سقى الله أيام تقلا وسركيس ونعيم: بشارة مرهج
الحقيقة الصارخة التي يتفادى أهل الحكم إعلانها هي عجز المصارف عن دفع ما يتوجب عليها تجاه المودعين الذين ائتمنوها على ودائعهم وتوقعوا منها أن تدير أموالهم بمسؤولية وحرفية، فلا تنتهز فرص الفساد الضارب داخل مفاصل الدولة للمشاركة هي أيضاً في عملية النهب التي يتبين كل يوم كم هي فظيعة ولئيمة، خاصة أن أحداً من الج ماعة المصرفية لم يعترف بخطأ واحد ارتكبه سواء على صعيد استثمار الأموال أو تسليفها في وقت نشهد فيه قيام البعض بإلقاء الدروس من جهة أو إلقاء اللوم على أركان الدولة والتنصل من مسؤولية المرحلة من جهة اخرى؛ فيما يعرف الجميع في لبنان أن المسؤولية تقع على الطرفين اللذين تشاركا وتساكنا وتبادلا المصالح واقتسما ودائع اللبنانيين وجنى أعمارهم وصولاً إلى لقمة الفقير وقسط الطالب وفلس الأرملة دون شفقة او رحمة. وها هم اليوم يتمردون جميعاً على الحقيقة ويحتمون بحضن الطوائفية ويناورون على القضاء واستقلاليته لإغراق الحقائق في غياهب الشك والجلبة الإعلامية بحيث لا يعود يعرف اللبناني أين حقوقه ومن سلبها ومن تخلى عن مسؤوليته في السعي لإعادتها، وكأننا نعيش في غابة لا يعرف أحد ما له فيها وما عليه تجاهها.
لقد باتت الناس على علم، بعد المعاناة والإذلال، أن أموالها لم يذهب بها الذئب او اليد الخفية ولم تبددها فصائل الجن او الاشباح الذكية، وإنما تبخر قسم كبير منها على يد من تلقى الودائع بيديه، كما تبخر القسم الآخر منها على يد جماعة الهدر والفساد.
واذا كانت الانتفاضة لن تسكت على الفئة الأولى حتى ترضخ لحكم القانون، فإنها لن تسكت على الثانية حتى تردّ الأموال التي تصرفت بها رغم انها في هذه الأيام ترفع عقيرتها معترضة على الخطة الحكومية من زوايا مختلفة وبهدف واحد هو الحؤول دون وضعها موضع التنفيذ وذلك للتهرّب من إعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة وتلك الخاصة بأصحاب المصارف وكبار المساهمين، هذه الأموال الكفيلة بإعادة الدماء الى عروق المصارف التي انهكها النهب والاهمال.
إن القضاء اللبناني وكبار المسؤولين يعرفون تماماً أن لبنان من دون استعادة الأموال المنهوبة سيغرق في بحر من فوضى اقتصادية تفتح الباب أمام فوضى أمنية وسياسية تسهل بدورها تنفيذ كل الخطط المعادية للبنان والرامية إلى تركيعه بسبب رفضه لصفقة القرن وتمسكه بحقه كما بالحق الفلسطيني والحقوق العربية.
وإذا كانت الخطة الحكومية تحتاج الى تعديلات ومراجعات تطرح بهدوء ومسؤولية، فهذا مطلوب وضروري. أما أن تطرح من باب المزايدة لإسقاطها والحكومة التي أعدّتها، فهذا أمر لا يعود بالنفع على أي طرف، وخاصة القطاع المصرفي الذي يشكو «حاكمه» من أنه لم يُستشر في وضع الخطة فيما كان يماطل لتزويد المعنيين بالحسابات والأرقام الضرورية لإعداد هذه الخطة.
وإذا كان الحاكم غاضباً لاستبعاده، فهذا الغضب لا يساوي ذرة غضب لدى الناس التي خيّب أملها وتخلى عنها بعد أن أغدق عليها الوعود وطمأنها مراراً وتكراراً إلى حقوقها وأموالها لتجدها تحت أقدام اللصوصية والابتذال. واذا كان الحاكم يدّعي اليوم الاعتصام بقانون النقد والتسليف رداً على كل محاولات الإصلاح وإعداد الخطط واستنهاض القضاء والمؤسسات الرقابية، فمن حق الناس عليه – وهو المؤتمن على أموالها – ان تسأله:
أين كان قانون النقد والتسليف حين استهترت وسخرت من السوق الموازية لسعر صرف الليرة اللبنانية وقلت إن حجمها لا يتعدّى 2% فإذا بهذه السوق تستمرّ وتنمو لتحدّد هي وحدها سعر الصرف وكأن لا بنك مركزي ولا مصارف ولا من يحزنون. وعندما بادر البنك المركزي الى الردّ بتعميمات تحدّد السعر مجدداَ ومجدداً كانت هذه التعميمات تتساقط كأوراق الخريف وكأن ثمة قوى على الأرض أقوى من الدولة والبنك المركزي والمصارف مجتمعين؟!
أين كان التزامكم بقانون النقد والتسليف عندما جنحتم الى السياسة والرئاسة في وقت كنتم منتدبين فيه للنزاهة والحصافة والحوكمة الرشيدة؟!
أين كان التزامكم بقانون النقد والتسليف عندما «تصرفتم» بالاحتياطي – وهو مال المودعين أصلاً – واخترتم منح التسليفات والأعطيات لسياسيين وإعلاميين ومليشياويين و… و…..؟!
وأين كان التزامكم عندما غضضتم الطرف عن قروض الإسكان – المدعومة من قبلكم – التي كانت تتسرّب بعشرات الملايين الى جيوب القادرين والميسورين على حساب الطبقات الوسطى والشعبية التي لم ينصفها القضاء حتى الآن، بينما المتورطون يتمتعون بما ليس لهم؟!
وأين كان التزامكم عندما وطأتم – ودائماً مع الطبقة المالية المصرفية – قانون النقد والتسليف واخترعتم الهندسات المالية لدعم الفاشلين من أصحاب البنوك، فضلاً عن أرضاء الفاسدين من جماعة السلطة مما كلف الخزينة أكثر من عشرة مليارات دولار على ما يُجمع عليه اهل الخبرة والاختصاص؟!
وأين كان التزامكم عندما أغرقتم البنك المركزي بمئات الموظفين مسايرة لأهل الحكم والسياسة الذين بدورهم أمطروا الدولة عشية الانتخابات الأخيرة بخمسة آلاف وخمسماية موظف جديد لا تعرف الدولة ماذا تفعل بهم سوى الدفع لهم من خزينة تئن وتستغيث؟!
بل أين كان التزامكم بقانون النقد والتسليف عندما تعطل المجلس المركزي وأنحجبت لجنة الرقابة على المصارف وانكفأت هيئة التحقيق الخاصة واستعيض عن كل ذلك بتعميماتكم وتعليمات الامتثال الأميركية؟!
فعلاً سقى الله ايام فيليب تقلا والياس سركيس وأدمون نعيم.
(البناء)