هل يضع كورونا حداً لحروب العدوان على المنطقة؟: العميد د. أمين محمد حطيط
في موقف مهمّ أطلق البابا فرنسيس بابا روما للمسيحيين الكاثوليك نداء بوقف إطلاق نار عالمي شامل ووقف الحروب بين البشر والتفرّغ لمحاربة الوباء الذي يهدّد البشرية، وسمّى البابا تحديداً وبالاسم العراق واليمن وسورية ولبنان مناشداً وقف الحرب التدميرية عليها، لكونها تتعرّض لعدوان خارجي واضح، وكان لموقفه الذي أطلقه خلال قداس عيد الفصح للطوائف الغربية أثر معنوي بالغ الأهمية خاصة أنه جاء خلال قداس استثنائي في شكله لم يحضره أكثر من 10 مصلّين، بعد ان فرضت تدابير الحماية والوقاية من فيروس كورونا التزام المنازل واحترام قواعد التباعد الجسدي والاجتماعي ومنعت التجمّعات. فهل يصغي المعتدون مطلقو الحروب وممارسو العدوان على الشعوب، لنداء البابا ويوقفون حروبهم العدوانية؟
قبل الإجابة نذكر أنه ولعقد من الزمن شنّت ولا تزال على المنطقة حروب بقيادة أميركية وتمويل عربي ومشاركة دولية متعدّدة الأوجه والسقوف، حروب استغلّ فيها المعتدي الواقع المتردّي في بعض الدول ومارس انتقاماً من صلابة الأنظمة الرافضة للسيطرة الأجنبية في بعضها الآخر. واستطاعت هذه الحروب التي طالت بشكل أو بآخر تسع دول عربية حتى الآن ان تسقط رؤوساً وحكومات وتشرّد أو تشتت مجتمعات وشعوباً ودولاً بعد أن أعملت فيها القتل والتدمير والتشريد والإفقار والتجويع، ومورست خلالها السرقة والقرصنة والاغتصاب واستباحة أموال الشعوب والأمم والدول حتى بدت السرقة والاغتصاب سلوكاً عادياً او مألوفاً يمارس جهاراً نهاراً وكأنه أساس التعامل البشري.
لكن وكما يعلم الجميع وبات مسلماً به انّ تلك الحروب ورغم كلّ المآسي التي أحدثتها لم تحقق في الدول المستهدفة بسبب تمسكها بسيادتها واستقلالها وحريتها أهداف المعتدي وأدواته، وتأسيساً على ما ذكره البابا في ندائه نتوقف عند 4 حالات أساسية هي اليمن وسورية والعراق ولبنان، وطبعاً يجب ان لا تنسى ليبيا التي ارتكب الحلف الأطلسي فيها أبشع جريمة وحشية بتدميرها وتفكيك دولتها ومنع تشكل الدولة من جديد فيها والسؤال الأساس الآن هل تستغلّ جائحة كورونا لوقف الحرب على هذه البلدان؟
نبدأ باليمن ونتوقف أولاً عند الواقع الميداني فيه، حيث نجد أنه بعد 5 سنوات من العدوان السعودي الإماراتي عليه صمد اليمن وتمكن من احتواء العدوان أولاً، ثم من الثبات في مواقع دفاعية يستحيل على المعتدي اقتحامها، ثم كان تطوّر القوة اليمنية الوطنية في مسار يسمح بالعمل الهجومي للتحرير في الداخل وللضغط الميداني عبر الحدود، ما يعني عسكرياً انّ اليمن بات اليوم في موقع ذي اليد العليا ميدانياً وبات الحلم السعودي بتحقيق شيء من أهداف عدوانه هو كحلم إبليس بالجنة، أيّ أنه أمر مستحيل يسلم باستحالته كلّ عاقل. لا بل أكثر من ذلك، إنّ الأيام الآتية تحمل وفقاً للمتوقع أخباراً سيئة للسعوديين بعد الانهيارات التي حصلت لهم ولمرتزقتهم في أكثر من منطقة في اليمن خاصة في مأرب وجوارها التي ستكون محلاّ لحملة تحرير ناجح يتوقع أن تنفذها القوات اليمنية الوطنية من جيش ولجان شعبية.
في ظلّ هذا الواقع المزري ميدانياً ضدّ السعودية أعلنت الأخيرة وقف إطلاق نار لأسبوعين من جانب واحد ولم ترفق إعلانها بأيّ خطة عملية او حتى وعد بفك الحصار وفتح المطارات والمرافئ او تبادل لأسرى، ورغم أنّ إعلان وقف إطلاق النار بهذه الصيغة الجوفاء فيه من الأهمية والدلالة الإيجابية لصالح اليمن إلا أنه لا يكفي ولا يعوّل عليه ميدانياً، وقد تكون السعودية أطلقت الإعلان كخدعة تكسبها الوقت خاصة أنها الآن بين نارين نار كورونا التي اجتاحت السعودية ودخلت إلى قصور العائلة الحاكمة (150 مصاباً منها) وتسللت إلى صفوف القوات المسلحة، واجتاحت الشارع السعودي فمنع فيه التجوّل وجمّد الاقتصاد.
إنّ السعودية قبل خسائرها الكبرى وقبل انهيار النفط وقبل فيروس كورونا عجزت عن تحقيق شيء من انتصار في اليمن، فكيف سيكون بها الحال مع ما ذكر من وقائع سلبية تعمل ضدّها؟ طبعاً، وبكل منطق سليم نقول إنّ تسارع انهيار السعودية في اليمن وفي الداخل سيكون مرتقباً لا بل مؤكداً ما يطرح السؤال هل السعودية ستستفيد من جائحة كورونا وتدّعي أنها لأسباب إنسانية أوقفت الحرب وخرجت منها مع بعض ماء الوجه الذي وفره لها كورونا؟ المنطق والعقل يقول بالإيجاب، ولكن هل لديهم منطق حتى يستجيبوا مع انشغال سيدهم الأميركي الذي قد يسمح لهم بالإجابة؟
أما سورية، فإنّ القاصي والداني يعلم أنّ العدوان عليها فشل ولم يتبقّ لتحقيق سورية الانتصار الشامل والمكتمل إلا معركة وشبه معركة، معركة في إدلب بوجه تركيا ومرتزقتها وشبه معركة في شرقي الفرات بوجه الانفصاليين ورعايتهم الأميركية دون نسيان تركيا. والعدو في الحالين هو التركي والأميركي اللذان يكابران ويتصوّران انّ بإمكانهما تعويض الخسائر وتحقيق ما يحفظ ماء الوجه. ولهذا يعملان لإطالة أمد الصراع في الشمال السوري. ولكن الوقائع ومسارات الأحداث في الميدان تؤكد انّ أحلام أميركا وتركيا في سورية غير قابلة التحقق حتى ولو أقدم على العمل العسكري المباشر وبدون أقنعة او قفازات وهو أمر كان محل نقاش سابقاً واليوم بات أكثر استبعاداً بعد الوضع الذي أحدثته جائحة كورونا وأثرت فيه على الواقع الداخلي في دول العدوان وعلى الجهوز العسكري في جيشه ما يعني استبعاد الأمر والقول بأنّ النصر السوري بات مؤكداً اكتماله والمسألة مسألة وقت فقط هل يحاصر أم يتمدّد؟
وفي لبنان والعراق حيث يبدو بعض الشبه في الحالتين لجهة المتدخل المعتدي أو لجهة أسلوب العمل العدواني، حيث تستغلّ أميركا ما آل اليه الوضع في العراق بعد احتلاله وبعد ظاهرة الفساد التي استشرت فيه من قبل فئات جاءت إلى السلطة بطرق ظاهرها دستوري قانوني وباطنها طائفي منحرف عن مصالح الدولة وشعبها، وتحاول أن تعود وتركز احتلالها فيه ضاربة بعرض الحائط الموقف العراقي الوطني الذي عبّر عنه مجلس النواب الذي طالبها وبقرار واضح الخروج الفوري من البلاد.
أما لبنان الذي أغرقته الطبقة السياسية الفاسدة المفسدة بالديون ونهبت أمواله متكئة على دعم أميركي وقادته إلى الإفلاس غير المعلن، إن لبنان ينازع اليوم، بسبب السياسة الاقتصادية المالية التي طبقت فيه برعاية أميركية بلغت إلى حدّ التهديد مؤخراً بالويل والثبور وعظائم الأمور اذا تمّ تغيير حاكم مصرف لبنان او نائبه الذي أسمي بالوديعة الأميركية. إنّ لبنان يتعرّض من أميركا لحرب من نوع آخر جاءت أزمة كورونا لتحجبها مؤقتاً بعض الشيء، لكنها حرب خطيرة وشرسة قد تودي بلبنان إن لم يحسن التعامل معها ومواجهتها، فالفيروس كورونا ليس اشدّ خطراً على لبنان من فيروس الفساد الذي أودى بالاقتصاد والمال العام اللبناني.
وفي خلاصة الأمر وفي دراسة لهذه الميادين الأربعة نجد قواسم مشتركة بينها هي: عامل المعتدي وهو كما يبدو واضحاً أميركا وتركيا والسعودية بشكل أساس ومعها بعض القوى المتدخلة بشكل متفاوت بما فيها أوروبا الأطلسيّة وبعض دول الخليج. وعامل الهدف وهو السيطرة وفرض التبعية والسيطرة. وعامل الدفاع حيث إنّ القوى المنتظمة صراحة او ضمناً في محور المقاومة هي التي تردّ وتدافع.
وهنا نأتي إلى تأثير كورونا على العامل الأول ونجد انّ أميركا أنزل بها كورونا من الخسائر المادية والمعنوية وفي الجهوزية العسكرية ما يجعلنا نعتقد أنّ متابعتها عدوانها هنا وهناك أمر فيه من الصعوبات ما لا يمكن الاستهانة به خاصة ما آل اليه الوضع الداخلي والتحالفات الدولية او الوضع الاقتصادي او الجهوز العسكري الميداني. وليس حال تركيا والسعودية او أوروبا الأطلسية بأحسن من حال أميركا في هذا الصدد. الأمر الذي يقودنا إلى القول بانّ مصلحة هذه الأطراف اليوم تكمن في الاستجابة إلى نداء البابا لوقف الحروب التي تشنّها خاصة أنّ الأطراف المستهدفة هي حتى الآن الأقلّ تضرّراً من فيروس كورونا وإن جهوزيتها العسكرية لم تتأثر حتى الآن بهذا الوباء.
وهنا نعود إلى السؤال عينه هل يُستغلّ كورونا بما يوفره من ماء الوجه للمعتدي فيبادر إلى وقف العدوان؟ نتمنى ذلك ولكن للأسف ومع انعدام الثقة بعقلانية المعتدي ومنطقه يبقى أن نعوّل أكثر على الآثار السلبية التي يحدثها كورونا في بنية دول العدوان فتجبر الحاكم المستبدّ المعتدي على وقف عدوانه، وهو الأرجح أن يتمّ في الأشهر الستة المقبلة.
(البناء)