خطة الحكومة أمام اختبار اليوم التالي لكورونا: هيام القصيفي
لا يخلو خطاب لمسؤول غربي، وخصوصاً أميركي وأوروبي، في أزمة انتشار فيروس كورونا، من الكلام عن الأزمة الاقتصادية وتبعات الوباء، وتحديات «اليوم التالي» لوقف اندفاعته، وتأثيرات ذلك على الاقتصاد العالمي والمحلي. كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي، الخارج للتوّ من أزمة البريكست وتداعياتها الأولية، تعيش على وقع الوباء والموت، والتدابير الصحية والاجتماعية والعملانية. لكنها في الوقت نفسه، تفرج عن مساعدات وأموال لتنشيط الدورة الاقتصادية أو ترسم خطط المستقبل القريب حين تبدأ مرحلة التعافي الصحية لمواطنيها، لتنطلق مرحلة تعافي اقتصاداتها. لا أحد متفائل في لبنان بأن لدينا ما لدى ألمانيا مثلاً، من سيناريو لليوم التالي، أو حتى في أكثر الدول تعرضاً للهزات الاقتصادية كاليونان التي تركز حكومتها في خططها العملانية، على عدم الوقوع مرة أخرى في مأزق الانهيار الاقتصادي. لكن السلطة
السياسية المتشابكة مصالحها مع السلطة المالية والاقتصادية، لم تستطع حتى الآن أن ترسم مخططاً أولياً لما حصل منذ 17 تشرين الأول، فكيف يمكن أن تضع برنامجاً أوسع مدى لما بعد انتشار كورونا؟ والمعضلة التي سيواجهها لبنان بين مرحلة انتشار الوباء ومرحلة الحدّ منه، هي أنه سيكون أمام سيناريو الانهيار التام، وردّة فعل شعبية عليه مرة أخرى، ما إن تستتبّ أوضاع انتشار المرض. ففي الدول الأكثر تعرضاً للمأساة، كإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وحالياً بريطانيا، ترتفع حدة الاتهامات وتقاذف المسؤوليات حول تأخر الحكومات في اتخاذ التدابير المناسبة. ورغم أن الوقت لم يحن بعد للمحاسبة في تلك الدول، إلا أن الآليات الديموقراطية السياسية والإعلامية، باشرت الإعداد للمحاسبة والارتداد على التقصير الفادح في مواكبة الوباء، علماً بأن هذه الدول منصرفة في الوقت نفسه الى تفعيل مختبراتها ووضع خريطة شاملة لمستشفياتها وأطبائها العاملين والمتقاعدين، ودفع مصانعها الى إعطاء الأولوية للحاجات الطبية وتنشيط الحركة الاقتصادية. كل ذلك برعاية حكومية مباشرة، إضافة الى وضع استراتيجيات مستقبلية.
في لبنان، للمرة الأولى يسجل أداء لافت لوزارة الصحة مع بعض الملاحظات، فيما تقف الدولة بمجملها عاجزة، إلا عن تحميل الشعب مسؤولية انتشار المرض أو وقفه، علماً بأن المواطنين، رغم الاستثناءات، يلتزمون بالحد الأدنى من واجباتهم حتى الآن. فيما الدولة غير قادرة على إجبار المستشفيات الخاصة على فتح أبوابها لجميع المرضى، والضغط على المصارف لتلبية المودعين، أو دفع أموال الشركات المستوردة للمعدات الطبية، في ظل أزمة مرَضية قاتلة. وهي عاجزة عن وضع تصور لمحاكاة مآسي آلاف العاطلين عن العمل، وتأمين ضرورياتهم اليومية، في ظل حجر منزلي وتوقف الأعمال. إلا إذا كانت خطة توزيع الإعانات على عشوائيتها، ستكون البديل، فيما لم يتم بعد تقدير فترة الإقفال والعزل وإلى أي أسبوع ستتمدد.
بعد ستة أشهر من التدهور ونحو شهرين من عمر الحكومة، والوعد بوضع برنامج اقتصادي كان يفترض أن يبصر النور، زادت حدة المسائل الاجتماعية والمعيشية، التي ستفرض إيقاعها على أي برنامج اقتصادي جديد. لكن، كيف يمكن لهذه الحكومة أن تضع تصوراً للسيناريو الأسوأ بعد أن ينكشف الانهيار الحقيقي جراء كورونا، وهي لم تستوعب بعد حجم الخسائر منذ ستة أشهر، ولم تتمكن من تحقيق خطوة إصلاحية واحدة؟ في المقابل، يجري الحديث في وزارات وإدارات عامة ومصرف لبنان عن إجراءات وقرارات سيئة تتخذ، لا تمتّ بصلة الى الواقع المتردّي، وكأن لا كورونا ولا أزمة اقتصادية حادة. فيما المطلوب من الحكومة هو أبعد من إمرار تعيينات بالسر على شاكلة الصفقات السياسية المعتادة: وضع خطة إنقاذية اقتصادية تلائم متغيرات ما بعد مرحلة انهيار الليرة، وتوقف الدورة الاقتصادية محلياً وخارجياً بفعل الوباء. لكن المشكلة تكمن في غياب الطاقم الفعلي القادر على التفكير العقلاني، بعيداً عن المحسوبيات، في ظل وجود وزراء وإداريين يتصرفون كمستشارين وخبراء في خدمة أطراف سياسيين ومصارف، وهؤلاء سبق أن أنتجوا سياسة مالية واقتصادية أوصلت لبنان الى 17 تشرين الأول. ما يقوله السكان في لبنان الذين يريدون العمل بأي ثمن، ولو تحت وطأة الكورونا، هو كلام «علمي» يتردد في العالم كله على مستوى الحكومات التي تريد تفادي الركود الاقتصادي، في ظل التدابير التي تتخذها لعزل مواطنيها. لكن الأزمة في هذه الدول الصناعية الكبرى حديثة العهد، فيما يعيش لبنان شهوراً من الأزمة المصرفية والاقتصادية، التي قد تؤجج في مرحلة ما عمق الغبن الذي يساهم فيه شعور العزلة وتفشي المرض واقتراب العائلات من الجوع وانهيار مؤسسات وصرف عمال. والحكومة في هذا الوقت تتحايل على اللبنانيين، بتطمينات تتعلق بمواجهة كورونا. لكنها ضمناً، وفي ظل تعطيل الحياة اليومية تسعى الى تخفيف الضغط المتعلق بأموال المودعين في المصارف وارتفاع سعر الدولار والمطالب المعيشية والحياتية، لكسب الوقت لا أكثر ولا أقل، قبل أن تبصر خطتها الاقتصادية النور، فتضاف الى سلسلة من الخطط الموضوعة في أدراج الحكومات المتعاقبة.
(الاخبار)