تحضير وسائل الإعلام لـ “حرب باردة جديدة” مع الصين بقلم غريغوري شوباك

غلوبال ريسرش  18 مايو 2020

تضع وسائل الإعلام المؤسسية الأساس الأيديولوجي لحرب باردة جديدة مع الصين ، وتقدم الأمة الصينية كقوة معادية ينبغي إخضاعها.

نشرت صحيفة واشنطن بوست (4/23/20) مقالاً للسناتور الجمهوري ميت رومني ، الذي كتب في الفقرة الثانية منه: “كشف وباء كوفيد 19 ، إلى حد كبير ، أن صحتنا في أيدي الصينيين ؛ من الأدوية إلى الأقنعة نحن تحت رحمة بكين “. أمريكا ، في هذا المفهوم ، هي تحت السيطرة الصينية ، طغيان من الواضح أنه لم تفرضه الحكومة الصينية فقط ، ولكن الشعب الصيني بشكل عام.

في التفاصيل يخفي هذا الاستنتاج حقيقة ان الولايات المتحدة التي لديها أكثر من 21 مرة من الرؤوس النووية مثل الصين ، أو حقيقة أن الدولار الأمريكي وليس اليوان الصيني هو الذي يدعم النظام المالي العالمي ، لا يدخل في الاعتبار. وبدلاً من ذلك ، ولأن الولايات المتحدة تستورد الكثير من السلع المصنوعة في الصين ، حث رومني القراء على تبني فكرة هيمنة الصين عليهم وأنهم مضطهدون أمريكيون ، يشكون من هيمنة صينية يجب مقاومتها ضمناً.

حذر رومني جمهوره من أن الصين لديها “استراتيجية كبرى للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية” وبالتالي يجب على “الغرب” أن “يستجيب [د]” مع “استراتيجية موحدة بين الدول الحرة لمواجهة الافتراس التجاري للصين وتهديدها للأمن الغربي المشترك “.

وقال إن الصين تجري “حشدًا عسكريًا ينذر بالخطر”. حذر رومني ، من المؤكد أن الأدلة المتوفرة تشير إلى أن الولايات المتحدة تنفق ما يقرب من ثلاث مرات ما تفعله الصين على أجهزتها الحربية ، ولكن “يجب على الأمريكيين ألا يستريحوا في ميزانيتنا العسكرية الكبيرة بشكل غير متناسب” ، لأنه من المفترض أن “مشتريات الصين السنوية من المعدات العسكرية متطابقة تقريبًا مع إعداداتنا “، على الرغم من أن القليل منهم يعرفون شيئا عن هذه” الإعدادات السرية الخارجية “.

ثم كشف عن تهديد الصين المفترض لأمن أمريكا: “لأن جيشنا لديه مهام حول العالم ، هذا يعني أنه في منطقة المحيط الهادئ ، حيث تركز الصين قوتها النارية ، سيكون لها التفوق العسكري”. وبعبارة أخرى ، فإن الصين تشكل خطراً لأنها “تركز قوتها النارية” في المحيط الأقرب إليها ، في حين أن الحق الإلهي للولايات المتحدة في الاختبار يتطلب أن يجتاح جيشها العالم.

جادل السناتور بأن “العمل يجب أن يطبق في قطاعات الأمن القومي” مثل تكنولوجيا الهاتف والطب ، وأن “الدول الحرة يجب أن توافق بشكل جماعي على أننا لن نشتري هذه المنتجات إلا من دول حرة أخرى” كجزء من خطة “لحماية … أمننا “.

فكرة أن الصين تشكل تهديدًا لأمن الأمريكيين لا أساس لها من الصحة: لم تهدد الصين بمهاجمة أمريكا ، بينما للولايات المتحدة وجود عسكري ضخم في منطقة آسيا / المحيط الهادئ. يريد البنتاغون ، بدعم من الحزبين ، إثارة هذا الخطر بزيادة 20 مليار دولار في الميزانية ، ومع الأسلحة الهجومية مثل صواريخ توماهوك البحرية الأرضية التي حظرتها معاهدة القوات النووية متوسطة المدى حتى ألغت الولايات المتحدة الصفقة. وفي الوقت نفسه ، لا يوجد للصين أي منشآت عسكرية قريبة من الولايات المتحدة.

دعا رومني مرارًا وتكرارًا “الأمم الحرة” ، وهي مجموعة تضم فيها الولايات المتحدة ، لمواجهة الصين. من خلال القيام بذلك ، وصف الصراع المحتمل على أنه معركة حضارية بين الحرية والديكتاتورية لكن أنالولايات المتحدة لديها أعلى عدد من السجناء قياسا على عدد السكان امر لا يزعج خاطر السناتور.

أشار رومني أيضًا إلى الصين أو ممارساتها الاقتصادية على أنها “مفترسة” واستعمل تعبير “مفترس” أو “افتراس” ثماني مرات ، مما يجعل الولايات المتحدة وحلفاءها فريسة مفترضة. كتب رومني: “اليوم ، سلاح بكين المختار اقتصادي: رأسه هو الافتراس الصناعي العالمي”.

 إن الصين “مفترسة ، غير مقيدة بالقواعد التي يتبعها منافسوها” ، لذا “عندما تمر الأزمة الصحية المباشرة يجب على الولايات المتحدة أن تجمع دولًا متشابهة التفكير لوضع استراتيجية مشتركة تهدف إلى ثني الصين عن مواصلة مسارها المفترس.”.

 ينشر رومني نظرة عالمية قاتمة يستغل فيها الشرقيون الوحشيون الهمجيون الأبرياء لأمريكيين الملتزمين بالقواعد الذين لا تخالف أعمالهم القوانين أو تتضمن أي شيء يمكن اعتباره مفترسًا.

الصين- الولايات المتحدة. العلاقات: من الحرب التجارية إلى الحرب الساخنة؟

وبالمثل قال جورج ويل من صحيفة واشنطن بوست (4/29/20) إنه من الضروري “الوقوف في وجه الصين” ، داعياً إلى أن تتبنى الولايات المتحدة “سياسة القوة الوطنية” تجاه الصين هذه هي لغة الحرب ، مما يوحي بأن الصين تشكل خطراً على الولايات المتحدة يجب مواجهته بالقوة الأمريكية.

سوف يشجع المرشح الرئاسي الديمقراطي المفترض جو بايدن على “ممارسة ما يبشر به عن الحزبين من خلال ربط نفسه” مع السناتور الجمهوري اليميني المتطرف. “دعم توم كوتون” لكنه يصر على إجراء تحقيق في الدور المحتمل لمختبر بحثي في ووهان ، الصين ، في تفشي الفيروس التاجي.

من خلال المصادقة على التحقيق الذي اقترحه السناتور العنصري ، الذي يدافع عن الحرب ، يعمل ويل على تعميم نظرية مؤامرة مشكوك فيها للغاية، 4/20/20)  تدعي أن Covid-19 هو سلاح بيولوجي صيني تم إطلاقه ، ربما عن غير قصد ، من مختبر أبحاث في ووهان.ويبدو أن ويل سيؤيد رواية كوتون.

سؤال حول التأشيرات للقادمين من الصين لمتابعة دراساتهم العليا هنا في مجالات العلوم والتكنولوجيا المتقدمة: إذا أراد الطلاب الصينيون دراسة “شكسبير والأوراق الفدرالية ، فهذا ما يحتاجون إلى تعلمه من أمريكا. لا يحتاجون إلى تعلم الرياضيات الحديثة والذكاء الاصطناعي من أمريكا “.

على الأقل ، قام ويل بتضخيم ورفض التساؤل حول فكرة أنه يجب النظر إلى الطلاب الصينيين الذين يجرون أبحاثًا علمية عليا في أمريكا بعين الشك ، وذلك ضمنيًا لأنهم قد يكونون متورطين في القرصنة أو التجسس نيابة عن الحكومة الصينية ، على الرغم من عدم تقديم أي دليل على هذا الاتهام. إنه منظور يتخيل أن الدولة الأكثر ثراءً والأكثر اكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض قد يتم إبعادها بطريقة أو بأخرى عن التكنولوجيا المتقدمة – على الرغم من أن الولايات المتحدة لديها على المدى الطويل مكاسب من الأبحاث الصينية أكثر من العكسأي فرضية اعتماد الصين على الخبرات الأميركية التي قد يكتسبها طلابها، 5/24 / 19).

تقدمت صحيفة فايننشال بوست الكندية (5/4/20) إلى أبعد من ذلك ، قائلة إن “الصين يجب أن تدفع  إلى القاع” ، وهي اللغة التي تستمع إليها عندما كانت القوى الغربية تسيطر بالفعل على الصين ، وعاملت الأمة الصينية بمثل هذه الروحية خلال حرب الأفيون  (لندن ريفيو أوف بوكس ، 11/3/11).

ألقى مقال نشرته قناة فوكس نيوز (5/4/20) نيرانًا كاملة وكبريتًا ، داعيًا الولايات المتحدة “للانتقام لمقتل مئات الآلاف” التي تسببت فيها Covid-19. قال مقال آخر في فوكس (5/4/20) إنه من الضروري “محاسبة الصين” على الضرر الذي تسبب فيه الفيروس التاجي ، مشيدًا بقضية ميسوري ضد الصين دون الإشارة إلى تفاصيل بسيطة: المحاكم الأمريكية ليس لها اختصاص لمقاضاة الصين (رويترز ، 4/21/20). هناك عائق آخر ملحوظ لأوهام الانتقام في وسائل الإعلام الأمريكية هو أن الولايات المتحدة والصين لديهما أكبر علاقة تجارية ثنائية في العالم ، وهو أمر يصعب على الولايات المتحدة أن تنفصل عنه ، مع وجودالاقتصاد الصيني في الغالب وتشغيله وكون الولايات المتحدة خارج الإنترنت إلى حد كبير.[ومنظمة] الصحة العالمية كانت [متأخرة منذ وقت طويل]” ، في إشارة إلى ترامب وبالمثل ، ادعى جو باتينفيلد من بوسطن هيرالد (4/14/20) أن “تحرك ترامب لمحاسبة الصينولوقف التمويل عن منظمة الصحة العالمية  الجسم الرئيسي لمكافحة الأمراض المعدية بمثابة رد على اعتداءات وانتهاكات ضد الولايات المتحدة تسببا بها . تحصل منظمة الصحة العالمية على 15٪ من ميزانيتها من الولايات المتحدة ؛ يقر باتنفيلد نفسه بأن سحب هذا “يمكن أن [يعطل] مبادرات الرعاية الصحية للوكالة” ؛ وبعبارة أخرى ، فإن تقويض الصحة العالمية خلال وباء عالمي هو طريقة جيدة لتعليم الصين درسا.

كما أيد المؤلف إقرار الولايات المتحدة “فرض عقوبات على الصين لدورها في انتشار الفيروس التاجي” ، وهو نوع من الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة ضد العديد من البلدان ، مما تسبب في الموت والبؤس الذي لا يوصف (يعقوب ، 3/26 / 20). وبالنظر إلى حقيقة أن الاقتصاد الصيني الخالي من الكوفيد إلى حد كبير من المرجح أن يكون في شكل أقوى بكثير من الاقتصاد الأمريكي في المستقبل المنظور ، إلا أنه من المشكوك فيه أن واشنطن ستكون في وضع يمكنها من فرض عقوبات على بكين.

تكثر المشاكل الأخرى مع فكرة أن الأشرار الصينيين يجب أن يعاقبوا على Covid-19 من قبل الأخيار الأمريكيين. كما أوضح المؤرخ فيجاي براساد (نشرة الشعب ، 4/23/20) ، فإن سرد التستر على الفيروسات التاجية بين الصين ومنظمة الصحة العالمية معيب بشدة.      

 ومن الصعب أن نرى كيف أن الصين هي المسؤولة عن استجابة الولايات المتحدة الكئيبة للوباء ، التي اتسمت بخطوات مثل رفض اختبار فيروس التاجي الذي وافقت عليه منظمة الصحة العالمية في يناير لصالح اختبار تم تطويره من قبل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية (CDC) التي لم يتم إرسالها حتى فبراير ، وبعضها لم يعمل بشكل صحيح أبدا (واشنطن بوست ، 4/18/20).

إن التشوهات الإعلامية للشركات والقنابل الحارقة تهيئ الجمهور الأمريكي لرؤية الصين على أنها شرير خائن يجب مواجهته بقوة ، ربما بالعنف. إن تقديم الصين – والشعب الصيني – كتهديد للولايات المتحدة وشعبها هو أمر أكثر تهورًا في الوقت الذي تحدث فيه “زيادة مثيرة للجزع في العنصرية المعادية لآسيا وشعوبها ( حملة ان بي سي  العنصرية حول مصادر الفيروس التاجي ) لكن مثل هذه الاعتبارات لا تزعج أولئك الذين يعملون في مراكمة الكراهية اللازمة لحرب باردة جديدة.

–         يُدرّس غريغوري شوباك الدراسات الإعلامية في جامعة جيلف-هامبر في تورونتو. عرف بكتابه “القصة الخاطئة: فلسطين وإسرائيل ووسائل الإعلام”

غلوبال ريسرش

ترجمة الشرق الجديد