قضية فلسطين والهيمنة الاستعمارية
غالب قنديل
طيلة ما يناهز القرن ظلت راية تحرير فلسطين تخفق فكرة حية في عقول الأجيال من أبناء الأرض المحتلة والشتات وفي مدى الوطن العربي بجميع بلدانه ولاسيما في المشرق العربي رغم اهوال المذابح والاقتلاع والتهجير وشتى صنوف الاضطهاد وظل يتجدد الوعي التحرري العربي والشرقي خلال تلك العقود فإذا بساحات جديدة تتسع لرفع الراية بينما تنطلق نداءات متكررة تربط تدمير الكيان الغاصب بانعتاق شعوب الشرق من هيمنة الغرب ونهبه.
اولا من قال إن فكرة القاعدة العسكرية الاستعمارية طواها الزمان وباتت تركة بالية طالما شاء ذلك المستلبون اللاهثون خلغ انخلاعهم الثقافي والسياسي وارتباطاتهم الغربية النفعية والذهنية أوالمصابون باوبئة شتى تحت وطاة أفكارهم الهجينة عن الحداثة والعصرنة التي يتلقونها في الجامعات وادوات الدعاية الغربية ومراكز الأبحاث العاملة في خدمة لصوص العالم وقطاع الطرق الأميركيين الأطالسة ومن قال إن فكرة اسرائيل كلب الحراسة الاستعماري باتت بالية وكل تاريخ المنطقة مشبوك بالصراع العربي الصهيوني وبقضية فلسطين وكلب الحراسة الصهيوني مدجج حتى الأنياب النووية التي تقطر دما فلسطينيا ولبنانيا ويمينا وعراقيا وسوريا وعليها أثر دماء مصرية وأردنية لايزول.
ثانيا تجندت آلة إعلامية ضخمة منذ اغتصاب فلسطين لتبيد القضية ولتسحق فكرة التحرير والعودة الحرة سلاحا ولتطفيء وهجها وتوقدها وهي كانت منذ البداية آلة غربية عربية عالمية أرادت فصل الموضوع عن سياقه التاريخي الفعلي فجهدت لتسخيف الرواية القومية العربية عن فلسطين ولتهميش كل خطاب او اعتقاد بارتباط تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني الاستيطاني بإسقاط منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية على المنطقة العربية والشرق برمته بجميع بلدانه وشعوبه ولذلك انتجوا نسخا متعاقبة من مشاريع التصفية المشؤومة التي تفككت بفعل المقاومة والصمود والإصرار والتمسك الشعبي بإرادة التحرر في المنطقة وداخل فلسطين وهكذا تلاحقت هزائم العدو الصهيوني في الثلاثين عاما الأخيرة وبعد اندحاره من جنوب لبنان ومن غزة ارتسم خط التحرير بحرب الشعب وبامتلاك قوة الردع وتوطين التكنولوجيا فابتدع المقاومون الأحرار خططا وتكتيكات فاعلة نزعت المبادرة من صهيون إلى غير رجعة.
ثالثا بتوجيه اميركي غربي صهيوني خرج منظرون وكتاب عرب وفلسطينيون يروجون لمسخ القضية ولجعلها شانا فلسطينيا صرفا فأضافوا حروف التعريف ليسموها القضية الفلسطينية وليفصلوا شعب فلسطين العربي عن امته وعن هويته القومية وليقدموا القضية معزولة عن سياقها الواقعي السياسي والاستراتيجي فمسخوها إلى قضية حقوق إنسان ومطالبة اجتماعية بهوية او بمواطنة افتراضية داخل كيان الاحتلال الغاصب وبحقوق عيش مقبولة في مخيمات الشتات المعروضة في أسواق الهجرة الكثيفة وسعى كثيرون لمسخ الوعي العربي بتدمير فكرة القاعدة الاستعمارية التي تستنزف الشرق وتحول دون انعتاقه من هيمنة اللصوصية الإمبريالية على ثرواته وأسواقه ولمنع تحرره ونموه الحقيقي وهو المهيأ ليكون باستقلاله قوة عالمية لايستهان بها.
رابعا إن اغتصاب فلسطين كان حجر الزاوية في الغزوة الاستعمارية الغربية للوطن العربي وللشرق الكبير وقيام الكيان الاستيطاني على أرض فلسطين كان تأسيسا لقاعدة استعمارية متقدمة يدعمها الغرب بكل ما لديه لإخضاع شعوب الشرق ولكسر ارادة التحرر ولتمزيق الوطن العربي والشرق بأسره.
هذه هي الحقيقة التاريخية الدامية التي لم تمت وما تزال حية وكلما انكسر او غاب اتجاه تحرري يعبر عنها ويعتنقها نهض تيار جديد يخلفه ولذا عندما انتكست حركة التحرر العربي بغياب جمال عبد الناصر ووقعت اتفاقية كمب ديفيد جاء انتصار ثورة الإمام الخميني وتحالفت إيران الجديدة التحررية مع سورية حافظ الأسد ليشكلا نواة نهوض جديد للمقاومة والتحرر وبذلك تعزز النضال التحرري وهانحن اليوم نشهد قيام محور للمقاومة من تلك النواة الصلبة يتوسع ويمتد بين صنعاء وغزة وبيروت ودمشق وبغداد وفي قلبه طهران العزيزة الصامدة بينما فتية فلسطين بأقاليمها الثلاثة في الضفة وغزة وأرض الداخل المغتصبة كما في الشتات يشهرون القبضات والسكاكين والحجارة ويتفقنون صنع القنابل والصواريخ ليجعلوا حياة المستعمرين جحيما وليسيجوا مع محور المقاومة حلم التحرير والعودة بمعادلات الردع التي كسرت مخالب الكيان الصهيوني ونزعت منه خرافة العدو الذي لايقهر.
حكمة هذا اليوم المشؤوم هي ان اول طريق العودة إلى فلسطين هي عودة الوعي لطبيعة القضية وتحريرها من ركام التفاهة والتزوير.