الإعلام اللبناني واستجابته لتحدي كورونا
غالب قنديل
تظهر متابعة الأداء الإعلامي المرئي والمسموع والإلكتروني أن وسائلنا الإعلامية واكبت الحدث بنسب متفاوتة واعتبرت ما يجري ملفا جديدا مضافا لمجموعة العناوين الإخبارية والسجالية التي تتفاعل معها يوميا عبر نشرات الأخبار وتحقيقاتها وتغطياتها وتدير بشانها النقاش في برامجها الحوارية وقد خصصت جميعا مساحات للتوجيه الصحي الوقائي.
أولا رغم شمولية التهديد الوبائي العابر للطوائف والمناطق تحصنت وسائل الإعلام في مواقعها السياسية والطائفية والمناطقية التي وسمت بها منذ ظهورها بعد الطائف بفضل نظام إعلامي قام على التقاسم وتميزفي الممارسة الواقعية بتغييب القانون الذي ما تزال نصوصه معلقة وآلياته معطلة وحيث تؤثر السلطة السياسية القفز إلى نصوص جديدة بحجة التحولات التقنية والثورة التكنولوجية الرقيمة.
حافظت المنابر الإعلامية على ذلك التموضع لجهة مناطق تركيز التغطيات والمواكبة الإعلامية ونقل الشكوى الشعبية وملاحقة المبادرات الأهلية والحكومية وكانت علامة الجمع البارزة تحول وزارة الصحة العامة والوكالة الوطنية للإعلام إلى مصدر ومرجع رسمي للمعلومات لايمكن تجاوزه إضافة إلى التحركات الرسمية في المناطق وبالتحديد جولات وزير الصحة ومتابعة تجهيز المستشفيات الحكومية بحيث فرض النشاط نفسه بمضمون وطني عام لم تستطع أي من الوسائل حجبه حتى لو رغبت بدافع العداء السياسي والخصومة الحزبية.
ثانيا التعامل الإعلامي مع التهديد الوبائي حكمته في البداية عقلية النكاية والعداء السياسي ومناكفة الحكومة والتحريض عليها والتقليل من أهمية ما تقوم به ومالبثت الوسائل الإعلامية المناكفة ان اضطرت تحت ضغط الخطر الواضح إلى تعميم الدعوة للانضباط بالتوجيهات الحكومية التي شككت بها أول الأمر وقللت من اهميتها وفاعليتها في حين أظهرت التقارير الإخبارية العالمية أن أيا من حكومات الغرب الصناعي التي يقدمها صناع الخطاب الإعلامي اللبناني كنموذج للرقي والتحضر ويحيطونها بهالة من الهيبة لم تخترع جديدا يضاف على نصائح وتعليمات وزير الصحة اللبناني الذي صبت عليه حملات ظالمة في البداية ولم يمتلك أي من المشككين عبر وسائل الإعلام شجاعة الاعتذار من شخصية باتت رمزا شعبيا لمقاومة الكورونا بينما هو واصل عمله بثقة وحزم ولم يؤخره وابل الإساءات والتجاوزات التي ترفع عنها ولم تمنعه من مواصلة عمله الذي ينال أخيرا اعترافات متلاحقة بصحته وجدواه من ألد الخصوم السياسيين.
ثالثا كان سلوك الحكومات المتعاقبة انفصاميا في الملف الإعلامي وهو ما ورثته الحكومة الحالية ويزيد من اعبائها فقد شاع انفلات إعلامي متوحش وأهمل ما نص عليه القانون في مرجعيات تنظيم المحتوى الإعلامي وما يطرحه من ضوابط ترجح الوطني العام على حساب الفئوي والمناطقي بينما ينتظر من سنوات صدور قانون جديد بذريعة انتفاء صلاحية النصوص مع التحول الرقمي وبالمقابل عطلت فعليا فرصة مواكبة التحدي التقني الرقمي فتم منع تنفيذ خطة حكومية لبناء شبكة وطنية أرضية للبث الرقمي التلفزيوني منذ ثمانية أعوام ولونفذت في حينه لوجد المشاهدون في زمن العزل القسري سلسلة من الخدمات التفاعلية المتطورة على القنوات الوطنية تخفف عنهم وطاة الانقطاع عن العمل والأصدقاء والأقارب بسبب قسرية التباعد وتتيح مزيدا من التواصل البناء والمسلي في حين تستعيد القنوات اللبنانية من أرشيفاتها معظم منتجاتها السابقة التي يتلقاها الناس ويتفاعلون معها لكن أيا من محطاتنا الوطنية باستثناء الفترات التعليمية عبر تلفزيون لبنان لم تعدل من برمجتها جوهريا بما يناسب الحاجات المستجدة التي تلامسها بعض المواد الإرشادية القليلة والمعدودة في ظل تعطل الإنتاج التلفزيوني فقد واجه المنتجون في العالم كله معضلة استحالة استمرار العمل في الاستديوهات لإنتاج مواد جديدة.
رابعا ما يثير الانتباه أن التحديات النفسية والعصبية لزمن العزلة والتباعد لم تعالج كفاية عبر وسائل الإعلام التي لم تعدل في برمجتها لتستحدث ما يلبي حاجات إشغال وقت الأطفال والمراهقين بمواد للتسلية والتثقيف في حين تتطلب مرحلة توقف الدراسة والحجر المنزلي زيادة ما تبثه وسائل الإعلام من مواد تعليمية وبرامجية خاصة بهذه الفئات العمرية في حين يحتاج الكبار إلى نصائح خبراء علم النفس الاجتماعي ورغم استخدام تقنيات الاتصال بواسطة الأنترنت في استصراح المسؤولين والمواطنين والمحللين والخبراء بدلا من إيفاد المراسلين والمصورين إليهم فإن تلك التقنيات لم تدخل سوى قليلا حيز الاستثمار في برامج غير سياسية اجتماعية او اقتصادية او فنية وربما إن ضعف شبكة الأنترنت وخدماتها العاثرة هو احد العوائق الجوهرية مع ان خدمة الأنترنت في لبنان تعتبر من بين الأعلى كلفة والأقل كفاءة في العالم .