لم يكن مجرد يوم للقدس بل خطّة: ناصر قنديل
– بعد أربعة عقود ونيّف على إعلان الإمام الخميني ليوم القدس، يظهر بوضوح أن الأمر لم يكن تخليداً ليوم شهيد اسمه القدس، بل كان إحياء لوجدان نابض بالحياة، لينهض معه الملايين في الساحات والميادين، ضمن خطة تريد إعادة القدس إلى واجهة أحداث العالم، وتجعل حريتها أقرب فأقرب حتى يتحقق اليوم الموعود، وها نحن مع الإحياءات المنتشرة في مئات المدن عبر العالم ومشاركة الملايين فيها يهتفون حتى تبح الحناجر لحريتها وقدسيتها، نعلم أن شروط تحرير القدس تنضج وتكتمل تباعاً.
– شكلت المقاومة في لبنان التي ولدت قيادتها من رحم فكر الإمام ورعايته وحضانته، أولى مداميك الخطة، حتى صلب عود هذه المقاومة التي تربّى شبابها وبناتها على شعار “زحفاً زحفاً نحو القدس” وهم يقاتلون لتحرير جنوب لبنان، ويوماً بعد يوم صارت هذه المقاومة الرقم الصعب في معادلات المنطقة، وانتقلت من حرب إلى حرب لتخرج أشدّ قوة وصلابة وأكثر جهوزية واقتداراً، حتى وصفها قادة كيان الاحتلال بأنها مصدر المأزق الاستراتيجي والوجودي لكيانهم.
– شكّل التوجه نحو كل مشروع مقاومة في فلسطين، بنهج عابر للعقائد والأحزاب والمنظمات والتجمعات، محوراً موازياً في الخطة، فاحتضنت كل الجماعات الملتزمة بخيار المقاومة، وصولاً ليوم تحرّرت فيه غزة كما تحرّر جنوب لبنان، وصارت مناعتها بعضاً من مناعته، وتوازن الردع الذي يحميها شقيقاً لتوازن الردع القائم فيه، وبلغت صواريخها جدار تل أبيب، وصار العجز العسكري لجيش الاحتلال من مسلمات أي تقدير موقف على مستوى المنطقة، وبالرغم من الانقسام الفلسطيني تكفلت صفقة القرن بتوحيد المواقف وإسقاط الأوهام، بينما تكفلت صواريخ المقاومة وقوتها بتفكيك وحدة الكيان ودفعه للتشظي السياسي الذي ظهر أزمة سياسيّة ممتدة لسنوات.
– بالتوازي كانت ركيزة الخطة تقوم على تدعيم التحالف العميق مع سورية، سنداً وظهيراً للمقاومات، وكان تقديم الدعم لها في وجه محاولات إسقاطها الهادفة لإسقاط مشروع القدس تتمة الخطة، لأنها رفضت التموضع على ضفاف الخذلان العربي، ومع انتصار سورية صارت القدس أقرب، وفي سورية قيادة مقاومة بوصلتها فلسطين وجبهتها الجولان، وجيش مقاتل صانع انتصارات تاريخية، وشعب مؤمن بفلسطين وبقيادته وبتحالفات سورية التي صنعت نصرها، وبالتوازي أيضاً كان العراق الخارج من خراب الاحتلال واليمن الخارج من الهيمنة السعوديّة، والثلاثي السوري العراقي اليمني يصير رباعياً مع لبنان وخماسياً مع فلسطين، حيث يجد كيان الاحتلال نفسه مطوقاً من كل الجهات في أي حرب مقبلة.
– إيران التي تواجه الحصار والعقوبات، لأنها تملك خطة الوصول إلى القدس، وتمسك بمفاتيحها، ولو قررت أن ترخي قبضتها لشرعنوا لها ملفها النووي غداً، ومنحت السيطرة على الخليج وحكامه ونفطه، لكنها إيران الإمامين الخميني والخامنئي، إيران التي نذرت خيرة قادتها للقدس وحملته مفتاحها واسمها، فصار أيقونة الثورة والجمهورية الجنرال قاسم سليماني شهيد القدس بمثل ما هو شهيد إيران وقوى المقاومة، ولأنها كذلك بقيت إيران تبني وتبني لأجل يوم مقبل للقدس يحفظه الإحياء المستديم لهذا اليوم. والمعادلة هي أن يوماً من أيام الإحياء سيكون يوم الدخول إلى القدس، فإن لم يكن هذا العام فقد يكون العام المقبل، والمهم أن يكون كل عام قد صار أقرب، وها هي إيران دولة عالمية عظمى تصعد إلى الفضاء بأقمارها الصناعية، وترسل ناقلات نفطها إلى سواحل فنزويلا تثبيتاً لحلف عالمي من أجل فلسطين، عشية يوم القدس، وقد أسست حلفاً عالمياً لمواجهة الهيمنة الأميركية يمتدّ من روسيا إلى الصين ومعهما عشرات دول العالم وحركات التحرّر.
– سنة بعد سنة نكتشف كم أن يوم القدس كان تحديداً استباقياً لموعد اليوم الموعود لدخول القدس، وقد بدا واضحاً في بال الإمام، فهو يعلم أنه في آخر جمعة من شهر رمضان سيدخل المقاومون القدس لتحريرها، لكنه لا يعلم أي عام، تاركاً هذا التحديد للمقاومين، ولسان حاله للمقاومين لقد اخترت لكم اليوم الأنسب والأعظم وعليكم أنتم أن تختاروا السنة المناسبة. وعاماً بعد عام تصير المعادلة إن لم يكن الدخول هذا العام فلنعمل ليكون العام المقبل، لذلك نتعلم أن نلقي من اليوم تحية القدس وسلام القدس وصباح القدس ومساء القدس، كي نكون جاهزين يوم نلاقيها لإلقاء التحية والسلام وإحياء الصباح والمساء.