ما هو مصدر القلق الفرنسيّ من تطورات خطيرة؟: ناصر قنديل
– تتابع الحكومة الفرنسيّة الوضع في لبنان على مستويات عدة، سياسياً ودبلوماسياً ومالياً وأمنياً، بحيث توجد على الأقل أربع أو خمس دوائر مركزيّة في السلطات الفرنسية تضع الملف اللبناني على طاولة المسؤول الأول فيها، وذلك يعود حسب تقارير فرنسية موثقة وضعت بتصرف كبار المسؤولين الفرنسيين، إلى متغيرات جوهرية أحاطت بالأزمة المالية في لبنان بضوء ما ترتب على سياسات الدول تحت تأثير مرحلة ما بعد كورونا، والتي تتسم بصورة رئيسية بسياسات الانكفاء السياسي والعسكري من جهة، والركود الاقتصادي وتراجع المقدرات والإمكانات من جهة مقابلة. وبنتيجة ذلك تتوقع التقارير تطورات متسارعة نحو الانسحاب الأميركي من سورية، وسعياً تركياً متسارعاً للتخفف من أعباء الوجود في سورية، وفيما يبدو المسار الأميركي أسهل بفتح قنوات التفاوض بين الحكومة السورية والمجموعات الكردية التي ترعاها واشنطن، بوساطة روسية، يبدو التفاوض السوري مع جماعات الأخوان المسلمين مستحيلاً بعدما ثبت أن القبول بالتفاوض مع جبهة النصرة مغلق برفض سوري يحظى بتأييد روسي إيراني. وهنا تبدأ الخشية الفرنسية من خطة شبيهة لإجلاء المسلحين السوريين التابعين لتركيا نحو ليبيا، بمحاولة دفعهم مع عائلاتهم للتسلل بحراً نحو شمال لبنان.
– التقارير الفرنسية تشير إلى أن قدرة لبنان على الصمود المالي لا تتعدّى السنتين، قبل أن يعجز مصرف لبنان عن توفير العملات الصعبة اللازمة لاستيراد الفيول للكهرباء والقمح للخبز عدا عن المستلزمات الطبية والدوائية، وأن الخط الانحداري الناتج عن الأزمة المالية حتى ذلك التاريخ، سينتج ضعفاً في سيطرة السلطة المركزية على المناطق اللبنانية بتأثير تنامي حال الغضب في الشارع، الذي تغذيه الانقسامات السياسية من جهة، وما تصفه التقارير الفرنسية بسياسات تصفية الحسابات المتبادلة بين الحكم وخصومه، من جهة أخرى، في ظل تأثر الأجهزة الأمنية والعسكرية بضغط تراجع القيمة الفعلية لرواتب عناصرها وضباطها وتعرضها لضغوط شديدة في بيئتها طائفياً وسياسياً، مع استمرار المواجهات في الشارع، الذي تعتقد التقارير أن ساحته الرئيسية ستتركز في منطقة الشمال، حيث أيضاً تنافس استخباري بين عدد من الأجهزة العربية والإقليمية على استقطاب الناشطين في الحراك الشعبي، والمجموعات الفاعلة في الشارع، بما فيها مجموعات المعارك التاريخيّة في أحياء طرابلس. ولا تخفي التقارير الفرنسية الخشية من سيناريو أسود ينتهي خلال عامين بسيطرة جماعات مدعومة من تركيا على مناطق أساسية في شمال لبنان، تنضمّ إليها جماعات من المعارضة السورية من مخيمات النزوح في لبنان، وأخرى فلسطينية تنتقل من مخيمات المناطق نحو مخيمي البارد والبداوي، لتظهر إدلب بديلة في طرابلس وجوارها.
– تشبه التقارير الفرنسية ما يمكن أن يحدث في لبنان، بما حدث عام 1970 عندما انتقلت المجموعات الفلسطينية المسلحة من الأردن حيث خسرت معركتها العسكرية، إلى لبنان حيث كان الغليان الشعبي ينتظر حدثاً كهذا ليدخل مرحلة الانفجار. ولا تخفي التقارير نفسها القلق من انتقال مشابه لبعض المجموعات المسلحة وجموع من النازحين السوريين في الأردن وخصوصاً مخيم الركبان، برعاية إسرائيلية، عبر الخط الفاصل من تقاطع الحدود الأردنية السورية الفلسطينية، نحو تقاطع الحدود الفلسطينية السورية اللبنانية، لتستقرّ في البقاع الغربيّ، الذي دعا الفرنسيون بعض أصدقائهم من اللبنانيين للانتباه إلى خطورة تورط جماعات من مؤيديهم في هذا المخطط.
– هذا الموقف الفرنسي يقف خلف السعي لدعم خطة الحكومة، وإقناع صندوق النقد الدولي بفعل الشيء نفسه، ودعوتهم للحكومة ولخصومها لوضع الخلافات جانباً، والتعاون لتلافي الأسوأ، لأن السقوط من الخاصرة الشمالية سيعني خسارة للحكومة والعهد، لكنه سيعني نهاية لفكرة الدولة والعمل السياسي، وربما تشطب بنتيجة ذلك قوى سياسية كتيار المستقبل نهائياً، وربما يكون أقل المتضرّرين بالمقابل هو حزب الله الخصم الرئيسي للغرب والخليج وحلفائهم اللبنانيين، الذي استعد لحماية بيئته من تداعيات الأزمة المالية والمعيشية، ويملك بنية منظمة وهيكلاً تنظيمياً هائلاً يتيحان له الحفاظ على الاستقرار في مناطق حضوره.