الاستراتيجية الأمريكيّة في العراق السيد محمد صادق الهاشمي
الجزء الأوّل
أهمّ الخطوات التي حققتها أمريكا كمقدّمةٍ لإكمال باقي استراتيجيتها:
مَنْ يتابع مسارات الأحداث منذ احتلال العراق من حيث المحرّكات والنتائج بدقّةٍ يجد أنّ أمريكا ومنذ عام 2006وإلى عام 2019 قد حققت أجزاء مهمّة من استراتيجيتها للسيطرة على العراق, تلك المراحل والخطوات التي حققتها تعتبر بالنسبة لها مقدّماتٍ مهمّة لإكمال ما بقي من مشروعها، وأهم الخطوات التي تمكّنت من تحقيقها هي :
1. تفكيك موقف البيت الشيعيّ في توجّهاته قرباً وبعداً منها، وجعل بعضه قريباً من تصوّراتها، أو لا يريد معارضتها، وكلٌّ له أسبابه ومبرراته ورؤيته للمصلحة العامّة.
2. جعلت البيت الشيعي مفككاً بنحو لا يمكن أنْ يحقق الحدّ الأدنى من الوحدة على موقفٍ مّا, بل ربّما ظاهرة الخصام والتنافس والقطيعة هي الصورة الماثلة في البيت الشيعيّ, وقيل: إنّها وجدتهم هكذا فاستغلّت فرقتهم، وعلى كلا التقديرين فأنّها منحت خلافاتهم عمقاً، وأيديولوجية، وجعلت القرب والبعد من إيران أحد ملاكات وأسباب الخلاف .
3. تمكّنت من إقناع قطّاعات واسعة من الرأي العام الشيعيّ بأنّ القيادات السياسية الشيعية غير صالحة للقيادة، ولا بدّ من زوالها مستفيدةً من أخطاء الشيعة وخلافاتهم وتقصيرهم في تأسيس مشروع خدمي، وبسبب انتشار ظاهرة الفساد .
4. وظّفت الإدارة الأمريكيّة القطّاع الشعبيّ المتمرّد لصالح مشروعها في إسقاط المشروع الإسلاميّ في العراق، وللحدّ من الدور الإيراني في العراق.
5. نجحت أمريكا في نقل التمرّد ضدّ الحكومة والمعارضة لهم من معارضةٍ سنية – كما حصل منذ عام 2006 إلى عام 2012وما تلاها عام 2014 من دخول داعش – إلى معارضةٍ شعبيةٍ مدنيّةٍ خرجت من داخل المدن الشيعية من خلال منظّمات المجتمع المدني الأمريكيّ بينما جعلت المجتمع السنّي يهتمّ بتطوير مدنه بعد عام 2017، وأبقت على جزءٍ منه يمارس الدور المسلح الداعشي.
6. أمريكا تراقب القطيعة بين المرجعية وعموم الحوزة في النجف مع الأحزاب الشيعية لتعميق عزلتها شعبيا، وتوسيع مساحة القطيعة بينها وبين الجمهور، وهي تدرك أنّ تلك القطيعة تعني بفعل تأثير المرجعية في الواقع السياسيّ والاجتماعيّ سوف تترك آثارها على مستقبل الأحداث, وكان بإمكان الأحزاب أنْ تنهي قطيعة المرجعية لها بالسير نحو الخدمات جدّياً، وتقليل المحاصصات والفساد، ولكن القوم هم القوم .
7. تمكّنت أمريكا أنْ تدفع بالشيعة إلى التظاهرات بتاريخ 1-10-2020، بطريقة انتقامية، وبشعارات ضدّ إيران، وهي شعارات لا تختلف عن الشعارات التي رفعتها المدن السنّية في تظاهراتها عام 2012 كلّها تنادي بطرد إيران من العراق، وبعزل الطبقة السياسية الحاكمة.
8. تمكّنت أمريكا أنْ تسخّر زخم التظاهرات لإسقاط حكومة عادل عبد المهدي لعزل إيران والجناح السياسيّ المؤيّد.
9. تمكّنت أنْ تمنح بعض المؤسسات العراقية، ومراكز القرار دوراً لإسقاط الإسلاميين، والحدّ من الدور الإيراني في العراق من داخل العملية السياسية، وقد تمّ هذا من خلال إيكال الدور المهمّ لرئيس الجمهورية برهم صالح والمحكمة الاتحادية .
10. منع ترشيح أيّ شخصية بديلة عن عادل من المحور الشيعيّ العراقيّ المسانخ له , وقد أُرغم الشيعة على أنْ يكون خيارهم هو اختيار شخصية من خارج الأحزاب الشيعية، قريبا من الخطّ الأمريكيّ.
11. ربط قرار برهم ببعض الأحزاب الشيعية لتمزيق الصّف الشيعيّ الإسلاميّ، وترجيح أحدهما على الآخر، وفق ما ينسجم مع المتغيّرات .
12. تمكّن المحور الذي يقوده برهم نيابة عن أمريكا من إيصال الشيعة إلى قناعةٍ باختيار العناصر الشيعية الليبرالية، فكان الاختيار على (محمّد توفيق علاوي) وفشل، ثمّ نعيم السهيل، ثمّ الزّرفيّ، ثمّ الكاظميّ، والمهمّ في الامر بالنسبة إلى أمريكا أنّها سجّلت بأنّ القناعات الشيعية تتجه مضطرةً أو مخيّرة إلى أنْ لا يتجاوز خيارهم خيارها.
13. رفع سقوف المطالب الكردية حتّى يعوّض الكرد فشلهم في الانفصال بأخذِ مساحةٍ واسعةٍ من القرار الاتحادي مالياً وسياسيا وإدارياً، وحتّى يشكّل الضغط الكرديّ أحد الأوراق الأمريكيّة لإخضاع الشيعة للقبول والتكيّف مع الاستراتيجيات الأمريكيّة.
14. تفكيك الموقف السنّي حتى لا يمكن للشيعة أنْ يجدوا قوّةً وكتلةً كبيرةً يتحالفون معها، وبالتحديد إضعاف الكتل السنّية المؤمنة بالتحالف مع البناء، فكانت الخطوة الأمريكيّة في جعل السنّة ثلاث كتل، أحدها يقودها خميس الخنجر « أبناء المناطق المحررة»، وكتلة يقودها أسامة النجيفيّ « التنمية والحوار»، وكتلة يقودها الحلبوسيّ « اتحاد القوى العراقية»، والآن برزت كتلةٌ رابعةٌ يقودها الكربولي «معارضون» وبالتالي فإنّ توزيع القرار السنّي هو خطّة أمريكية حتّى لا يتمكّن الشيعة من أنْ يستميلوا اليهم قوّة سنّيةً كبيرةً مستقبلاً، وحتّى تتمكّن أمريكا من أنْ تلعب بالقرار العراقيّ، وتقلّص مساحة تفاعل السنّة مع إيران.
15. إبقاء التظاهرات التي يقودها التيار الأمريكيّ حاضرةً في الشارع، ولا تقبل التردد أو السكون، وكلّ مرحلةٍ ترفع سقف مطالبها بما ينسجم مع المطالب الأمريكيّة والاستراتيجيات التي تريد تنفيذها لاحقاً.
16. أنجزت أمريكا مشروعاً مهمّاً في الإعلام ومؤثّراً، وهو برنامج القوّة الناعمة التي تعتبر قليلة الكلفة، وكثيرة التأثير، فصلت من خلاله بين الأحزاب الشيعية والجمهور، بدرجات متفاوتة وأيضا تمكّنت من أنْ تقسّم الجمهور الشّيعيّ إلى محاور، تختلف بل ربّما يتصارع لاحقاً لأسباب عديدةٍ منها داخلية ومنها استثمار أمريكيّ.
17.وجدت أمريكا فراغاتٍ كبيرةً في المجتمع الشيعيّ وضعفا في حركة التبليغ والتربية، فاغتمت الفرصة في استيلاد حركات عقائدية ضمّت إليها كتلاً شبابية شرسة «الجوكر»، واصطنعت حركات مهدوية وغيرها، وأمعنت بالشباب سحقاً، مستغلّة التباين الطبقيّ والفقر والبطالة، فرصدت الأموال، وأسست حركاتٍ مثليةً، واخرى مدنية، وكان لمنظمة «العراق كوير» – التي ترعى المثليين – ومنظمة «إيلب» دورٌ في كسب الشباب، وفتحت لهم أبواب العمل الإلكترونيّ لتمدّهم بالثقافة الغربية المتحللة، وبالتالي نحن أمام جيل من هذه الشرائح الكبيرة , ولا ننسى الدّور الأمريكيّ في نشر الخمور والمخدّرات وصالات القمار والدّعارة بأرقام مخيفة.