بقلم ناصر قنديل

رؤساء الحكومات السابقون صوتُ المصارف: ناصر قنديل

لو خرج رؤساء الحكومات السابقون ببيان يحذّرون فيه رئيس الحكومة حسان دياب من القبول بإعلان حالة الطوارئ، طالما أن التحديات التي يواجهها لبنان مع فيروس كورونا مدنيّة، وتغطيها حالة التعبئة العامة بما في ذلك تقييد حرية النقل، من خلال حظر التجوّل، لأنهم يعتبرون في حالة الطوارئ تهميشاً لموقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها، فيما تحتفظ رئاسة الجمهورية بصلاحية القائد الأعلى للقوات المسلحة، لصدّقناهم، لأنهم دأبوا على قياس الكثير من مواقفهم بقياس طائفي ومذهبي، يضع الأولوية لمعيار توازن الصلاحيات الرئاسية، سواء عندما كان الرؤساء السابقون فعليين أو عندما أصبحوا سابقين. ولو أعلنوا تأييدهم الرئيس دياب لتمسكه بحال التعبئة العامة ورفضه لحال الطوارئ لاستهجنا، لأنهم ما عوّدونا على موقف منصف لخصم سياسي في قلب الطائفة التي يحاولون احتكار تمثيلها، ودأبوا على رفض كل جديد قادم إلى نادي رؤساء الحكومة من كفاءات هذه الطائفة، بل إن بعضهم ومن باب الكيد نسي مسألة توازن الصلاحيات وراح يسرّب استغرابه لعدم إعلان حالة الطوارئ.

 

اللافت في بيان رؤساء الحكومات السابقين أمس، هو تناوله قضية التعيينات، وتقصّد الحديث عنها بلغة العمومية، وهم ونحن والكل يعلم أن القضية هي التعيينات في مصرف لبنان. وهذا الملف يتخطى بطبيعته وموضوعه، ما حاول الرؤساء السابقون التركيز عليه، بتظهير مخاوفهم من مشروع السيطرة على الدولة. والمقصود هو تعيين بدائل لمن قاموا هم بتعيينهم، وهذا له توصيف واحد، الحفاظ على مفهوم المحاصصة الذي جرى في ظلال وجودهم في السلطة. وفي أحسن الأحوال الدفاع عن جماعات المحظيين بدعمهم، خشية خسارة صورة الزعامة التي تتغذّى من القدرة على توفير الحماية، علماً أن المطروح ليس استبدالاً قسرياً، كي يجري الحديث عن افتعال قضية، حتى لو كانت المناصب الإدارية المعنية خارج مصرف لبنان، فما يطلبونه ليس بقاء موظفين في مناصبهم، بل إعادة تعيين موظفين انتهت ولايتهم وفقاً للقانون، مرة ثانية، بدلاً من تعيين موظفين جدد.

أما أن القضية في مصرف لبنان، فلها وجه آخر بالنسبة لموقفهم، وبالنسبة للحكم على موقف رئيس الحكومة. فاللبنانيون يُجمعون على تحميل السلطة النقدية التي يمثلها مصرف لبنان جزءاً كبيراً من مسؤولية الأزمة التي يعيشها لبنان، وسواء كان هذا الاعتقاد في مكانه أم لا، فهو يُلقي على الحكومة التي جاءت بخلفية مواجهة الأزمة، أن تأخذه بالاعتبار. والطبيعي طالما أن حاكم مصرف لبنان لا يزال ضمن ولايته القانونية، وأن نوابه وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف ورئيسها ومفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان، قد انتهت ولايتهم، أن تتجه أي حكومة لتشكيل هيئة قيادية في المصرف تقول للبنانيين إن التعيينات قد بُنيت على حساب المجيء بكفاءات تستطيع إقامة التوازن بوجه حجم نفوذ المصارف التي يشكو منها اللبنانيون في إدارتها لودائعهم وحجم استفادتها من سندات الخزينة والهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان. وهنا يكون المتوقع من الرؤساء السابقين للحكومات أن يطالبوا رئيس الحكومة، بتعيين كفاءات تعبر عن صرخة الشعب بوجه المصارف، إذا كانوا يريدون التعبير عن موقف شارع يغلي غضباً ويريدون احتواء غضبه.

يبقى ثمّة تفسير وحيد لموقف رؤساء الحكومات السابقين، وهو مرتبط بمضمون التعيينات وخشية أصحاب المصارف من أن ينتج عنها توازن جديد في دور مصرف لبنان، وتفعيل المجلس المركزي الذي يضع السياسات ويتخذ القرارات، ما يجعل سياسة المصرف المركزي أقرب للتعبير عما يطالب به الناس من تقييد تحكم المصارف بودائعهم وأموالهم، ويصير مفهوماً موقف رؤساء الحكومات السابقين، الذين يشكل ثلاثة من أربعة بينهم رموزاً في القطاع المصرفي، ومن كبار أصحاب الأموال والثروات، والمستفيدين من سياسات مصرف لبنان، حتى أمكن القول ببساطة، إنهم صوت أصحاب المصارف، بثوب مذهبي للضغط على رئيس الحكومة.

– القلق من المحاصصة لا يشغلُ بال رؤساء الحكومات السابقين، بل يشغل بال الناس وبالنا، ولذلك سيراقب الجميع التعيينات، ويأملون أن يحكمها اختيار كفاءات تحقق التوازن المنشود في السياسات المالية والنقدية بصورة تقيّد هذا التوحش المصرفي، بحق لبنان واللبنانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى