لم نمتلك الحصانة بوجه الحرب فهل تعلّمنا من الحرب السورية؟: ناصر قنديل
– في ذكرى اندلاع الحرب الأهلية يكثر الكلام الرومانسي عن الوحدة بين اللبنانيين وتعلّم دروس الحرب، في حفلة تكاذب وطنية شاملة، فيما تكفي نظرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتفيدنا عن درجة تجذّر العصبيات الطائفية، حتى أن كورونا يئس من توحيدنا بعدما وحد العالم، فظهرت عندنا كورونا شيعيّة في البداية تصرفت باقي الطوائف بصفتها بمنأى عنها، أو اعتبرها زعماء الأحزاب الطائفية سبباً لفتح حساب لم يغلق مع حزب الله وتحميله مسؤولية تعريض البلد للخطر، ووجد بعض آخر سبباً للتصويب على ما وصفه تبعية الحكومة لإيران، حتى انطفأ المصدر الإيراني وصار تحت السيطرة فظهرت الموجة الثانية من مصادر أوروبية وتفشت في مناطق المتن وكسروان وجبيل، وبدأ ذلك يدغدغ الموجوعين من الهجمة الأولى ليردّوا «الإجر»، ولا يزال البعض يهتم أكثر من متابعة العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس إلى البحث عن الخريطة الجغرافية وبالتالي الطائفية لتوزيع المصابين، وعندما تفاءلنا قبل أزمة كورونا بالمناخ الذي أطلقته الانتفاضة الشعبية في الخريف، لم يلبث أن وضع زعماء الطوائف يدهم عليها، وأظهروا تحكمهم بمواعيد قطع الطرقات والشعارات التي ترفعها شوارع «الثورة»، وموقعها في خدمة مشاريعهم، ولم يكن مستغرباً أن يظهر بعض قادة النظام الذي تسبب بالكارثة للبنانيين يلبس ثوب الثوار، ويحاضر بما يريد الشعب، ويصدقه شارع من الفقراء الذين لا يربطه بهم سوى عصب الطائفية.
– الأكيد أن خطر الوقوع في الحرب الأهلية تراجع كثيراً كفرضية سياسية وواقعية، لكن ليس بسبب ارتفاع منسوب الوعي الوطني، ولا بسبب نجاح السياسة في السيطرة على إدارة النزاعات والخلافات تحت سقف السلم الأهلي، ولا لأننا بنينا دولة قوية مستقلة عن الطوائف ومرجعياتها، ونحن لا نزال في فدرالية طائفية غير معلنة، تظهر لنا كل استحقاقاتها أن كل طائفة منفردة لا تزال أقوى من الدولة، التي يجب أن تكون أقوى من الطوائف وعصبياتها مجتمعة، وسبب عصمتنا من خطر الحرب هو أن هناك قوة ولدت في رحم المواجهة مع الاحتلال هي المقاومة، وزوّدتها الحروب بخبرات وأسلحة ومقدرات، وصنعت لها مكانة إقليميّة بحيث صار سلاحها فوق قدرة القوى الدوليّة الكبرى على نزعه، فسقطت وظيفة الحرب الداخلية في نزعه، وعندما جرت محاولة تحرّش أملاً بفتح باب الفتنة كمدخل لحرب أهلية تضع سلاح المقاومة مقابل وحدة الدولة مجدداً، كانت تجربة 7 أيار عام 2008، عبرة لاستحالة الخيار، وتأكيداً لمقولة أن «من يريد الحرب الأهلية لا يقدر عليها ومن يقدر عليها لا يريدها».
– تجربة لبنان وكل مكان تقول إن الحروب لا تقع بسبب الاحتقانات بين العصبيات، ولا بسبب خروج حادث عن السيطرة، فالحروب تحتاج إلى أموال طائلة وإلى تغطيات دولية توفر لها الحماية، وقرارها أكبر من اللاعبين المحليين، ولذلك عندما حسبت حسابات الحرب كأداة خارجية يستخدم فيها الداخل ضد الداخل، والهدف سلاح المقاومة، كانت النتيجة سلبية من جهة، وموحية من جهة أخرى، فكم المقدرات والتورط اللذين تحتاجهما هذه الحرب، يكفيان للتفكير بالحرب في سورية وعليها، وعندها الأمر يستحق المخاطرة، لأن من ضمن نتائجه وأهدافه سيكون وضع مصير المقاومة على المحك، وعندها سيكون نصيب يستحق الاستثمار للسعودية ونصيب موازٍ لتركيا ونصيب لا يقلّ قيمة لـ«إسرائيل»، عدا النصيب الغربي الأوروبي والأميركي، في معادلات ستعيد رسم الجغرافيا السياسية والنفطية والعسكرية للشرق والغرب، من مصير الصعود الصيني إلى مصير التعاظم الروسي، وفي هذه الحرب سيكون ممكناً تجنيد مَن هم أكفأ من ميليشيات طائفية لم تصمد في 7 أيار، فسيكون ممكناً حشد تنظيم القاعدة واختراع داعش، وتحشيد ميليشيات الأخوان المسلمين، وتشجيع التشكيلات الكردية على الانشقاق.
– بطريقة لا تحتاج إلى كثير من النقاش ولا التفكير، لم تحل الحرب في سورية وعليها مكان الحرب الأهلية في لبنان، فقط، بل شكلت ساحة موازية لهذه الحرب، حيث تقاتل اللبنانيون، أو نسبة وازنة منهم على ضفاف الخيارات التي كان البعض يفكر ويأمل بأنه سيخوض الحرب في لبنان لأجلها. وفيما وقف حزب الله علناً إلى جانب الدولة السورية مدافعاً عن قلعة المقاومة بوجه مشروع صنع لخدمة الأمن الإسرائيلي، قاتل آخرون تحت شعارات الحرب الأهلية، بعناوين طائفية ومذهبية صارخة، ولم يحرجهم أن يعلنوا من مواقعهم العديدة الإشادة بجبهة النصرة، وهي تصرّح بأنها الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة، وأعلنوها ممثلاً شرعياً ثورياً للشعب السوري، وزجّوا في هذه الحرب كل ما يقدرون على زجه في الحرب الأهلية التي تخيّلوها في لبنان، فقدموا كل شيء، إعلاماً ومالاً وسلاحاً وخبرات ومخابرات وتحشيداً ميليشيوياً، في جبهات وسط سورية وجنوبها، وفيما الحرب في سورية تنهي آخر فصولها، أو آخرها المهم للبنانيين، وينتصر مشروع الدولة السورية، ثمة أمل بسيط أن يكون في ذلك عبرة لمن لا تزال في رؤوسهم بعض الأوهام حول الفكرة المجنونة السوداء.