“حارس القدس” والانتماء القومي لسورية وفلسطين
غالب قنديل
ليست مصادفة ان يكون “حارس القدس ” إنتاجا دراميا سوريا تنتجه الدولة الوطنية السورية المحاصرة والتي تربض على مواردها الكبرى قوات الاحتلال الأميركية وعملاؤها في الشرق بينما تسطو عليها عصابات الإرهاب في الشمال بدعم من الحكم التركي الأخواني اللصوصي الذي نهب معامل حلب وخيراتها ودفاتر زبائنها في المنطقة والعالم بينما يدنس عملاؤه حقول إدلب وكرومها منذ تحرير حلب التي نهضت صناعتها من جديد برعاية خاصة من الدولة.
أولا بالقدر ذاته ليست مصادفة ان يكون المطران هيلاريون كبوجي عربيا سوريا كما كان يردد بصوته الجهوري في جميع المحافل ولا ان يكون عزالدين القسام عربيا سوريا أيضا فسورية هي قلب العروبة وقلعة المقاومة هذا تاريخها وهذا هو موقعها وخيار شعبها وهذا هو سر الحرب العالمية التي شنت عليها من سنوات لتدمير قوتها ولمنعها من مواصلة نموها الاقتصادي المستقل ولمنع تطور قدراتها العسكرية كقوة تحررية داعمة لقوى المقاومة في المنطقة وهي ظلت بقيادة الرئيس البشار على ثباتها السياسي الحازم متمسكة بالمباديء القومية والوطنية واولها تحرير فلسطين ورفض الإذعان لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة وإدارة الظهر لجميع مصنفات الاستسلام والتسوية واتفاقات العار بين العديد من الدول العربية والكيان الاستعماري الصهيوني وهو مسار تأسس من أمد بعيد وتكرس بقوة منذ سبعينيات القرن الماضي.
ثانيا لقد ألهب العمل الدرامي السوري حماس الجماهير وقدم جرعة وعي هائلة وشحنة تعبوية قومية كما خلد شخصية مناضلة أصيلة من خلال سيرة المطران المقاوم هيلاريون كبوجي وأرخ لصفحات مجيدة من نضاله القومي ومن تاريخ الصراع العربي الصهيوني فأحيا قيم العروبة والتحرر الوطني وفي السياق نفسه قدم توثيقا لحقيقة وحدة الحياة والعيش في سورية دون تمييز ديني تجلت فيه الكنيسة العربية بفارسها البهي الذي تنكب دور الفدائي الذي استلهم فيه قيم المسيح واخلاقيات المسيحيين الأوائل في رفض الظلم والثورة على الاحتلال وينبغي ان نقول بكل صراحة إن جميع من عرفوا المطران كبوجي يشعرون بالامتنان لسورية وقائدها المناضل ولوزارة الإعلام التي قامت بإنتاج هذا العمل القيم والغني ونشعر بالعرفان خصوصا للفنان المبدع رشيد عساف الذي جسد بأمانة في الشكل والمضمون شخصية المطران الراحل الذي هو بطل قومي كافح ضد الاستعمار الصهيوني لأرض فلسطين وقاوم الغرب الاستعماري الذي دعم الكيان الغاصب والامتنان موصول لسائر الفنانت والفنانين المشاركين في هذا العمل الرائع والفريد الذي يغني عن آلاف الصفحات في معركة الوعي حول العروبة وسورية وفلسطين وقوة الانتماء الوطني والقومي الواحد في سورية الأبية وقد جاء مميزا جذابا في حواراته وموسيقاه التصويرية وأغنية شارته المعبرة.
ثالثا كما كانت رعاية القائد الكبير الرئيس حافظ الأسد تظلل المطران كبوجي في حله وترحاله ظلت سورية الوفية إلى جانبه في سنواته الأخيرة بتوجيه من الرئيس بشار الأسد وهو كان وفيا لهذه الحقيقة ويرويها لكل من يلتقيه في منفاه وفي المرات القليلة التي تشرفت بلقائه شخصيا وأسرني بمحبته وبانتمائه القوي كان رده الفوري على سؤال الوداع في كل مرة “وصينا يا سيدنا” أرجوك انقل سلامي لسورية ولقائدها الرئيس بشار وللمقاومة ولقائدها السيد حسن وقل لمن تلاقيه اني في كل ليلة أصلي لهما فهما امل الأمة بالتحرروهو لم يكتم دموع الفرحة عندما رويت له في آخر لقاء اخبارا ومعلومات عن انطلاق عملية تحرير مدينته الحبيبة حلب وفي كل لقاء لم يشغله أبدا أي امر عن مناجاة حبيته فلسطين التي أبعد عنها وكان يتحدث عن شوقه لترابها بتوق العاشق إلى المعشوق.
رابعا من أهم مزايا هذا العمل انه قدم فكرة التحرر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وفكرة وحدة المصير القومي والإخاء المسيحي الإسلامي في الشرق العربي دون الانزلاق إلى الخطابية والتلقين بل حملها في تسلسل درامي طبيعي ومقنع جامعا بين الرواية التاريخية التوثيقية والمعالجة الدرامية وتظهير النسيج الإنساني في سيرة المطران البطل وهي سيرة سورية وفلسطين ولبنان والشرق العربي وما جسده المطران كبوجي وسائر الشخصيات في هذا المسلسل يفوق بفعله مئات المحاضرات وآلاف المنشورات في شرح وترسيخ حقيقة تجذر الكنيسة العربية والمسيحيين العرب في تراب الشرق العربي وفي قوة انتمائهم الوطني والقومي وهو بذلك كان مفتاحا ثقافيا مهما جدا في بلورة وعي شعبي راسخ بعيد عن التلفيق والتلصيق والافتعال ولاشك ان الكاتب والمخرج كانت لهما اليد الطولى في تحقيق هذه الملحمة وتقديمها للمشاهدين وهذا المسلسل يستحق ان يقتنى في كل بيت لتعود العائلات إلى مشاهدته بكل فيه من قيم وأفكار عظيمة استعادت ألقها وحضورها في الوجدان العربي الجمعي بعد حملات تخريب وهدم وتضليل خطيرة تعرض لها العقل العربي خلال العقود الماضية.