هل غيّرت زيارة بومبيو مسار نقاش الضم في إسرائيل وواشنطن؟ ديفيد ماكوفسكي
20 أيار/مايو 2020
في 18 أيار/مايو، أدّت الحكومة الجديدة في إسرائيل اليمين الدستورية، منهية بذلك 507 يوماً من حكم تصريف الأعمال تخلّله ثلاث انتخابات غير حاسمة. وبموجب الاتفاق الائتلافي الذي توصل إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الجديد بيني غانتس، يمكن عرض قرار بتطبيق السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية على مجلس الوزراء في الأول من تموز/يوليو على أقرب تقدير – شرط أن تحصل الحكومة على “موافقة كاملة” من الولايات المتحدة على هذه الخطوة، وتجري “مشاورات دولية”، وتضمن “الحفاظ على معاهدات السلام الإسرائيلية -العربية القائمة”. وعلى الرغم من أن وجهات النظر الداخلية في واشنطن والقدس بشأن هذه المسألة لا تزال تبدو وكأنها تتبلور، فقد تكون رحلة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى إسرائيل في 13 أيار/مايو قد وفرت بعض الأدلة المبكرة.
إشارات حذر من بومبيو
لم تكن مسألة الضمّ القضية الوحيدة على جدول أعمال بومبيو عندما وصل إلى القدس. فقد كان أحد أهدافه الرئيسية إثارة مخاوف الولايات المتحدة من أن الإطار التنظيمي لإسرائيل ليس صارماً بما يكفي للتدقيق في التعاون التكنولوجي للقطاع الخاص مع الصين، وأنه يجب أن يكون أكثر يقظة إزاء تغلغل بكين في مشاريع البنية التحتية الإسرائيلية (على سبيل المثال، كانت [إسرائيل] على وشك اتخاذ قرار حول عقْدْ [لبناء] محطة رئيسية لتحلية المياه). وكان الهدف الآخر من الزيارة هو معالجة المخاوف الإسرائيلية بشأن إيران، من بينها وتيرة تخصيبها لليورانيوم، ودورها الخطير في سوريا، وهجومها السيبراني الأخير على منشآت المياه الإسرائيلية. (هناك تكهنات بأن القدس استشارت بومبيو قبل أن ترد بهجوم سيبراني على ميناء إيراني كبير في 9 أيار/مايو).
ومع ذلك، أراد بومبيو أيضاً جس النبض لمعرفة شعور غانتس ووزير الخارجية الجديد غابي أشكنازي بشأن عملية الضمّ، لأن وجهتي نظرهما تختلفان عن وجهة نظر نتنياهو. وسابقاً، تباحث بومبيو مع نتنياهو فقط حول هذه الأمور، إلّا أن هذه الزيارة شملت عقد اجتماعات فردية مع الزعيمين الآخرين أيضاً.
وحتى الآن، ظلت واشنطن حذرة بشأن تفاصيل الضمّ، غير معلنة عن موافقتها الصريحة على الجدول الزمني الإسرائيلي المحدد في الأول من تموز/يوليو. وقرابة وقت زيارة بومبيو، قال مسؤول في البيت الأبيض بعيداً عن الأنظار إن هذا التاريخ “ليس مقدساً” بالنسبة للولايات المتحدة، وكما أشارت المقابلات التي أجراها الوزير في الآونة الأخيرة يجب على إسرائيل توخي الحذر بشأن الاندفاع نحو بلوغ مثل هذا الموعد النهائي. وكان النهج العام للإدارة الأمريكية هو تجنّب اتخاذ موقف علني يتعارض مع موقف إسرائيل مع الاستمرار في التأكيد على ضرورة قيام القدس بمعالجة المسألة بتأنّ. وكما قال أحد كبار المسؤولين بعيداً عن الأنظار في أعقاب زيارة بومبيو، “حصلَتْ [إسرائيل] على حكومة ائتلافية تشمل عناصر متنوعة. وأعتقد أنه سيستغرقهم بعض الوقت للعمل معاً حول ما سيفعلونه“.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن الرحلة قد مكّنت معسكر غانتس-أشكنازي. وعلى الرغم من أنه بإمكان نتنياهو الحصول على عدد الأصوات الضروري في “الكنيست” (البرلمان) للمضي قدماً في عملية الضمّ دون شريكيه في الائتلاف، إلّا أن المسؤولين الأمريكيين يشيرون بصورة غير علنية إلى أن الإدارة الأمريكية ترغب في رؤية موافقة إسرائيلية أوسع نظاقاً على هذه الفكرة تتخطى قاعدة نتنياهو، وأن الدعم من غانتس وأشكنازي أمر مهم.
وأحد المخاوف التي عبّر عنها الوزيران علناً هو رد الفعل العربي المحتمل بشأن الضمّ. ويقول المسؤولون الأمريكيون في المجالس الخاصة إنهم يشككون في قدرة واشنطن على تليين إلى حدّ كبير أي ردّ سلبي من الأردن وغيره من الجهات الفاعلة في المنطقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما إذا كانت رحلة بومبيو قد خففت التوقعات الإسرائيلية بما يكفي في هذا الصدد.
وسؤال آخر هو ما إذا كان اللاعبون الرئيسيون في إدارة ترامب متوافقون جميعهم حول هذا الأمر. فهم يتفقون على أن إظهار الدعم لإسرائيل أساسي بشكل خاص خلال هذا العام الذي سيشهد انتخابات أمريكية، لكن وجهات نظرهم بشأن عملية الضمّ مختلفة. ويبدو أن كبير المستشارين للرئيس الأمريكي جاريد كوشنر يعتبر الموضوع مجرّد أداة للضغط على الفلسطينيين من أجل تقديم عرض مضاد، مما يحول بالتالي دون ضمّ فوري من جانب واحد ويؤدي إلى مفاوضات تحت رعاية خطة ترامب للسلام. ويتكهّن بعض المراقبين أن بومبيو كان حريصاً على التوافق مع نهج كوشنر. غير أن سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان يدعم إيديولوجياً الحركة الاستيطانية، ودعا إلى المباشرة بكافة عمليات الضمّ المقترحة. وفي مقابلة لفريدمان مع صحيفة “يسرائيل هيوم” (إسرائيل اليوم”) قبل وقت قصير من وصول بومبيو، أعرب السفير الأمريكي عن أمله في أن تتم مثل هذه الخطوات في غضون أسابيع. ومن المعروف أنه يسخر من إمكانية قيام دولة فلسطينية، وفي أفضل الأحوال وصف هذا الاحتمال هدفاً بعيد للغاية.
العوامل التي يُمكنها أن تُحدد تفكير نتنياهو
تشير العديد من الأدلة إلى أن نتنياهو قد لا ينوي ضم النسبة المقدرة بـ 30 في المائة من أراضي الضفة الغربية المخصصة لإسرائيل بموجب خطة ترامب على الفور، وأن الجدل الحقيقي هو بين تأجيل القضية بالكامل أو ضم جزء أصغر حجماً، ربما يشمل بعض أو كافة الكتل الاستيطانية المتاخمة إلى حد كبير للمناطق الحضرية الإسرائيلية. ويتمثل المؤشر الأول في أن نتنياهو لديه تاريخ طويل في إطلاق بالونات اختبار معتقداً أنه من الأسهل التأكيد على موقف افتتاحي متطرف، ثم تقييم رد الفعل وتقديم التنازلات خلال عملية مساومة لاحقة. وبهذا المعنى، قد يكون ضغطه من أجل التطبيق الكامل للسيادة في تموز/يوليو مجرد تكتيك تفاوضي.
ثانياً، لم يضم نتنياهو الحزب المؤيد للاستيطان “يمينا” إلى ائتلافه. وعلى الرغم من أن عداوته الشخصية الطويلة الأمد مع قيادة الحزب لا لبس فيها، فقد يكون قد استبعد الحزب أيضاً لتجنب تقييد قدرته على المناورة في عملية الضم. ومن المفارقات أن قيام “يمينا” بانتقاده علناً من اليمين يمكن أن يساعده في التعامل مع المحاورين الأجانب والمحليين الذين يضغطون من أجل الحصول على تنازلات في هذه القضية.
ثالثاً، في ملاحظات أدلى بها نتنياهو بعد أدائه اليمين الدستورية هذا الأسبوع، أدرج رئيس الوزراء العديد من القضايا الأخرى كأولويات عليا قبل عملية الضم، وهي: مكافحة موجة جديدة متوقعة من “كوفيد-19″، والتصدي للتداعيات الاقتصادية العميقة للوباء، والتعامل مع التحديات من إيران، ومعالجة احتمال أن تبدأ “المحكمة الجنائية الدولية” تحقيقاً في إسرائيل. وأشار نتنياهو إلى عملية الضم باعتبارها أولوية خامسة أدنى [أهمية] من جميع القضايا الأخرى، واصفاً إياها بأنها “تفضيل شخصي“.
رابعاً، قد تؤثر مداولات “المحكمة الجنائية الدولية” على حسابات الضم التي يقوم بها نتنياهو. وفي الأسابيع المقبلة، من المتوقع أن يُصدر ثلاثة قضاة دوليين حكمهم بشأن ما إذا كانت المدّعية العامة في “المحكمة” تتمتع بصلاحية التحقيق مع إسرائيل – وهو احتمال وصفه نتنياهو بأنه “تهديد استراتيجي”. فهل سيدفع به هذا الأمر إلى تأجيل قرار الضمّ إلى حين صدور حكم “المحكمة الجنائية الدولية” بشأن مسألة الصلاحية؟ ومن جانبه، علق بومبيو علانية على الموضوع بعد يوم من زيارته، عارض فيه فكرة فتح تحقيق من قبل “المحكمة الجنائية الدولية” وهدد بعواقب إذا حدث ذلك.
خامساً، عادة ما يكون نتنياهو حذراً لتجنب الاشتباكات المفاهيمية المباشرة مع رؤساء الأمن، الذين يفضلون نهجاً عملياً تجاه سياسة ضم الأراضي من أجل الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع نظرائهم العرب في مجال الأمن. وفي أوائل نيسان/أبريل، أصدر أكثر من 200 جنرال إسرائيلي متقاعد رسالة مشتركة سلطت الضوء على العوامل العديدة التي يجب على إسرائيل مراعاتها في اتخاذ قرارها، بما في ذلك مستقبل معاهدة السلام الأردنية -الإسرائيلية، وخطر اندلاع اضطرابات في الضفة الغربية، والتوقف المحتمل للتعاون الأمني لـ “السلطة الفلسطينية” مع إسرائيل، وحتى الانهيار المحتمل لـ “السلطة الفلسطينية” نفسها. وقد تعززت هذه المخاوف في مقال رأي نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” مؤخراً بقلم عاموس جلعاد، الذي هو شخصية بارزة في مجال الدفاع، خلص فيه إلى أن عملية ضم الأراضي توفر فوائد قليلة [وتقابلها] سلبيات كبيرة. وفي الواقع، عندما أجرى العاهل الأردني الملك عبد الله مقابلة مع صحيفة “دير شبيغل” في الأسبوع الماضي، أشار إلى أن أي خطوة من هذا القبيل ستؤدي إلى “صراع واسع النطاق” مع عمّان، مردداً التحذيرات السابقة لرئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز بأن الضم الإسرائيلي للأراضي سيُجمّد معاهدة السلام.
سادساً، يدرك نتنياهو جيداً أن أوروبا، أكبر شريك تجاري لإسرائيل، قد انتقدت الفكرة بشدة. ومن غير الواضح ما إذا كان “الاتحاد الأوروبي” سيكون قادراً على تحقيق الإجماع المطلوب لفرض عقوبات متعددة الجوانب على إسرائيل إذا أقدمت فعلياً على عملية الضم، لأن بعض دول أوروبا الشرقية العضوة في “الاتحاد الأوروبي” تميل إلى دعم القدس في معظم القضايا. غير أن معارضة الدول الفردية قد تترك تأثيرات تسلسلية تتخطى المستوى الثنائي. على سبيل المثال، شجع برنامج “أفق 2020” التابع لـ “الاتحاد الأوروبي” على التعاون التكنولوجي مع المجتمع العلمي الإسرائيلي لتنفيذ استثمارات تقدّر قيمتها بمئات ملايين اليورو. لكن سيتمّ استبدال البرنامج قريباً بآخر يُدعى “هورايزون يوروب” (“أفق أوروبا”)، الذي يتطلب من الدول الأجنبية الحصول على دعم “الاتحاد الأوروبي” بالإجماع لكي يتمّ قبولها.
ومع ذلك، فعلى الرغم من كل هذه العوامل، يشير بعض المراقبين إلى أنه من المرجح أن تكون هذه هي الولاية الأخيرة لنتنياهو كرئيس وزراء، وأنه قد تعهد بتسليم السلطة إلى غانتس في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 وفقاً لشروط التناوب بينهما لرئاسة الوزراء. لذلك، قد يَعتقد أن المضي قدماً في عملية الضم، عاجلاً وليس آجلاً، هي فرصته الأخيرة لتحديد إرثه السياسي – خاصة إذا تم استبدال الرئيس ترامب بجو بايدن، الذي يعارض الفكرة. بعبارة أخرى، يمكن أن تؤدي الرهانات السياسية العاجلة إلى دفع نتنياهو وترامب على السواء إلى التسرع في الأمر حتى في وجه التبعات السياسية السلبية المترتبة على عملية الضم.
الخاتمة
في معرض حديثه عن عملية الضم خلال الزيارة التي قام بها الأسبوع الماضي، صوَّر بومبيو المسألة على أنها قضية تقررها إسرائيل – وهي صيغة من المرجح أنها تشكّلت تحت تأثير حساسيات موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ومع ذلك، تشير الدلائل أيضاً إلى أن بومبيو أبلغ المسؤولين الإسرائيليين أن واشنطن لن تلتزم بالموعد المحدد في الأول من تموز/يوليو. بالإضافة إلى ذلك، لم تتحدث أي جهة فاعلة دولية عن أي مزايا سياسية قد تحصل عليها إسرائيل من اتخاذها إجراءات من جانب واحد، في حين حددت العديد من الحكومات سلبيات مثل هذه الخطوة. وبالتالي، في حين لا يمكن للمرء أن يستبعد ممارسة نتنياهو الضغط للمضي قدماً، يجدر التساؤل عما إذا كان القائد الذي يتجنب المخاطرة تقليدياً سيقلّص بشدة نطاق عملية الضم المقترحة من قبله وتوقيتها. وقد تعتمد الإجابة على كيفية تبلور المناخ السياسي الدولي والمحلي في الأسابيع المقبلة.
ديفيد ماكوفسكي هو باحث في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك مع دينس روس للكتاب، “كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها“.