حكومة دياب ومحاولات حصارها: العميد د. أمين محمد حطيط
لم يكن أحد يتوقع أن يتمكّن لبنان من تشكيل حكومة تقصي الطبقة السياسية التي استأثرت بالحكم منذ 30 عاماً أوالتحقت به منذ 15 عاماً، حكومة تشكلت من أكاديميين واختصاصيين لم يمارسوا السياسة المباشرة بالمفهوم اللبناني، فجاؤوا الى الحكومة وزراء بغطاء من أكثرية نيابية قبلت بهم على مضض تحت عنوان «ليس بالإمكان أكثر مما كان».
وهكذا تشكلت حكومة حسان دياب التي نالت الثقة من مجلس النواب بشقّ النفس، ثقة أحجم عن منحها وامتنع عن التصويت عليها أو غاب عن المشاركة في التصويت عليها أكثر من نصف المجلس، لكنها ثقة حصلت عليها دستورياً على أساس الأكثرية من الحاضرين الذي يشكلون النصاب القانوني لانعقاد الجلسة وهو العدد الصحيح الذي يلي النصف من عدد النواب الذين يتشكل منهم مجلس النواب قانوناً (63\128)، وقد كانت الثقة بهذا الحجم رسالة الى الحكومة المشكلة خارج السياق السياسي اللبناني يفهم المعنيون مضمونها.
منذ اللحظة الأولى وجدت الحكومة نفسها امام جبل متراكم من الصعوبات والعقبات والعراقيل التي تحول دون الانطلاق السلس في العمل وممارسة الحكم بشكل طبيعي، صعوبات وتعقيدات أنتجتها الطبقة السياسية التي خرجت جماهير لبنانية واسعة مطالبة بإسقاطها وإخراجها من الحياة السياسية اللبنانية لانها كانت هي السبب في كلّ ما يُعانيه لبنان من كوارث ويلات على أكثر من صعيد خاصة الصعيد المالي والاقتصادي، وهو رفض كان السبب الفعّال والأكيد لوصول حكومة حسان ديب الى السلطة، لا بل نقول إنه لولا هذا الحراك الشعبي لكان مستحيلاً ان نرى في لبنان مثل هذه الحكومة. وبالتالي فإنّ وجود هذه الحكومة وبهذا الشكل شكل انتصاراً للإرادة الشعبية في ممارستها المباشرة وإذعاناً من الطبقة السياسية التي امتهنت الفساد والإفساد وهدر الأموال والسطو على مقدرات الدولة ونهبها.
في ظلّ هذه الحقيقة كان على الحكومة ان تواجه الواقع المأساوي الذي يتخبّط فيه لبنان، وحالة الإفلاس الواقعي غير المعلن التي تعصف بالوضع المالي اللبناني من جهة، ومن جهة ثانية كان عليها أن تواجه معظم الطبقة السياسية التي أقصيت بشكل مباشر او غير مباشر عن الحكم، الطبقة التي ظنّت أنّ قيام هذه الحكومة هو حدث موقت عارض عابر سرعان ما سيسقط وتسقط معه الإرادة الشعبية المباشرة لتعود هي الى السلطة على حصان أبيض، كما ردّد ولا يزال يردّد رئيس الحكومة الأخير الذي أسقطه الشارع وألزمه بالاستقالة. وبالتالي قام تناقض في النظرة الى هذه الحكومة، نظرة شعبية معلنة او مضمرة وتتمثل بالقول انّ هذه الحكومة هي البداية التي يجب ان يُبنى عليها للاستمرار في إقصاء طبقة الفساد التي نهبت الدولة، ونظرة معاكسة تنظرها الطبقة السياسية وتقول انّ هذه الحكومة هي استثناء عارض يجب ان لا يتكرّر فضلاً عن انه يجب ان يزول سريعاً.
والى ذلك ازداد الوضع تعقيداً في الظروف الطارئة التي واجهت الحكومة عند انطلاقتها، إذ وبعد اقلّ من 10 أيام على نيل الحكومة الثقة، وقبل ان تنصرف جدياً لمواجهة الكارثة اللبنانية وقبل ان تشرع بوضع خطط ألزمت نفسها بها قبل كل ذلك، ظهرت جائحة فيروس كورونا، التي ما ان أعلن عن الإصابة الأولى فيها في لبنان، حتى رأى معارضو الحكومة فرصة لهم للتصويب عليها وإظهار عجزها عن المواجهة، وأظهروا من المواقف ما يثير الاستهداف والاستغراب ولا يقبله منطق ولا عقل وكأنّ همّهم ليس مواجهة الوباء بل تهشيم الحكومة التي لم يمض على توليها السلطة أسبوعان ومع ذلك أظهرت الحكومة من الجدية والسرعة والتفاني في العمل لمواجهة الوباء مع إمكانات محدودة جداً أظهرت ما أشعر اللبناني ولأول مرة خلال العقدين الأخيرين انّ لديه فعلاً حكومة تتصدّى للمصاعب بجدية وتبذل كلّ ما في وسعها للمعالجة.
نعم ونقولها بكلّ تجرد وموضوعية انّ حكومة حسان دياب نجحت حيث فشل الآخرون في مواجهة ملف بالغ الخطورة فشلت الدول العظمى في إدارته ومعالجته، نجحت نجاحاً استحقّ الثناء من كلّ عاقل ومنصف وبدل ان يكون نجاحها محلاً للثناء والتشجيع كان للأسف مثيراً للغيرة والحسد المستتبع المهاجمة والتهديد، وتقدّم حزب الله صفوف حلفائه بإعلان دعم الحكومة بينما كان بعضهم يلوّح بالخروج منها وبعضهم يعترض على أدائها.
والى ملف كورونا ظهر ملفان آخران فيهما من التحدي ما شكل أزمة لن يكون تجاوزها سهلاً إنْ لم تُدعَم هذه الحكومة من الجهات التي فرضت وجودها او سهّلت قيامها ونيلها الثقة: الأول الملف المصرفي المالي والنقدي، والثاني الملف الإداري وما يتضمّن من تعيينات الفئة الأولى في القطاع المالي.
ففي الأول يُطلب من الحكومة ضبط المسار ووضع اليد على تصرفات المصارف التي أقلّ ما يُقال فيها إنها تخرق القانون وتسطو على أموال المودعين عبر التدابير التي تتخذها بإرادة منفردة لا تراعي شيئاً من قواعد واحكام قانون النقد والتسليف والصعوبة في معالجة الملفّ تكمن في مواطن ثلاثة… الأول الحماية التي تمثلها الطبقة السياسية للقطاع المصرفي في ممارسته ضدّ المودعين، والثاني تكتل المصارف ضدّ الدولة والمودعين والاستناد على تهويل بانهيار العملة والقطاع، والثالث الدعم الخارجي خاصة الأميركي للسياسة المصرفية التي تعتمدها المصارف عملاً بأوامر أميركية.
وللتذكير هنا نقول إنّ المصارف في لبنان مارست بإشراف وإدارة حاكم مصرف لبنان سياسة النهب المنظم للمال اللبناني عبر ما أسمي بالهندسات المالية وارتكبت ما يمكن تسميته الجريمة المالية المركبة من سطو على أموال المودعين وسرقة لأموال المكلفين. فاستثمرت مال المودعين فوق ما هو مسموح به لتوظيفه في سندات الدين بفوائد عالية تفوق 7 مرات ما هو متعامل به عالمياً، ولهذا تمتنع اليوم عن أداء المودعين حقهم بأموالهم وتهدّد الدولة مطالبة بديونها لها وتشرك الخارج في الضغط على لبنان. متناسية أنّ نسبة ما حققته من أرباح من مال لبناني يفوق مقدار 7 أضعاف ما تستحق في الواقع ومتجاهلة انّ للبنان الحق والوسيلة التي تمكنه من استعادة المال المأخوذ خلافاً للقانون.
أما في الملف الثاني، فهنا أيضاً كانت ظهرت القبائح التي تمثلت بمواقف السياسيين الذين هالهم أن تتمّ تعيينات وفقاً للكفاءة والاختصاص والنزاهة والأمانة بعيداً عن المحاصصة والطائفية والتبعية وبدأت مواقف التهويل على الحكومة لمنعها من السير قدماً في عملية إصلاح أرادت أن تبدأها بتعيين الأكفاء في القطاع المصرفي فجاء بيان المجلس الرباعي لرؤساء الحكومة السابقين الذين يتحمّلون بشكل رئيسي مسؤولية ما يتخبّط به لبنان من مآسٍ، ويبقى امتحان التعيينات لتظهير مدى القدرة على تخطي منهج المحاصصة الذي طبع أداء الحكومات السابقة وتسبّب باحتجاج الشارع وجاءت الحكومة كما يُفترض لتتخطّاه.
إنّ الحكومة وتالياً لبنان أمام تحدّ كبير وفرصة إنقاذ تكاد تكون نادرة، على الجميع استغلالها. ولهذا نرى انّ هذه الحكومة بحاجة الى الدعم لتسير قدماً في خططها الإصلاحية، وانّ سقوط هذه الحكومة يعني منع لبنان من محاولة الخروج من الكارثة التي صنعتها حكومات ترأسها من يهدّدون الحكومة اليوم ويريدون منعها من الإصلاح الإداري. فجاؤوا مع غيرهم من الطبقة السياسية الفاسدة لمحاصرة الحكومة حتى لا تعمل فتسقط ويعودوا هم الى نهب دولة التي هم أفلسوها… فهل يُتركون؟ ام تدعم الحكومة لينجو لبنان؟ السؤال برسم الشعب اللبناني عامة وأهل الحراك الشعبي الوطني المخلص المستقلّ خاصة.
(البناء)