رياض سلامة: المعجزة الوهم: د. عدنان منصور

يوم 9 آب 2019 طالعتنا الصحف اللبنانية ووسائل الإعلام، ومنها إحدى الصحف المطبّلة، بخبر عنونته: «سيرة مليئة بالإنجازات… رياض سلامة من أفضل حكام البنوك المركزية في العالم»! وأردفت تقول، إنه للمرة الرابعة حاز حاكم مصرف لبنان على درجة A من بين 94 حاكم مصرف مركزي في العالم! وذلك استناداّ الى تقرير عام 2019 لمجلة «غلوبال فينانس Global Finance».

عند قراءتي الخبر ضحكت وتألّمت في داخلي، متسائلاً: كيف وعلى أيّ أساس؟! أهو أفضل من حكام المصارف المركزية لبريطانيا أو فرنسا أو كندا أو ألمانيا أو السويد، أو روسيا أو الصين وووو واللائحة تطول…

دهشتي واستغرابي كانا ينبعان وفقاً لمصادر مالية رفيعة موثوقة جداً، انّ هذا الرجل سيأخذ البلد مع زمرة من القابضين على المؤسسات المصرفية والنقدية والمالية، التي يعتمد عليها إلى الهاوية.

هذا الأفضل حاكم لمصرف مركزي، ضلّل الشعب لا سيما المودعين، وأنا واحد منهم، والمستثمرين، وكلّ من وثق بالنظام المصرفي اللبناني، وأوصل البلد الى الانهيار المالي والاقتصادي.

بكلّ تأكيد ليس رياض سلامة وحده من  قوّض أركان النظام النقدي والمالي، ولو كان وحده ما تجرّأ ان يفعل الذي فعله. فالغطاء متوفر له، والتنسيق معه من قبل النافذين، والمستفيدين من هندساته العجيبة، ومن الهالة التي أحاطت به، ونُسجت حوله، مما جعله أمام عيون اللبنانيين، أنه واحدة من معجزات هذا الزمان، وانْ كان زمن المعجزات قد ولى.

في 14 كانون الثاني عام 2019 أكد سلامة لتلفزيون المستقبل، أن لا خوف على القطاع المصرفي… وفي 12 تشرين الأول 2019 أكد سلامة انّ الأوضاع المالية مستقرّة، وانّ الإرادة الموجودة لدى مصرف لبنان والقطاع المصرفي، كفيلة بتحقيق الاستقرار في سعر صرف  الليرة. وانّ هذا أمر محسوم وثابت لآجال طويلة!

وفي 23 أيلول 2019 قال سلامة في مؤتمر صحافي: انّ الدولار متوفر في المصارف اللبنانية، متحدثاً عن تضخيم  إعلامي في هذا السياق! مشيراً إلى أنّ سعر صرف الليرة في المصارف واحد، والاختلاف هو لدى الصرافين الذين لا يقومون بعمليات تحويل، والحديث عن سوق سوداء غير صحيح!

الحاكم الأفضل في العالم، سبق له أن قال: إنّ سعر  صرف الدولار ليس من مسؤولية مصرف لبنان، وهنا يغالط الحقيقة، لأنه تجاهل أنه من واجب المصرف المركزي التدخل مع الصرافين، على اعتبار أنهم يمثلون مؤسسة مالية بجانب المؤسسات المالية الأخرى.

السؤال الذي نطرحه اليوم: أين هو كلام الحاكم من الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه؟! ما الذي كان يفعله نواب الحاكم وما أكثرهم، عندما كانوا يرون المشهد المظلم الذي كان ينتظر اللبنانيين، وما هو دورهم وصلاحيتهم وملاحظاتهم وتنبيههم! مَن يتحمّل مسؤولية انهيار النظام المالي والنقدي؟! مَن يتحمّل سرقة المودعين وإفقار الشعب؟! أين هي مسؤولية أعظم حاكم مصرف مركزي؟! ما الذي ستكتبه «غلوبال فينانس Global Finance» عام 2020. عن رياض سلامة؟ وما الذي ستقوله بعد اليوم وسائل الإعلام التي روّجت وطبّلت للإنجازات العظيمة لأفضل حاكم مصرف مركزي؟! وما الذي سيردّده المواطن كلّ ساعة وكلّ يوم عن الحاكم الفذ، الذي جعله يثق به وبوعوده، التي تبخّرت بين ليلة وضحاها؟…

رياض سلامة، ستظلّ الأجيال تذكرك وتذكر أسوأ فترة في تاريخ لبنان. لكن ثق أيها الحاكم، انّ اللبنانيين، لا سيما كلّ من تضرّر على يد سياساتكم وتعاميمكم، لن تغيبوا عن ذاكرتهم، وسيظلون يأتون على سيرتكم، ويقيمونكم ليس على طريقة «غلوبال فينانس Global Finance»، وانما على طريقتهم الصادقة الشفافة التي يردّدونها في كلّ مناسبة تخطر على بالهم، يشعرون فيها بالفقر وبسرقة أموالهم وجنى عمرهم، في عهد حاكم مصرف مركزي، هو فعلاً ليس كسائر حكام البنوك المركزية في العالم.

إذا كانت الحاكمية للمصارف المركزية في العالم، على النسق اللبناني، فبئس هذه الحاكمية، التي أذلت المواطن، وجوّعته، وأفقرته، وأفقدته جنى عمره وأعدمت ثقته بنظامه النقدي والمالي الى غير رجعة… أيها الحاكم الأفضل بأمر «غلوبال فينانس Global Finance» إذا كانت حسابات الجائعين، والمنهوبين، والمعذبين والمسروقين قد تبخرت على أيدي سياساتكم، فإنّ حسابكم معهم آت لا محال. ولا بدّ للكريم الذي جاع، أن يبرز لكم بصولته، فهي مقبلة لا محال.

(البناء)