئلة الهامة وتعزيز أسلوب جمع المعلومات، فضل مسؤولو المخابرات الدفع باستنتاجاتهم وأشاحوا بنظرهم عن أية حقائق تخالف رؤيتهم.
ويشير الكاتب إلى أن هذا النهج لا يزال متواصلا، إذ دفع وزير الخارجية مايك بومبيو المسؤولين في وزارته إلى البحث عن تبرير للإعلان الذي قام به في العام الماضي حول تجاهل الكونغرس وتمرير صفقة لبيع الأسلحة للسعودية بقيمة 8 مليارات دولار.
ويضيف أن مسؤولي البيت الأبيض -على ما يبدو- واجهوا حليفا دبلوماسيا معقدا وخطيرا، ففضلوا غض النظر عن السلوك السعودي وسمحوا لأنفسهم بأن يتم توجيههم من قبل مسؤولي الاستخبارات الذين كانت لديهم دوافع شخصية.
ويوضح الكاتب في هذا الصدد أن تسييس العمل المخابراتي من أجل تقويض الحقيقة لا يتم بالضرورة بشكل مباشر، إذ يمكن لمجرد قرار بالامتناع عن طرح أسئلة معينة، أن يكون له نفس الأثر مثل التلاعب ونفي الحقائق، وعلى سبيل المثال لا توجد أدلة على أن جورج بوش أو أوباما أو ترامب سعوا في يوم من الأيام إلى صياغة وثيقة تحليلية تدمج بين ما تعرفه مختلف الأجهزة المخابراتية، وذلك من أجل تحديد الأسئلة التي يجب طرحها والأدلة والإثباتات التي يجب الحصول عليها، بهدف التوصل إلى تقييم يكشف عن حقيقة القيادة السعودية وسياساتها وسجل حقوق الإنسان والاستقرار الداخلي فيها.
ويقول لندن إن السلوك الحالي لإدارة ترامب يعد غير مسبوق بالنسبة له، رغم أنه عمل في المجال المخابراتي على مدى أربعة عقود، إذ لم يحدث أن كان مجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأميركية يركزان بهذا الشكل على السيطرة على المعلومات التي يمكن أن تفضح وتناقض أو تسيء للرئيس.
ويذكر أن واشنطن في عهد الملك عبد الله كانت تدعم الأمير نايف وتتوقع وصوله إلى سدة الحكم، وبالتالي فشلت في توقع الانقلاب الذي حصل في يونيو/حزيران 2017 داخل القصر الملكي، والذي مكن محمد بن سلمان من أخذ مكان ابن عمه نايف والزج به في الإقامة الجبرية.
ويضيف الكاتب أن هذا الفشل يعني أنه خلال عامين فقط تم تحييد الأحصنة التي راهنت عليها واشنطن في الرياض، فسلمان الذي كان يعاني من المرض أصبح ملكا عام 2015، ثم في 2017 تمكن ابنه محمد من التخطيط للانقلاب، وهو ما جعل الولايات المتحدة تتعامل مع حليف لم تكن تدعمه، ونجم صاعد لا تعرف عنه الكثير.
ولذلك يعتبر لندن أن أجهزة المخابرات الأميركية فشلت في مهمتها، وأن جون برينان رغم ما يدعيه من كونه خبيرا في الشأن السعودي، ومحللا مخضرما في وكالة الاستخبارات، ومدربا لتقديم التقييمات المحايدة والمبنية على المعلومات الاستخباراتية، ارتكب خطأ حين سيّس دوره ودور وكالة الاستخبارات.
ويرى الكاتب أن ترامب مطالب بإثبات الجدوى من وراء علاقته الإيجابية بولي العهد السعودي، بشرط أن يتم ذلك بناء على إثباتات من وكالات الاستخبارات. والفشل في اعتماد هذا النهج قد يقود واشنطن إلى أخطاء كتلك التي سببت لها أكبر المواقف إحراجا في الشرق الأوسط، مثل الفشل في توقع الثورة الإيرانية، والتلاعب بالمعلومات عام 2002 لتبرير غزو العراق.