أهمية احياء يوم القدس العالمي..ودور الثورة الإيرانية في نصرة فلسطين وتعزيز قوة قوى المقاومة.. حسن حردان
مع كل عام يجري فيه احياء يوم القدس العالمي، الذي حدده الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني، في آخر يوم جمعة من شهر رمضان، يتأكد مدى أهمية هذا اليوم لعدة نواحي..
اولا، التزام إيران الثورة قضية فلسطين قولا وفعلا، فهي ومنذ اليوم الأول لانتصارها رفعت راية فلسطين في سماء طهران بديلا عن راية الصهاينة التي سقطت مع سقوط نظام الشاه التابع للمستعمرين الأمريكيين والصهاينة.. ويوم القدس هو تجسيد لهذا الالتزام من قبل الجمهورية الإسلامية الايرانية وقيادتها وشعبها وحرس ثورتها، الذي يجسد بدوره هذا الالتزام بدعم مباشر للمقاومة الفلسطينية الشعبية والمسلحة، وتشكيل فرقة القدس المجندة لهذه الغاية… وقد استشهد قائدها الفريق قاسم سليمان وهو يكافح ويقاوم لتحرير فلسطين..
ثانيا، التأكيد على جذرية الصراع المستمر بين أصحاب أصحاب الحق سكان فلسطين الأصليين، والمستعمرين والمستوطنين الصهاينة الذين احتلوا فلسطين بقوة الإرهاب والتنكيل والقمع الوحشي، وشردوا القسم الاكبر من ابناء فلسطين من ارضهم وديارهم.. وبالتالي إعادة وضع الصراع في مساره الصحيح باعتباره “صراع وجود وليس صراع حدود”، كما قال الزعيم انطون سعادة ، وان لا صلح ولا اعتراف ولا سلام مع الصهاينة الذين غزوا فلسطين بدعم من الاستعمار البريطاني الذي كان يحتل فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، ومكنهم، بعد ان منحهم وعدا استعماريا، من إقامة كيانهم الاستيطاني الاستعماري المصطنع على أرض فلسطين، وولادة ما سمي ب “إسرائيل”، الغدة السرطانية، كما وصفها الإمام الخميني، والتي ارادها المستعمر الغربي ان تكون خنجرا مسموما في قلب الوطن العربي، اي في الوسط بين مغربه ومشرقه..وقاعدة متقدمة للاستعمار لمنع وحدة العرب وابقائهم خاضعين لسيطرته، وبالتالي ضمان استمراره في نهب ثروات العرب النفطية وتحويل الدول العربية إلى دول تابعة للمركز الرأسمالي الغربي تستهلك منتجاته..
ثالثا، إن قضية فلسطين إنما هي قضية أممية انسانية لا تعني العرب الفلسطينيين والأمة العربية فقط، بل تعني أيضا كل الشعوب والأحرار في العالم، وأن دعم نضال الشعب العربي في فلسطين إنما هو واجب ديني وانساني وأخلاقي يرتكز إلى الصراع بين الحق والباطل.. بين الشعب المضطهد في أرضه ووطنه، والمستوطنين المحتلين الذين استولوا على الأرض وطرودوا سكانها منها..
رابعا، الاستمرار في تذكير الاجيال من عام لعام بأن هناك أرض محتلة، وأن القدس المقدسة مغتصبة وتتعرض للعدوان المستمر من قبل الصهاينة.. وان انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة إنما سببه استمرار احتلال الصهاينة لفلسطين وأن تحرير فلسطين وعودة أبنائها إليها هو السبيل لعودة الحق إلى أصحابه وتحقيق الأمن والاستقرار على أرض فلسطين..
خامسا، إحباط المخططات الأمريكية الصهيونية الهادفة إلى طمس قضية فلسطين وتطويبها للصهاينة، والتأكيد بأن الصهاينة يريدون شطب كامل الحقوق العربية الفلسطينية، وبالتالي هناك ضرورة ل تحصين الاجيال بالوعي في مجابهة مخططات الصهاينة والقوى الغربية الاستعمارية والأنظمة العربية الرجعية التي تعَمل على محاولة تشريع وجود الكيان الصهيوني عبر إقامة العلاقات معه وتزييف حقيقة الصراع من خلال مسلسلات عربية تروج الرواية الصهيونية المفبركة التي تلغي الحق العربي الفلسطيني في فلسطين .. لهذا فإن احياء يوم القدس إنما يندرج أيضا في سياق معركة تعزيز وعي الاجيال بحقيقة الصراع واصله وجوهره..
اذا كانت هذه هي ابرز النواحي لاحياء يوم القدس العالمي، الا انه يأتي هذا العام في ظل اشتداد المخططات الأمريكية الصهيونية العربية الرجعية الهادفة إلى :
١– محاولة النيل من شرعية المقاومة ومحاصرتها والقضاء عليها لما تشكله من خطر على وجود الكيان الصهيوني،
٢– تشريع وجود الكيان الصهيوني على كامل ارض فلسطين وفي القلب منها القدس، عبر إقامة العلاقات معه وتمكينه من تمرير صفقة القرن..
لكن كما هو واضح ان هذه المحاولات تواجه الفشل، لأنها اصطدمت وتصطدم:
أ – بإرادة المقاومة الشعبية والمسلحة المستمرة في قطاع غزة وفي داخل الاراض الفلسطينية المحتلة، حيث يواجه الكيان الصهيوني لأول مرة مقاومة فلسطينية مسلحة نجحت في تحويل قطاع غزة المحرر من الاحتلال، الى قاعدة للمقاومة تمكنت من إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال في كل محاولاته العدوانية للقضاء على المقاومة في غزة، كما تمكنت من فرض معادلة ردع في مواجهة العدو بأن حولت المستعمرات الصهيونية في جنوب فلسطين وكذلك العمق الصهيوني في غوش دان وفي القلب منه تل أبيب إلى مناطق غير أمنه من خلال استهدافها بصواريخ المقاومة ردا على اي عدوان صهيوني على غزة.. بما يذكر بوضع شمال فلسطين المحتلة قبل انتصار المقاومة في لبنان عام الفين وبعد عام الفين وخلال عدوان تموز.. الذي مني فيه العدو بهزيمة قاسية، تحطمت فيها أسطورة الميركافا الصهيونية ووجهت ضربات قوية لوحدات النخبة في جيش الاحتلال الذي فشل فشلا مدويا في تحقيق اي من أهدافه العسكرية والسياسية…
ب- فشل الحرب الارهابية الأمريكية الصهيونية التركية العربية الرجعية في إسقاط الدولة الوطنية السورية قلعة المقاومة وحصنها وحضنها الدافئ، وبالتالي اخفاق هذه الحرب في اضعاف محور المقاومة الذي تشكل سورية عامود الخيمة فيه على حد قول قائد المقاومة في لبنان سماحة السيد حسن نصرالله.. وفشل هذه الحرب الإرهاب وانتصار سورية أدى إلى تعزيز قوة محور المقاومة وسقوط الرهان الصهيوني على تمرير صفقة القرن لتصفية قضية فلسطين، ولهذه اعتبر قادة العدو ان انتصار الرئيس بشار الأسد يشكل هزيمة استراتيجية ل “إسرائيل”.. الأمر الذي يزيد من مأزق الكيان الصهيوني ويفاقم من ازمته البنيوية والوجودية، لانه باتت لأول مرة منذ عام ١٩٤٨ محاطا بجبهة للمقاومة ازدادت قوة وقدرة وخبرة واتسعت لتشمل إلى جانب لبنان وسورية وغزة وإيران الثورة، العراق واليمن.. وخصوصا أن المقاومة في لبنان وغزة نجحت في إثبات القدرة على تحرير اجزاء من الأرض التي احتلها العدو بلا قيد ولا شرط وبالتالي قدمت المقاومة بذلك النموذج والمثال واوجدت الأمل الواقعي بامكانية تحرير فلسطين..
إنّ نجاح كيان الاحتلال في الحصول على اعتراف بعض الأنظمة، لا يعني انه استقر وانتهى الصراع معه، فطالما كانت هذه الأنظمة تقيم العلاقات مع كيان العدو من وراء الكواليس وتتآمر على حركات المقاومة والأنظمة التقدمية التحررية الداعمة للمقاومة والرافضة المساومة على قضية فلسطين.. إن ما يقلق الكيان الصهيوني ويعيد إلى الواجهة ازمته الوجودية إنما هو تنامي قوة جبهة المقاومة في المنطقة وتراجع القوة الأمريكية وتولد موازين قوى جديدة لمصلحة محور المقاومة، عربيا واقليميا ودوليا..
انطلاقا مما تقدم يظهر بوضوح، ليس فقط أهمية احياء يوم القدس العالمي في كل عام، وإنما يظهر أهمية تزامنه مع التحولات الحاصلة في موازين القوى لمصلحة منظومة المقاومة في المنطقة، والتي تشكل إيران الثورة القوة المحورية فيها، الأمر الذي يؤكد مجددا أهمية انتصار الثورة الإسلامية التحررية ودورها الريادي في نصرة قضية فلسطين، والمساهمة في تعزيز قوة قوى المقاومة، وإحباط المخططات الاستعمارية الصهيونية…