لمَ فجور الطبقة السياسيّة ضدّ حكومة دياب؟ وكيف يكون الردّ…؟: العميد د. أمين محمد حطيط
بات من المسلّم به انّ حكومة حسان دياب القائمة في لبنان منذ نيّف و3 أشهر تقريباً هي حكومة تختلف في كثير من الوجوه والمفاصل عن الحكومات التي شهدتها جمهورية الطائف التي انطلقت بعد العام 1989. ولأنّ هذه الحكومة تختلف عن سابقاتها فقد سجل أمران هامان يتصلان بأدائها وبردة الفعل على هذا الأداء:
ـ الأول جرأة الحكومة ونجاحها في اتخاذ القرارات الكبرى مثل قرار تعليق إيفاء اليوروبوند او خطة مواجهة كورونا او خطة إعادة المغتربين إلخ…
ـ الثاني ردة فعل الطبقة السياسية التي شاركت في حكومات لبنان منذ ثلاثة عقود، خاصة أولئك الذين أخرجوا أنفسهم من الحكومة الحالية واختاروا المعارضة بذريعة انّ صوتهم كان مهمّشاً داخل مجلس الوزراء في ظلّ عهد العماد عون الحالي واعتقادهم بأنهم لا يُستغنى عنهم، وبالتالي سيعودون إلى الحكم على حصان أبيض بعد فشل سريع للحكومة الحالية، كما يرتقبون.
في الموضوع الأول، لمس اللبناني ولأول مرة منذ العام 2005 انّ لديه مسؤولاً يهتمّ بشأنه ويحرص على أمنه وسلامته، وسلّم الجميع بأنهم أمام أداء حكومي فاعل ومنتج لا بل انّ الحكومة تعقد اجتماعات تحت عناوين شتى وبشكل مستمرّ وتكاملي وتعطي كلّ مكوّن وهيئة دورها وتترك لها ممارسة اختصاصها بشكل منسّق مع الآخرين بدءاً من الاجتماعات الوزارية المحدودة إلى اجتماعات اللجان الوزارية مروراً باجتماعات الهيئات المختصة الفرعية والعامة وصولاً إلى المجلس الأعلى للدفاع وانتهاء بالهيئة الأعلى التي تمارس السلطة التنفيذية أيّ مجلس الوزراء.
اجتماعات تتمّ بشكل منهجي وقانوني مدروس ومنتج وقد سمعنا الكثير من الناس من رسميين وغير رسميين يشكرون الله على أنّ الجائحة كورونا عصفت بلبنان في ظلّ هذه الحكومة لأنها لو حصلت في ظلّ الحكومة السابقة لكان مصير لبنان الصحّي أسوأ حالاً من مصير المالية العامة التي تلامس الإفلاس، ويتردّد انّ حكومة دياب عقدت في ثلاثة أشهر من الاجتماعات واتخذت من القرارات الخطيرة أكثر مما عقدت حكومتا سعد الحريري من اجتماعات في ثلاث سنوات. وفي خلاصة الأمر نقول انّ نجاح حكومة دياب في الشهرين الأولين لممارستها السلطة هو نجاح فرض نفسه ولا ينكره إلا موتور او جاهل او أعمى.
أما في الثاني أيّ ردات فعل الطبقة السياسية على أداء الحكومة ونجاحها وهي الطبقة التي كما ذكرنا أخرجت نفسها كيدياً او تبعياً او تآمرياً من الحكم لأول مرة منذ 1992 لبعضها، ومنذ 2005 لبعضها الآخر، فإنها ردات غاية في السلبية وتتسم بالهستيريا إذ هالها ان تنجح الحكومة حيث فشلت هي وهالها أن تكشف الحكومة جرائمها وتهدّد أموالاً سرقتها وتتحضّر لاستعادته. ومن أجل الدفاع عن مصالحها ومسروقاتها لجأت إلى الحرب الاستباقية على الحكومة متوسّلة الزور والبهتان والكذب وتحريف الحقائق للتنصل من أعمالها الإجرامية عندما مارست الحكم خلال عقود ثلاثة سبقت، وهي تتصرّف الآن وبكلّ وقاحة وفجور وكأنّ الناس بلا ذاكرة او كأن الناس معدومو العقول والأفئدة، وأنهم سيسيرون خلف الزعيم الناهب للأموال المصادر للكرامات من دون ان يكون هناك مَن يجرؤ على قول الحقيقة ويواجه افتراءهم وكذبهم وتنصّلهم من المسؤولية وإلقاء عبئها على حكومة “ليس لها في القصر قبل أمس العصر”.
نعم لقد هال أركان الطبقة السياسية أن تنجح الحكومة حيث فشلوا بعد ان نهبوا وأفسدوا، وهالهم ان تكشف الحكومة عيوبهم وعوراتهم التي ظهر نموذج منها عندما قرّرت الحكومة تقديم مساعدات نقدية للعائلات الأشدّ فقراً وحاجة، إذ انّ الحكومة ومن أجل كسب الوقت اعتمدت البيانات الممسوكة في وزارة الشؤون الاجتماعية التي دأب على الإمساك بحقيبتها تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية ونظمت تلك اللوائح بالعائلات الأشدّ فقراً وحاجة. لقد اعتمدت الحكومة ومن أجل كسب الوقت المعطيات الجاهزة في وزارة الشؤون الاجتماعية مع بعض الإضافات الجاهزة، وأوكلت إلى الجيش بما يتمتع به من صدقية ودقة تنظيم وأمانة ان يتولى عملية التوزيع بعد التحقق والتدقيق، وهنا ظهرت الفضيحة الفظيعة حيث تبيّن انّ اللوائح تعطي غير المستحق وتحرم المستحق فتوقف التوزيع حتى يكتمل التدقيق.
ومن جهة أخرى هال الطبقة السياسية التي نهبت البلاد وأفلستها أن تتصدّى الحكومة لعملية إصلاح تنجّي لبنان من الغرق، وأدركت انّ الإصلاح يمرّ بممرّ إجباري هو الإصلاح المالي مالاً وأشخاصاً قائمين عليه. هنا بدأت عملية تحسّس الرقاب وانفجار الجنون والهستيريا وأطلقوا مقولة “رفض الـ هيركاتhair cut ويعنون بها رفض الاقتطاع من الودائع المصرفية. ناسبين زوراً إلى الحكومة سعيها إلى ذلك رغم انّ أحداً لم يطرح هذا التدبير الذي يعتبر برأينا في الصيغة المتداولة إعلامياً نوعاً من السطو غير المسموح به على أموال الغير.
لكن قولهم في مكان والحقيقة في مكان آخر. فمسودة الورقة الاقتصادية الإنقاذية التي قيل إنها تتضمّن هذا الأمر هي خلوّ منه، وإنّ هناك أفكاراً تبحث عن طريقة قانونية يُستعاد بموجبها المال المنهوب خاصة في السنوات الأخيرة، ولقد هال طبقة الفساد السياسي في لبنان ان تفكر الحكومة باستعادة تلك الأموال التي نهبوها تحت عناوين متعدّدة، فشنوا عليها الحرب الاستباقية وانهالوا عليها بالتشنيع والتقريع رافضين ما لم تطرحه الحكومة أصلاً في مسودّة ورقتها.
ووضعاً للأمور في نصابها نقول إننا من حيث المبدأ نرفض أيّ مسّ بمال المودعين خاصة أنّ هؤلاء وثقوا بالنظام المصرفي اللبناني وأودعوا جنى العمر في مصارف لبنان سواء في ذلك من اغترب وعمل في الخارج او من عمل في الداخل، إنه رفض مبدئي لا يمكن المساومة عليه، ولكن هذا لا يعني توفير حماية لمن استفاد من خطط وهندسات وسلوكيات مصرفية تمّت في لبنان وحققت له المال بشبهة وانعدام مشروعية وأدّت إلى ما أدّت اليه من عجز في مالية الدولة بما شكل إفلاساً واقعياً لها. تُضاف إلى ذلك أموال هدرتها الحكومات السابقة ليستفيد منها بغير وجه حق سياسيون من أرباب الفساد أيضاً، وأخيراً هناك الأموال التي تشكلت نتيجة الرشى والسرقة واستغلال الوظيفة العامة لمدّ اليد على المال العام. أيّ في الخلاصة هناك مال من الكسب غير المشروع، ومال منهوب ومال مهدور، وجلّ هذه الأموال هرّبت إلى الخارج بالتعاون الحثيث والتسهيل من قبل حاكم مصرف لبنان والمصارف المعنية.
انّ جنون وهستيريا الطبقة السياسة مرتكبة النهب والكسب غير المشروع سببه خوفها من تجريدها من أموال سرقتها ومن مواقع سياسية أزيحت عنها وخاب ظنها بالعودة السريعة اليها، ومن فضائح متعدّدة كشفتها الحكومة القائمة، لذلك تقوم هذه الطبقة بشنّ الحرب الظالمة على الحكومة من أجل منعها من متابعة العمل الذي قدّمت نموذجاً فذاً عنه في مواجهتها للوباء الجرثومي الذي يجتاح العالم فنجحت نجاحاً باهراً حيث سقطت قوى عظمى ولهذا نرى أنّ خير عمل تقوم به الحكومة في مواجهة عدوان الفاسدين يلخص بما يلي:
1 ـ عدم السكوت على مواقف التجنّي والافتراء والتنصل من المسؤولية. فإلى جانب العمل الحكومي الرسمي الحثيث الذي يجعل الأعمال تتكلم يجب وضع الأمور في نصابها من خلال عمل إعلامي مقارن يظهر الحقائق للرأي العام ويظهر ما كان قائماً وما ترغب الحكومة به ويجب أن يكون باب القضاء مشرعاً للمحاسبة.
2 ـ عرض الواقع المالي الحقيقي كما تسلمته، ووضع خطة واضحة لاستعادة المال المنهوب والمهدور والمهرّب ووقف الهدر والرشوة والتفريق في ذلك بين استعادة الدولة أموالها من اللصوص والسارقين، وهو حق قانوني لها، وبين اقتطاع مال المودعين الذين جنوا مالهم بالطرق المشروعة وهو اقتطاع مرفوض.
3 ـ استبدال كافة الأشخاص الذين تولوا مهام إدارة المال العام خلال السنوات الثلاثين السابقة.
4 ـ السير قدماً بالقرارات الاستراتيجية الجريئة مثل قرار تجميد دفع الديون. من دون تهيّب الضغط الداخلي او الخارجي. وهنا يجب تذكير الجميع في الحكومة وخارجها انّ هذه الحكومة تقوم بمهمة وطنية مقدّسة فإما ان تنجح وينجو لبنان وإما ان تفشل ويذهب لبنان إلى المجهول.
(البناء)