ميزان السيد وحكمته
غالب قنديل
تضمنت كلمة السيد حسن نصرالله مجموعة من النقاط الهامة إضافة إلى تأكيده المتواصل على روحية التضامن الوطني ودعوته المتجددة إلى الابتعاد عن المناكافات السياسية التناحرية لصالح البحث عن مساحة التعاون الممكن لأن البلد برمته في مأزق خطير أهم وألح بكثير من ترف الصراعات السياسية التقليدية وألعاب تسجيل المواقف.
أولا المنهجية الواضحة التي تناول بها قائد المقاومة قرار الحكومة الألمانية العدائي بإدراج الحزب على قوائم الإهاب وتحريك حملة قمع وترهيب شرسة ضد الجالية اللبنانية وجمعياتها الشرعية المرخصة في ألمانيا فاعتبر ما يجري اذعانا للمشيئة الأميركية الصهيونية وانتهاكا لحقوق اللبنانيين التي دعا لخوض المعركة القانونية دفاعا عنها في ألمانيا وطالب الحكومة بحمل مسؤوليتها عن مواطنيها ولم يساير في ذلك فنوه بضرورة اتخاذ الموقف والتدابير المناسبة للدفاع عن المغتربين اللبنانيين المستهدفين محذرا من ان ما يجري في ألمانيا سيتكرر في دول اخرى وبالتالي سيكون على الحكومة التصرف انطلاقا من واجباتها اتجاه مواطنيها في الخارج وردع هذا التطاول والاستهداف بجميع الوسائل المتاحة.
ثانيا كانت للحملات السياسية والإعلامية التهويلية حصتها من الخطاب الذي حل موعده بعد وقت قصير من تصريحات السيد وليد جنبلاط الذي زار قصر بعبدا ونفى بعد اجتماعه برئيس الجمهوررية العماد ميشال عون انخراطه في احلاف ثنائية أو ثلاثية لإسقاط الحكومة مبددا موجة ضخمة من التسريبات والتمنيات الرائجة خلال الأسابيع القليلة الماضية وقد شطح بعضها إلى الكلام عن اختصارالولاية الرئاسية بعد الإطاحة بحكومة الرئيس حسان دياب وهذا الموقف هو من علامات نجاح اسلوب الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله في احتواء التعقيدات والتناقضات وتذليل العقبات لتسهيل عمل الحكومة التي تصدت لقيادة محاولة الإنقاذ بعد الانهيار الكبير ومما لاشك فيه إن تجاوب السيد جنبلاط والرئيس ميشال عون مع المساعي الهادفة لاحتواء التشنجات بين الحزب التقدمي والتيار الوطني الحر كان له دور كبير في تظهير صورة سياسية جديدة خابت معها رهانات الهائجين لمحاولة إسقاط الحكومة واستنزاف البلد في معارك طواحين الهواء ولفت ابداء السيد الاستعداد للمساعدة في تخطي الخلافات بين جميع الأطراف.
ثالثا رغم الالتزام بدعم الحكومة وجهودها ومحاولاتها لتخطي ظرف شديد الصعوبة فإن السيد في كلمته كان حريصا على تأكيد الحذر والتحفظ اتجاه صندوق النقد الدولي وشروطه المتوقعة طالبا ابقاء العيون مفتوحة والأصوات مرتفعة في هذا الموضوع عكس ما قد يتوقعه معارضو العلاقة بالصندوق وهم محقون في ضوء التجارب التي برهنت على انه اداة هيمنة مدمرة لها مآثر كارثية في العديد من دول العالم الثالث وقد اعتبر السيد ان العيون المفتوحة والأصوات المرتفعة تعزز اليقظة الحكومية امام الأفخاخ التي قد تنصب للبنان خلال التفاوض مع الصندوق في حين لفت الانتباه إلى ضرورة عدم المبالغة في توقع المساعدات الخارجية مع تبدل أولويات حكومات الغرب وسائر دول العالم في ضوء نتائج الجائحة الوبائية وتأثيراتها الاقتصادية والمالية لجهة القدرات المتاحة وترتيب الأولويات وهذا تقدير دقيق جدا بنى عليه قائد المقاومة دعوته إلى التفكير بالبدائل الواقعية انطلاقا مما يمكن تحقيقه بالقدرات الوطنية وهو بذلك يحث على توسيع دائرة الخيارات والتوجهات في التحرك وطنيا وخارجيا بحثا عن سبل تخطي الأزمة الخطيرة.
رابعا دعم الحكومة لا يعني السكوت عن التقصيرات ولا تجاهلها في أي من وجوه عمل الوزارات سواء بفعل القدرات المحدودة او نتيجة التعقيدات المتراكمة ومن هذا الباب كانت مقاربة قائد المقاومة لموضوع الغلاء وارتفاع الأسعار الذي اعتبره مشكلة توازي الخطر الوبائي داعيا الى استنفار حكومي شامل لمجابهتها والأهم هو نداؤه لفتح أبواب التطوع في مراقبة الأسعار ولتعويض نقص الكادر البشري لوزارة الاقتصاد كما جرى في التعامل مع دور وزارة الصحة المحوري بالتصدي لتفشي الوباء وبالتالي ابداؤه كل الاستعداد لتعبئة آلاف المحازبين والأنصار في التطوع لهذا العمل الوطني.
المعيار عند السيد هو مصلحة الناس وانقاذ البلد وخفض كلفة المعاناة على جميع اللبنانيين وهو لايتردد أبدا في المجاهرة بالوقائع والتصويب على الثغرات وتلمس المبادرات البناءة والإيجابية التي تسهم في حل المشاكل وتحقيق المصلحة العامة بأق كلفة ممكنة على البلد وخصوصا على الفقراء الذين تتلاطم حشودهم القلقة والمتعبة وتتطلع عيونهم وقلوبهم إلى المقاومة وقائدها كلما اشتدت قتامة الوضع وزادت صعوباته.