بقلم ناصر قنديل

الطريق المسدود مرعب: ناصر قنديل

من جهة يظهر المشهد في الشمال مشبعاً بالغضب الناتج عن اليأس والجوع والشعور بالعجز، والتعرّض للخداع والسرقة، مع بلوغ الدولار سعر الـ 4000 ليرة والمزيد، وتوقف عجلة العمل وتناقص الموارد حتى الجفاف وارتفاع السعار حتى حدود الخيال، والغضب عندما يتفجّر فهو لا يُعقل، ويبحث عن الصخب والضجيج وجذب الأنظار ويصير ساحة مناسبة للشغب الآتي أحياناً من براءة المنتفضين، الذين يعتبرون أنهم لا يكونون قد فعلوا شيئاً إذا عادوا إلى بيوتهم بعد تظاهرات سلمية باردة هادئة، وأن غضبهم لن يؤخذ على محل الجِدّ من دون عمليات تكسير وحرق، ومواجهات بالحجارة وغير الحجارة مع الأجهزة الأمنيّة، من جيش وقوى أمن وسواهما، وهم لا يعتبرون الإنجاز إلا بسماع أنباء من نوع استقالة رئيس أو وزير أو توقيف وإلقاء القبض على مسؤول، أو بإعلان سحري عن تخفيض سعر الدولار وفتح الباب لسحب يسير للودائع بالليرة والدولار، وانخفاض فجائي للأسعار، وما عدا ذلك يعتبرونه تضليلاً وخداعاً وتلاعباً بهم وبـ «ثورتهم «.

 

من جهة مقابلة، جنود وضباط وعناصر أمنية معنيون بتطبيق صارم لثلاث مهام، مهمة الحظر والعزل والتباعد التي يفرضها زمن كورونا ومخاطر تفشي الوباء الجدّي والذي لا يحتمل مزحاً، ولا يجد أعذاراً للاستثناء، وإذا تفشى هذا الوباء فهو سمّ زعاف وموت يحصد بالجملة ولا يرحم. وثانياً مهمة منع التعدي على الأملاك الخاصة والعامة وأعمال الحرق والتكسير، وهي من صلب واجباتهم القانونية والدستورية. وثالثاً، منع المندسين والمتسللين والعابثين من افتعال الصدام مع الوحدات الأمنية واستهدافها لتفجير علاقة الجسم الشعبي الغاضب بهذه المؤسسات، طلباً لنزف الدماء الذي يريده متربّصون كثر يجدون في اللحظة من التقابل بين المتظاهرين والقوى الأمنيّة فرصة ذهبيّة ليلعبوا لعبتهم.

من جهة ثالثة أمامنا منطقة تختزن كل المشاكل اللبنانية، فالفقر في أعلى نسبه في الشمال، والإهمال في أعلى درجاته في الشمال، والثراء الفاحش للسياسيين كما الفساد الذي نخر الدولة ونهب المال العام، يقدّمان نماذج فاضحة شمالا، والقيادات السياسية شبه مهمّشة شعبياً، لكنها تملك تشكيلات منظمة قادرة على التلاعب بالتظاهرات والاندساس فيها ورفع شعارات وتفجير مواجهات. وهذه القيادات تجد أنها في مواجهة سياسية مصيرية مع الواقع المستجد مع حكومة الرئيس حسان دياب، وفرصتها الوحيدة لتوجيه الرسائل المتفجرة هي بركب موجة الغضب الشمالي. وفي الشمال منظمات ذات طابع أمني لها تاريخ دمويّ مع الجيش اللبناني، ومافيات تهريب منظمة لها مصالح بالفوضى ولها تاريخ كر وفر مع القوى الأمنية. وكل منها تجد في المسرح الذي توفره ساحات الغضب فرصتها المنشودة، وفي الشمال تنافس خليجي تركي قطري، يحضر فيه المال كما تحضر المخابرات، وسباق على ملء فراغات تراجع القيادات السياسية التقليدية بتنمية زعامات صف ثالث ورابع وعاشر، مسرحها هو تعبيرات الغضب الشعبي.

من جهة رابعة، حكومة الرئيس حسان دياب، التي لا تحمل أوزار المرحلة السابقة، خصوصاً برئيسها، الذي يشعر أنه يُعاقَب من الناس الذين يؤمن بأنه يمثلهم، لحساب زعماء يريدون تعطيل مساره الإصلاحي، خصوصاً في مكافحة الفساد، الذي يمثل هؤلاء الزعماء نماذجه الفاقعة، بينما الحكومة التي يترأسها بنظر الناس وقد نجحت في إثبات جدية وفعالية في مواجهة كورونا بدت بطيئة في إخراج أجوبة تمنح الأمل للناس تجاه واقعهم المعيشي الآخذ في التدهور، سواء في قدرتها على لجم ارتفاع سعر الدولار أو مواجهة الغلاء.

في السياسة تقع الفتنة النموذجيّة عندما يتقابل الحق بالحق ويندسّ الباطل بينهما. وهذا ما نحن عليه، ولهذا الخشية من الطريق المسدود، وما يثيره من ذعر ورعب مجرد التفكير بتخيل ما قد يكون آتياً على الطريق. إنها الفتنة، فمن يستطيع الانحدار إلى قعرها بسرعة تشبه انحدار سعر صرف الليرة أمام الدولار؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى