“دون كيشوت” الأميركي يرحل إلى الفضاء على متن طاحونة: د. وفيق إبراهيم
«دون كيشوت» الجديد هو الرئيس الأميركي ردونالد ترامب الذي يتابع عروضه الهزلية بحثاً عن زعامة سياسية دائمة له في الولايات المتحدة الأميركية.
فبدأ بعروض قوة في الشرق الاوسط وكوريا قاطعاً علاقات بلاده بالمنظمات الدولية التي تتطلب من الدول دفع اشتراكات مكلفة محاولاً عرقلة الصين وروسيا ساعياً الى خنق إيران وسورية والقضية الفلسطينية. متوصلاً منذ يومين فقط الى الانسحاب من منظمة الصحة الدولية بذريعة فشلها في مجابهة جائحة الكورونا.
هذه العروض المسرحية لا تزال متتابعة انما بزخم اكبر هذه المرة. ففيما كان الرأي العام العالمي منتظراً من البيت الابيض الأميركي رعاية خطة بالتنسيق مع كامل مراكز القوة في العالم، خصوصاً الصحية منها لمجابهة الكورونا، فإذا بترامب يعلن عن خطة أميركية لغزو المجرات في الفضاءات البعيدة لاستثمار ما يوجد فيها، من موارد صالحة للاستثمار البشري.
ولإضفاء عناصر لتأكيد مصداقيته دعا الشركات الأميركية الكبرى والمتنوعة الى تقديم طلبات مسبقة للمشاركة في اعمال التنقيب المفترضة في اعماق الكواكب.
فهل هذا المشروع قابل للتصديق؟
تجتاح الكورونا الخبيثة بلاد ترامب والدول المحيطة بها بشكل يقول العلماء إن ثلاث سنوات لن تكون كافية لتطهير هذا المدة من آثار الفيروس الخبيث، هذا لا يعني بكل تأكيد الاستسلام لتداعياته وايقاف كل التفاعلات الاقتصادية، لكنه يتطلب على الاقل عناية مركزة شديدة الكلفة تشمل كامل المساحة الأميركية الداخلية وعلاقاتها بتفاعلاتها الخارجية على مدى عالمي واسع على كامل المستويات الاقتصادية والثقافية والسياسية والفنية مع حركة نحو مئتي قاعدة عسكرية أميركية متموضعة في مئات الدول وتحتوي على عشرات آلاف الجنود الأميركيين.
هناك مؤشرات إضافية أخرى تكشف عبث ترامب في موضوع مجابهة الجائحة، واستهزاءه بها. وهي موجودة في إصرار الرئيس الأميركي على مواصلة العقوبات التي فرضها على إيران وسورية واليمن وفنزويلا وروسيا والصين، على الرغم من انها تمنع هذه الدول من مجابهة كاملة للكورونا.
وبما ان هذا الوباء جائحة قابلة للانتشار فإن استمراره في الدول المتعرضة للعقوبات كفيل بانتقاله الى اي مكان من العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ذات الاقتصاد الأكبر والأكثر انتشاراً.
فلماذا يعلن ترامب اذاً خطة لغزو الفضاء في هذا الوقت بالذات؟
يحاول ترامب منذ بداية ولايته التأسيس لظروف مؤاتية داخلياً وخارجياً، لتنصيبه قائداً أميركياً تاريخياً من فئة الرؤساء القدماء الذين صنعوا تاريخ بلاده الاستعماري.
لذلك بدت عروضه متسرّعة تضرب شمالاً ويميناً وداخلياً وخارجياً ما أدى الى اقترافه لمئات الأخطاء المميتة والقليل من الافعال الناجحة على ندرتها ومنها سرقة أموال الخليج واستثمارها لمصلحة الفئات الشعبية الأميركية.
فأساء هناك في جزيرة العرب وافاد في ضواحي البؤس الأميركية.
هذا الدونكيشوت الأميركي تبنى سياسات ادت الى تراجع ادوار بلاده في الشرق الاوسط وامام الصين وروسيا واوروبا ايضاً، الى ان جاءت جائحة الكورونا لتسدد لترامب ضربة موجعة وذلك للطريقة السطحية الاستثمارية التي تعامل بها مع هذا الوباء من بداية تفشيه العالمي. فأعلن انه وباء صيني إيراني لا علاقة للأميركيين به وبشكل أصبح اطلاق الصفة الصينية عليه مشروعاً اساسياً عند المسؤولين الأميركيين لربطه بالتنافس الصيني الأميركي ومعاقبة إيران.
لذلك لم يمنح ترامب بلاده فرصة الاستعداد لمكافحة الوباء، معتقداً انها بمنأى عنه لانه لا يصيب ربما الا الفقراء.
هنا يكمن الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي اقترفه دون كيشوت أميركا متيحاً للكورونا بالفتك بمئات آلاف الأميركيين، فحاول التخفيف من مخاطره لكنه لم ينجح. لان الوباء تفشى في اكثر من ولاية مجتاحاً وبشكل عنيف جداً اصدقاء الأميركيين في الاتحاد الاوروبي، خصوصاً اسبانيا وبريطانيا وايطاليا وفرنسا وسط عجز أميركي كبير عن تقديم اي مساعدة او عون.
ضمن هذه المناخات الدراماتيكية اطلق ترامب مشروعه لغزو الفضاء، ومدّ الإرهاب في سورية بكل انواع السلاح شرقي ادلب.
لذلك فإن الواضح هنا هو سعي ترامب لتحويل الانظار عن فشله في مجابهة الكورونا إلى التلميح للجذور الصينية لهذا الوباء بدليل انه شكر الصين على مساعداتها لبلاده لكنه طالبها بتحقيق شفاف وعميق في منطقة بدايات ظهور الوباء في «ووهان» الصينية لمعرفة الحقيقة.
وسرعان ما استدار لاتهام منظمة الصحة العالمية في محاولة دون كوشوتية واضحة للبحث عن ضحية ترفع عنه نقمة الأميركيين عليه فأعلن انسحاب بلاده منها.
هناك اذاً إصرار ترامبي على اتهام الصين ومنظمة الصحة بتسويق الوباء. وبما ان هذا لم يعد يكفي للتعويض عن تراجعه بين الأميركيين كان لزاماً عليه البحث عن وسائل اخرى الى ان اكتشف ان غزو المجرات والكواكب مسألة تثير الاهتمام الشعبي الأميركي لارتباطها بثروات قال ترامب في عرضه الهزلي إن بلاده تحضر لاستثمارها عبر شركات أميركية لمصلحة المواطن الأميركي.
هنا يبدو أن دون كيشوت لديه أهداف إضافية تتعلق بجذب الروس الى صراع على القضاء يؤدي الى انهيار بلادهم كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي عندما اندفع الاتحاد السوفياتي لصراع فضائي وتسليحي ونفطي، ادى الى انهياره، هنا ربما يأمل ترامب ايضاً باندفاعة صينية فضائية قد تؤدي الى لجم اندفاعة التنين الأصغر نحو القطبية العالمية.
هذه مشاريع دون كيشوت الأميركي غير الواقعية التي يبدو فيها كأنه يمتطي طاحونة للسفر بين النجوم فلا يصل إلا الى الاستيقاظ مذعوراً من تأثير جائحة الكورونا التي يجب على العالم التضامن لمجابهتها والتركيز على افضل الطرق الصحية لابتكار لقاحات تجهضها قبل تشكلها وتفشيها.
(البناء)