من الصحف البريطانية
استحوذ تدهور حالة رئيس الوزراء البريطاني الصحية على تغطية الصحف البريطانية لأخبار وباء فيروس كورونا. غير أن خبر نقل بوريس جونسون إلى غرفة الرعاية المركزة لم يصرف الصحف عن الاهتمام بالتوابع الأخرى للأزمة غير المسبوقة.
“حتى في وقت المعركة الشرسة مع وباء كوفيد 19، لا يجب أن نضحي بحرية الرأي“، هذا النداء أطلقه كاس مود في صحيفة الغارديان، محذرا من أن السلطات الاستثنائية التي تنتزعها الأنظمة السلطوية في الظروف الطارئة كأزمة الوباء الحالية لا تستهدف الأخبار المزيفة بل تعصف “بأي نقد يعبر عنه عمال الرعاية الصحية للنقص في المسلتزمات الضرورية في المستشفيات“.
وفي مقال بعنوان :”لا تدعوا حرية التعبير تسقط ضحية لفيروس كورونا. نحن بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى”، يقول كاس إن هذه الحرية “هي أول الضحايا في أوقات الأزمة“.
يستعرض الكاتب بإيجاز التاريخ القصير لمصطلح “الأخبارالمزيفة” الشائع الآن. ويرجع الفضل في هذا الشيوع إلى تكرار الرئيس الأمريكي استخدامه في الصراع السياسي الداخلي.
ويشير إلى أن هذا الشيوع خلق وظيفة إعلامية جديدة هي التحقق من الأخبار والمعلومات. إلا أنه يعتقد بأنه رغم وجود جهات تتمتع بسمعة جيدة في مجال التدقيق “فإنه لم يتحقق سوى تقدم قليل للغاية“.
ويضيف كاس وهو أستاذ في كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة جورجيا، قائلا “بما أن دونالد ترامب أضفى شعبية على هذا المصطلح، فلا ينبغي أن يكون من المستغرب أن يتبنى الشعبويون في السلطة، بحماس، المعركة ضد “الأخبار المزيفة”. والآن منحهم فيروس كورونا فرصة لتكثيف تلك المعركة من خلال تمرير قوانين صارمة جديدة، بزعم منع الأخبار المزيفة من زيادة تفاقم الأزمة“.
المفارقة هي أن بعض السياسيين الذين يدعمون أو، على الأقل، يسمحون بالرقابة على العاملين بالرعاية الصحية في بلادهم، كانوا ينتقدون علنا النهج الصيني
ويضرب الكاتب مثالا بما حدث أخيرا في المجر، التي مرر برلمانها “دفعة تدابير طوارىء، تعطي رئيس الوزراء فيكتور أوربان اليميني المتطرف صلاحيات ديكتاتورية، دون أن تواجه البلاد فعليا حالة طوارىء. إذ أنه حتى نهاية شهر مارس، تأكدت، وفق الأرقام الرسمية، 492 حالة كورونا فقط، توفي منها 16 حالة“.
ويخشى كاس من توابع هذه السلوك في المجر قائلا “لأن أوربان يحكم بموجب مرسوم، فإن أي شيء يراه “أخبارًا مزيفة” سيكون عقابه السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات – وهذا حكم بالإعدام بالنسبة لوسائل الإعلام المستقلة، التي لا يزال لها وجود في المجر“.
الأمر لا يقل خطورة، في وقت أزمة كورونا، في الديمقراطيات الكبرى بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة، كما يشير الكاتب، الذي صدر له أخيرا كتاب بعنوان “اليمين المتطرف اليوم“.
ويقول ” لعل ما هو أخطر الهجوم على حرية التعبير للأشخاص في الخطوط الأمامية لمكافحة فيروس كورونا: عمال الرعاية الصحية. هؤلاء هم الأشخاص المطلعون على الوضع بشكل أفضل، وبالتالي فهم أفضل ترياق محتمل للأخبار المزيفة. ومع ذلك، فإنه وفقا للإندبندنت، فإن أطباء في خدمة الصحة الوطنية البريطانيين قد كُممت أفواههم كي لا يتحدثوا عن نقص معدات الحماية، بينما تتحكم هيئة خدمة الصحة الوطنية في انجلترا في الاتصالات الخاصة بالعديد من مستشفيات الخدمة والعاملين”، في إشارة إلى السعي لمنع تسرب أي معلومات لوسائل الإعلام.
في الولايات المتحدة، وهي إحدى الديمقراطيات الغربية القليلة التي ليس لديها نظام رعاية صحية عام شامل، يقول الكاتب “تمارس مستشفيات خاصة الرقابة. ولأنها تعطي أولوية لعلاماتها التجارية وأرباحها على صحة مرضاها والعاملين بها، هددت مستشفيات خاصة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الموظفين بالاستغناء عن خدمتهم إذا تحدثوا عن نقص معدات الحماية”. وبلغ الأمر حد أنه “تم فصل العديد من العاملين في مستشفيات بالفعل بعد التحدث علنا، وهذا إهدار لا يصدق للموارد الحاسمة والقليلة في وقت الوباء“.
ويلفت الكاتب النظر إلى ما يصفه بمفارقة مثيرة للسخرية ناتجة عما يحدث في بريطانيا والولايات المتحدة.
ويقول “المفارقة المثيرة للسخرية هي أن بعض السياسيين الذين يدعمون أو، على الأقل، يسمحون بالرقابة على العاملين بالرعاية الصحية في بلادهم، كانوا ينتقدون علنا النهج الصيني. على سبيل المثال، ألقى وزير شؤون مجلس الوزراء في الحكومة البريطانية مايكل جوف باللوم في الآونة الأخيرة على الصين لفشلها في وقف انتشار فيروس كورونا، في حين وصف مايكل ماكول، كبير الأعضاء الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، رد الصين بأنه واحد من أسوأ عمليات التستر في تاريخ البشرية“.
“قرار درامي يعكس تراجعا”، وصف أطلقته صحيفة ديلي ميل، على قرار نادي ليفربول بالعدول عن موقفه السابق بالاستفادة من برنامج الحكومة المالي الذي يستهدف الحفاظ على الوظائف في كل القطاعات في ظل أزمة باء فيروس كورونا الفتاك.
وتستعرض الصحيفة قرار ليفربول الجديد الذي اعترف بأن النادي “توصل إلى استنتاج خاطئ” عندما قبل الاستفادة من أموال دافعي الضرائب في الحفاظ على وظائف العاملين به. وتركز الصحيفة في عناوينها الرئيسية التي تناولت الموضوع على “الاعتذار الصادق” من جانب نادي الريدز، الذي اقترب من التتويج الرسمي ببطولة الدوري الانجليزي الممتاز لكرة القدم “البريميير ليج” قبل تفجر أزمة كوفيد-19.
وحسب تقديرات الصحيفة، فإن قرار النادي الملغي يعني أن نصف العاملين به كانوا سيستفيدون من مشروع وزارة الخزانة الذي يمنح المؤسسات العامة والخاصة، ومن بينهم الأندية الرياضية، 80 في المئة من قيمة راتب كل موظف لديها حتى لا يُفصل من عمله خلال الأزمة.
وتشير الصحيفة إلى أن القرار “كان خطوة أثارت انتقادات شديدة من جانب المشجعين واللاعبين السابقين“.
وتكشف عن أن النادي أجرى مفاوضات مكثفة مع أكثر من طرف لتدارك التداعيات الناتجة عن القرار عقب صدوره.
وقالت “شاركت مجموعة فينواي الرياضية – مالكة ليفربول ومقرها مدينة بوسطن – في مناقشات مع (كبير المسؤولين التنفيذيين بيتر) مور، وعمدة مدينة ليفربول جو أندرسون… و”سبيريت شانكلي”، وهي رابطة المشجعين، بعد أن أدركوا ردة الفعل“.
وترى الصحيفة أن التحول في موقف المجموعة المالكة لليفربول يعكس “وعيا بالطريقة التي يراها بها جمهور الناس والوصول إلى قناعة بأن قبول تدخل الدولة سوف يسيء إلى شركة بلغ حجم مبيعاتها 533 مليون جنيه استرليني في السنة المالية الماضية. كما حقق النادي حامل لقب دوري أبطال أوروبا أرباحًا بلغت 42 مليون جنيه إسترليني“.
ونشرت الصحيفة صورة من خطاب مفتوح وجهته المجموعة إلى الجمهور وأكدت فيه على “الانشغال بعملية استكشاف جميع السبل الممكنة للحد من الضرر الحتمي” للقرار الأولي بالاستفادة من أموال دفعي الضرائب.
في شأن رياضي آخر ولكن ببعد سياسي، شن أحد كتاب صحيفة آي هجوما شرسا على وزير الصحة البريطاني مات هانكوك لمطالبته لاعبي الدوري الإنجليزي لكرة القدم بأن يتحملوا نصيبا من جهود مواجهة أزمة وباء فيروس كورونا بأن يخفضوا رواتبهم.
ووصف سايمون كيلنر كلام الوزير بأنه أحمق، وأرجعه إلى أن عيني الوزير كانتا على عناوين الأخبار.
ويقول “إذا كان (الوزير) قد تعلم أي شيء في فترة وجوده في الوزارة، فلابد أن يكون هو أنه من الحماقة الجري وراء العناوين. فهذا الأمر هو الذي يجعل اقتراحه غير قابل للتفسير أو التبرير، وأحمقا“.
ويضيف كيلنر “ما يكشفه (اقتراح الوزير) قبل كل شيء هو الافتقاد إلى القيادة السياسية والأخلاقية لهذه الحكومة“.
ويعبر الكاتب عن اعتقاده بأن للوزير أغراضا سياسية. ويقول “نحن نعرف من المسؤول عن التفاوتات الهائلة في توزيع الثروة والفرص في هذا البلد، إنه ليس رحيم سترلينج أو هاري كاين“.
وقال “يعلم الجميع أن لاعبي كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز يتقاضون مبالغ ضخمة، ولكن من الواضح أن الذين يدفعون لهم يرون أنهم يستحقونها”، ثم تساءل الكاتب: “على أي حال، لماذا اختارهم هانكوك بالذات لمطالبتهم بالتضحية بجزء من رواتبهم؟ .. لماذا لم يتحدث عن المديرين التنفيذين للشركات التي يتألف منها مؤشر فوتسي 100؟ أو أي شخص يعمل في صناديق التحوط المالية؟ أو ربما حتى عن وزراء الحكومة؟“.
لم يقدم الكاتب إجابات على هذه الأسئلة. غير أنه يعبر عن اعتقاده بأن موقف الوزير “يستند على التحيز الطبقي، وافتراض كسول بأن غالبية البريطانيين يستيقظون كل صباح غاضبين من رواتب لاعبي كرة القدم“.
ويقول الكاتب: “بل على العكس تماما”، في إشارة إلى اعتقاده بأن للاعبين شعبية.
ورغم هجومه على الوزير، فإن كيلنر يرى أن المشكلة تكمن في طبيعة حكومة المحافظين الحالية.
قرار مالكي ليفربول يعكس وعيا بالطريقة التي يراهم بها جمهور الناس والوصول إلى قناعة بأن قبول تدخل الدولة سوف يسيء إلى شركة بلغ حجم مبيعاتها 533 مليون جنيه إسترليني في السنة المالية الماضية
ويوضح ذلك قائلا: “هنا حكومة تحاول أن تجعل نفسها تبدو جيدة من خلال استسهال الهجوم على ما تعتقد أنها مجموعة من الناس لا يحبهم الشعب، واضعة الرغبة في تحقيق شعبية قبل النية الجيدة“.
في الساعة الثامنة مساء كل يوم خميس، يخرج الناس في جميع أنحاء المملكة المتحدة أمام منازلهم للتصفيق “للأبطال” في خدمة الصحة الوطنية، إن إتش إس، تحية لدورهم في المعركة الشرسة مع وباء فيروس كورونا.