بايدن أمام قرار تاريخي حاسِم، مَن سيختار لنائب الرئيس ؟ منذر سليمان ، جعفر الجعفري
واشنطن
دشن الرئيس السابق باراك أوباما دخوله العَلني في السباق الرئاسي بظهورٍ متلفَز لمدّة 12 دقيقة، لدعم المرشّح الأقوى المُتبقي جوزيف بايدن، بعد انسحاب مُتتالي لمُنافسيْه، بيرني ساندرز واليزابيث ووران. البُعد الأهم في رسالة اوباما هي في تثبيت حضوره وما يمثله من إرث ونفوذ بارزَين بين الناخبين، ولا سيما شرائح السود وذوي الأصول اللاتينية.
من بين أهم عناصر فوز الرئيس اوباما في ولايتين سابقتين تصدّره وسط قطاع الشباب معطوفاً على حماسته وقُدرته على سرعة التحرّك، وهو العنصر الذي ميّز حملة المرشّح بيرني ساندرز أيضاً، خاصة الشريحة العُمرية بين 18-29 عاماً. عنصر افتقدته حملة جو بايدن، إضافة إلى عوامل أخرى كانت من نصيب مُنافسيْه المذكورين.
وعليه، يجمع أخصائيو استطلاعات الرأي والبيانات الانتخابية على أن عناصر القوة للحزب الديموقراطي تتمثل في ثلاثة شرائح: قطاع الشباب والمرأة والأقليات أبرزها السود وذوي الأصول اللاتينية. وأن أي خَلَل أو تراخٍ في مدى تأييد أيّ منها مُنفردة أو مُجتمعة سيقضي على حظوظ الفوز الحزب.
في معرض استعراضها لسجل جو بايدن وأعبائه الثقيلة، حدَّدت يومية نيويورك تايمز، 14 نيسان/ابريل الجاري، العناصر التالية: فشله في تحفيز وتأييد قطاع الشباب في الانتخابات التمهيدية، خسارته المتدرّجة والثابتة لأصوات اللاتينيين، فُقدانه لعنصر تحفيز وحماس القاعدة الانتخابية “كما فشلت المرشّحة هيلاري كلينتون في تحفيز الناخبين قبله.”
وشدّدت الصحيفة المذكورة على محورية حرارة الحماس في الحملات الانتخابية، إذ أن مؤيدي الرئيس ترامب يتمتّعون بمنسوبٍ عالٍ من الاندفاع “أعلى بكثير من مؤيّدي بايدن.”
وعلى هذا الأساس وبهذه الخلفية ينبغي قراءة صمت الرئيس السابق باراك اوباما في بداية السباق الرئاسي، ودخوله بقوّة وحَزم لمُساندة نائبه السابق جو بايدن والذي تشوب حملته تحفّظات وشكوك داخل الحزب الديموقراطي، خاصة في قطاع المرأة على خلفيّة عدم مُحاصرته لمُرشّح المحكمة العليا عن الحزب الجمهوري كلارينس توماس، أيلول/سبتمبر 1991، بعد اتهامه بالتحرّش الجنسي، وكذلك سطحية منسوب شعبيّته بين صفوف السود (الأميركيون من أصول افريقية).
اعتبارات اختيار نائب الرئيس
تجري عملية اختيار “نائب الرئيس” من مُرشّحي الحزبين، وفق أصول التوازُنات الانتخابية الأميركية، وتتحكّم بها جملة عناصر أبرزها الأخذ بعين الاعتبار التمثيل الجغرافي لشخصية النائب إلى جانب عُمق خبرته السياسية.
التمثيل الجغرافي ليس قاعدة يُحتذى بها، بل عُرف تفرضه الظروف والعوامل الانتخابية بشكل عام، لإرضاء بعض القطاعات الرئيسة والمصالح الاقتصادية المعنية في اعتبارات قيادات الحزبين.
بهذه الخلفية، اختار المُرشَّح السابق باراك أوباما، ذو الخبرة السياسية المتواضِعة، نائبه السيناتور جو بايدن: الأول من أواسط البلاد والثاني من الساحل الشرقي ولديه سجل حافل في الكونغرس ولجانه النافذة. وكذلك فعل الرئيس الأسبق جون كنيدي، من الساحل الشرقي، باختيار نائبه ليندون جونسون من ولاية تكساس الجنوبية. وفعل أيضاً الرئيس ترامب الآتي من ولاية نيويورك على الساحل الشرقي باختيار نائبه مايك بنس من ولاية انديانا في وسط البلاد ولتمتُّعه بتأييد التيار المتشدد في الحزب الجمهوري.
عند استعراض العناصر التي سيأخذ بها المُرشّح جو بايدن لاختيار نائبه، تنبغي الإشارة إلى تراجع عامل الخبرة السياسية كشرطٍ متوفر في نائبه، نظراً إلى خبرته السياسية الشخصية، لكنه بحاجة إلى مُرشّح أو مُرشّحة لسدّ الثغرات الجماهيرية وتمثيل القطاعات الأشدّ احتياجاً لها لضمان الفوز .
في السياق عينه، يتعرض المُرشّح جو بايدن إلى جملة تحفظّات على أهليته العقلية، نظراً لتقدّمه في العُمر – 77 عاما، وبسبب بعض تصريحاته غير المُتوازِنة خلال المُناظرات الرئاسية، والتي يعتبرها بعض المُراقبين في واشنطن بأنها دليل على أن بايدن “عاجز تماماً على تذكّر حقائق أساسية بسيطة .. والتساؤلات حول حالته الصحية أضحت سراً مُتداولاً في واشنطن.”
الطبيبة والمرشّحة الرئاسية السابقة عن حزب الخضر، جيل ستاين، علّقت بقولها إن بايدن “اختلط عليه الأمر بين شقيقته وزوجته، ونسي إسم الرئيس اوباما .. الخطر الأكبر يكمن في تراجع قدرته المعرفية” (7 آذار/مارس 2020).
الُمرشّحة لمنصب نائب الرئيس
ألزم المُرشّح جو بايدن نفسه باختيار امرأة كنائبةٍ له، في إحدى المُناظرات الانتخابية. بينما أعرب نحو 41% من الناخبين عن أهمية اختيار بايدن لشخصية مناسبة أكثر ليبرالية من توجّهاته، دون اعتبار للجنس.
دخول الرئيس السابق بقوّة على الحملة الانتخابية عزَّز توقّعات المُقربين من بايدن بأنه يميل إلى اختيار أمرأة سوداء.
قائمة المُرشّحين لمنصب نائب الرئيس، وفق استطلاعات الرأي وتوجّهات قيادات الحزب الديموقراطي تشمل التالي:
المُرشّحة السابقة والسيناتور عن ولاية كاليفورنيا كمالا هاريس، التي تحظى بتأييد الرئيس اوباما تقديراً لخدماتها الجليلة لإدارته السابقة.
أما القاعدة الانتخابية من السود والليبراليين فلديها جملة تحفّظات على هاريس، على الرغم من بشرتها السوداء، أبرزها سِجِلّها المُعادي للسود وذوي الأصول اللاتينية إبان شغلها منصب المدّعي العام لولاية كاليفورنيا، لتواطؤ مكتب المدّعي العام مع شبكات المخدّرات ما أسفر عن إخلاء سبيل نحو 1000 حالة من تجّار المخدّرات، ولجهودها أيضاً في إخفاء أدلّة جنائية كان من شأنها إطلاق سراح متَّهم حُكِم عليه بالإعدام، واضطرارها إلى الامتثال لقرار المحكمة بتوفير الأدلّة بعد تباطؤ وتأجيل.
المرشّحة الأخرى هي السيناتور والمرشّحة السابقة للرئاسة آيمي كلوبوشار، الآتية من منطقة ولايات الوسط الهامة في التوازنات الانتخابية، ولاية منيسوتا، التي مالت إلى تأييد الحزب الجمهوري في جولة الانتخابات الرئاسية السابقة.
حاكمة ولاية مشيغان، غريتشتن ويتمر، أيضا من ولايات الوسط الهامة، أثبتت جدارتها بإدارة فعّالة لوباء كورونا وإن شابها بعض التردّد والتقلّب في آليات التطبيق سُرعان ما نفّذت إجراءات مشدّدة لاحتواء الفايروس. الرئيس ترامب، من جانبه، حرّض قواعده الانتخابية في الولاية للتظاهر ضد ويتمر أمام مقر الولاية والمطالبة بـ “تحرير مشيغان” من سيطرة الحزب الديموقراطي.
السيناتور والمرشّحة السابقة إليزابيث ووران حازت على إطراء نادر من المرشّح جو بايدن عقب انسحابها وإعلان تأييدها له، وصرّح وقتها قائلاً “أفتخر بانضمام مناضلة شرِسة، السيناتور ووران، إلى جانبي.”
لكن العلاقة بينهما مشوبة باختلافات وعدم اتفاق، منذ عام 2005، وفق سردية مجلة ذي نيويوركر الأسبوعية، 15 نيسان/ابريل الجاري، حين أيّدت ووارن مشروع قرار لتشديد الرقابة على إجراءات الإفلاس للشركات الكبرى مقابل تأييد بايدن لمشروع أقل تشدّدا. واضافت المجلة أن الأخير أقرّ “بهجومها القاسي عليه” عام 2013 إبان تصويت مجلس الشيوخ على عضويّتها فيه، مُستدركاً أن أداء ووران في هذا المنصب “سيكون رائعاً.”
وبحسب تحقيق صحيفة نيويورك تايمز، 14 نيسان/ابريل الجاري، فإن المُرشّح بايدن، ومنذ فوزه الواقعي بترشيح الحزب الديموقراطي، بدأ يميل لتبنّي توجّهات السيناتور ووران “حول عدد من القضايا، من ضمنها (ضرورة) إصلاح نظام الإفلاس.”
السيناتور من ولاية ويسكونسن تامي بولدوين، أيضا من ضمن قائمة المُرشّحين لمنصب نائب الرئيس، مع إدراك حقيقة توجّهها، مثلية الجنس، وقدرتها على مواجهة مساعي الحزب الجمهوري لإسقاطها في الانتخابات النصفية الماضية. توجّهاتها العامة تميل إلى التيار الليبرالي بموازاة توجّهات اليزابيث ووران وبيرني ساندرز، لكن حضورها السياسي ضعيف ضمن الحزب الديموقراطي.
المُرشّحة السابقة لمنصب حاكم ولاية جورجيا، ستيسي آبرامز، كان بإمكانها أن تشكّل سابقة في ولايتها المحافظة كأول امرأة سوداء تفوز بالمنصب، وتحظى بدعم قوي من قطاع المرأة، لكنها قليلة الخبرة السياسية.
قاعدة تأييدها للمنصب أتت من قبل يومية نيويورك تايمز، 14 نيسان/ابريل، التي ناشدت المُرشّح بايدن بالنظر إلى ما تمتلكه من مؤهلات وقاعدة دعم هو بحاجة ماسة إليها بين قطاع الشباب، خاصة وأن آبرامز “تفوّقت بمنسوب التأييد الشعبي للشباب على المُرشّح الرئاسي باراك اوباما في ولاية” جورجيا بنسبة 30%.
السيناتور عن ولاية نيفادا، كاثرين كورتيز ماستو، من أصول لاتينيةٍ تتمتّع بتأييد نظرائها من أصولٍ مُشابهة، وهو قطاع بالغ الأهمية للحزب الديموقراطي.
باختيارها لمنصب نائب الرئيس سيحظى بايدن بدعم عريض لقاعدة أخفق في كسبها كونها المرة الأولى التي تصعد فيه مُرشّحة من أصول لاتينيةٍ إلى منصب سياسي حسّاس مُتقدّم، وكذلك للوجود القوي لتلك القواعد في ولايات كولورادو وكاليفورنيا ونيفادا. وتتمتّع السيناتور كورتيز ماستو بدعم صريح من رئيس مجلس الشيوخ الأسبق وممثل ولاية نيفادا، هاري ريد، الذي لا يزال يُشكّل مركز ثقل مُعتبر داخل الحزب الديموقراطي.
المُرشّحة الأخرى ضمن قائمة الاحتمالات هي حاكم ولاية نيو مكسيكو، ميشيل لوهان غريشام، وهي أيضاً من أصولٍ لاتينيةٍ ومن شأنها تعزيز اللحمة ووحدة الحزب الديموقراطي بين قطاعاته المختلفة. صعد نجم حاكمة الولاية غريشام بتصدّيها ومعارضتها لسياسات الرئيس ترامب حول “تجييش الرقابة على الحدود الجنوبية” مع المكسيك، لا سيما عند معبر “إل باسو” الشهير الذي شهد اشتباكات عديدة بين مسلّحين أميركيين ومهاجرين.
اختيار الأوفر حظاَ من بين القائمة السابقة لمنصب نائبة الرئيس أمر ليس سهلاً. من أبرزها السيناتور والمُرشّحة السابقة آيمي كلوبوشار على خلفيّة تأييدها المُبكر للمُرشّح بايدن، والذي أسهم في فوزه بانتخابات “الثلاثاء الكبير،” وما تمثله كذلك من رصيد يعوّل عليه في ولايات الوسط. عناصر تحظى أيضاً بترجيح كفّتها لدى قيادات الحزب، مدعومة بتأييدها لسياسات المؤسّسة الحاكِمة، لا سيما ميزانيات الدفاع، خلال الفترة السابقة.
على الرغم مما تقدّم، فإن كلوبوشار قد لا تكون الخيار الأنسب لقواعد الحزب العريضة، لا سيما مؤيّدي السيناتور بيرني ساندرز وكذلك الأمر لمؤيّدي إليزابيث ووارن، وهو عامل سيصعد على سلّم أولويات الحزب لاختيار امرأة سوداء أو من أصولٍ لاتينيةٍ ربما، وتكريم اللواتي لم يفزن بالاختيار بمناصب عُليا في الإدارة المقبلة، تعزّز حضور المرأة والأقليات في آنٍ واحد.
حظوظ ووارن كإختيار مُرجّح تبقى قوية بسبب قوّة التيار اليساري في القاعدة الإنتخابية الديموقراطية ورجحان نسبة المؤيّدين لأطروحات التيار في مُعالجة الملفات الإقتصادية والرعاية الصحية خلال أزمة كورونا.
إختيار نائب الرئيس يرتدي طابعا هاما جدا في هذه الجولة من الإنتخابات لأن المُرشّح سيكون عملياً الرئيس المُنتَخب أيضاً في حال تعرّض بايدن لما يمنعه من شغر المنصب في الدورة الأولى، عدا عن كونه/ا المرشحة التلقائية للرئاسة في الدورة الثانية عام 2024 في حال فاز الحزب الديموقراطي بانتخابات نوفمبر/تشرين الأول 2020.