حقائق للتاريخ: معن بشور *

يعتزّ الوطنيون اللبنانيون، بعد إسقاطهم لاتفاق 17 أيار المشؤوم الذي انعقد بين المفاوض اللبناني والإسرائيلي بعد حرب 1982، وبرعاية وزير الخارجية الأميركية جورج شولتز، بأنّ لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي أسقط اتفاقية صلح منفرد مع العدو.

ولقد كان إسقاط ذلك الاتفاق بعد أقلّ من عام على المصادقة عليه في مجلس النواب اللبناني، هو المدخل لأن يكون لبنان أيضاً أول بلد نجح في دحر الاحتلال عن عاصمته، ثم عن معظم أراضيه من دون اتفاق أو قيد أو شرط.

ولم يكن تحقيق ذلك ممكناً بالطبع لولا مقاومة باسلة أبداها اللبنانيون بكلّ قواهم العروبية والإسلامية والشيوعية والسورية القومية، انطلاقاً من عاصمتهم بيروت ودحر المحتلّ عنها بعد أيام من احتلالها، وصولاً إلى مناطق شاسعة من أرضه في الجنوب والجبل والبقاع الغربي، ولولا دعم كبير من الأشقاء السوريين، ومشاركة فاعلة من الأخوة الفلسطينيين سواء في معركة الجبل التي انطلقت في 19 أيار 1983، واستمرّت حتى أيلول من العام نفسه، إلى معركة الشحار الغربي (بقيادة النقيب آنذاك والنائب اليوم العميد الوليد سكرية)، إلى انتفاضة 6 شباط التي كانت المسمار الأخير في نعش حكم الهيمنة الذي قاد البلاد إلى اتفاق 17 أيار..

تلك الانتفاضة التي شارك في إطلاقها كلّ من حركة أمل، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب التقدمي الاشتراكي، تجمّع اللجان والروابط الشعبية، تجمع العلماء المسلمين، رابطة الشغيلة، حركة 6 شباط (التيار العربي اليوم)، وسائر القوى الوطنية، وهي القوى التي جاء ذكرها في خطاب الرئيس نبيه بري في مهرجان الذكرى الأولى للانتفاضة في سينما كونكورد.

ولم يكن ممكناً بالطبع إسقاط 17 أيار المشؤوم لولا وقوف القادة الوطنيين على امتداد لبنان، سواء من خلال جبهة الخلاص الوطني (الرئيس الراحل سليمان فرنجية، الرئيس الشهيد رشيد كرامي، ورئيس حركة أمل نبيه بري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والعديد من الشخصيات والقوى الوطنية) أو من خلال وقفة النواب الوطنيين في البرلمان اللبناني الذين عارض منهم الاتفاق بشجاعة النائبان السابقان زاهر الخطيب (رابطة الشغيلة) ونجاح واكيم (حركة الشعب)، وامتنع عن التصويت له كلّ من: الرئيس حسين الحسيني، والرئيس الراحل رشيد الصلح، كما امتنع يومها النائب الحالي ألبير منصور، فيما قاطع 19 نائباً الجلسة لتعطيل نصابها وهم (الرئيس الشهيد رشيد كرامي، والرئيس الراحل أمين الحافظ، والنواب الراحلون ريمون اده، الشهيد ناظم القادري، الدكتور عبد الله الراسي، الدكتور هاشم الحسيني، والدكتور حسن زهمول الميس، سليم الداود، صالح الخير، عبد المولى أمهز، توفيق عساف، أحمد إسبر، فريد جبران، منير أبو فاضل، موريس زوين، رائف سمارة، وفريد سرحال، والنائب الدكتور حسن خالد الرفاعي (أطال الله بعمره)، كما تحفظ النائب الراحل د. عبد المجيد الرافعي.

ولم يكن ممكناً كذلك أن يسقط هذا الاتفاق لولا الضغط الشعبي الهائل الذي عمّ العديد من المناطق اللبنانية، والتظاهرة الكبرى التي انطلقت من مسجد بئر العبد بدعوة من تجمّع العلماء المسلمين والقوى الشعبية المعارضة للاتفاق واستشهد فيها الشاب علي نجدة.. ناهيك عن خطبة العيد التي أمّ فيها المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد المسلمين من كلّ المناطق اللبنانية في الملعب البلدي، والتي تقدّمها يومها أركان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ومشيخة عقل الطائفة الدرزية الكريمة، والخطب الأسبوعية الرائعة للمرجع الإمام السيد محمد حسين فضل الله، والخطب النارية للشيخ الراحل عبد الحفيظ قاسم رئيس اتحاد العلماء المسلمين، والشيخ ماهر حمود الرئيس الحالي لاتحاد علماء المقاومة، ولقاء القوى الوطنية والإسلامية في صيدا وعلى رأسها النائب الشهيد مصطفى سعد، ومواقف اتحاد علماء جبل عامل برئاسة الشيخ عفيف النابلسي، وصوت لبنان العربي الذي كان يبث باسم حركة الناصريين المستقلين (المرابطون) في بيروت، والكلمة المدوّية لشيخ شهداء المقاومة راغب حرب «المصافحة اعتراف»، ناهيك عن دور لعبته العديد من الهيئات الثقافية اللبنانية وفي مقدّمها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وعلى رأسه النائب السابق حبيب صادق، والنائب الأسبق السيد جعفر شرف الدين.

وهنا لا بدّ من الإشارة لموقف متميّز ضدّ الاتفاق المشؤوم للرئيس الراحل تقي الدين الصلح الذي اعتبر الاتفاق تنكّراً لدور لبنان ورسالته العربية والإنسانية وللميثاق الوطني الذي قام الاستقلال على أساسه مؤكداً على دور المقاومة في دحر الاحتلال..

فتحية لكلّ من شارك في إسقاط اتفاق 17 أيار، من شهداء.. راحلين وأحياء، فقد كان إسقاط تلك الاتفاقية المشؤومة بداية مرحلة جديدة في الصراع مع العدو لم يستطع هذا العدو حتى الآن أن يستوعب تداعياتها، لا سيّما انتصار التحرير في 25 أيار/ مايو 2000، أو انتصار المقاومة في حرب تموز/ يوليو عام 2006، ناهيك بالانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة والصمود التاريخي لسورية بوجه الحرب الكونية عليها التي لعبت دوراً كبيراً في الانتصار للبنان وشعبه وجيشه ومقاومته…

_ المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية

(البناء)