جدل كبير في الأوساط العلمية الفرنسية حول علاج كورونا قد تكون خلفياته مادية د.طلال حمود
باريس
تشهد الأوساط العلميّة في فرنسا نقاشاً حاداً حول الأعراض النّاتجة عن الإلتهاب بواسطة فيروس الكورونا وكيفية علاجها. وظهر الى العلن عبر مُختلف وسائل الإعلام، نقاش حاد بين عدد كبير من الخبراء الفرنسيين والدوليين حول كيفية التعاطي مع المرضى المصابين بهذا المرض ،ما وضع الرأي العام في حيرة من امره امام هذا الإنقسام الكبير في الآراء بين الأطباء، خاصة بعد ان واجهت مُعظم دول العالم ،حتى المُتطوّرة منها، مصاعب طبيّة وإجتماعية وإقتصادية نتيجةً لهذه الجائحة غير المسبوقة في التاريخ الحديث.
علماً ان التوصل الى لقاح يقي أبناء البشر منه، أمر مستبعد قبل عام على الأقل، وفق ما أعلنت منظمة الصحة العالمية البارحة. واللافت في الأمر ان البشرية جمعاء في حالة شلل او إرباك كامل مع إستمرار تزايد عدد الحالات المُصابة بالفيروس الذي تخطى عدد المصابين به الى تاريخ كتابة هذا المقال عتبة الـ 336 ألف إصابة منتشرين في 174 دولة في العالم .
والعالم اليوم في سباق مع الزمن لوقف عدّاد الموت جرّاء هذا الوباء، الذي حصد حتى الساعة أرواح نحو 14711 شخص منذ ظهوره في كانون الاول الماضي. والعدد مُرشّح طبعاً للإرتفاع بشكلٍ صاروخي في بعض الدول كما حدث ويحدث في إيطاليا واسبانيا وفرنسا.
القلق والترقّب مُستمران على كل المستويات لأن الأعداد في ازدياد مُستمر كل ساعة تقريباً في اكثر من ٢١ منطقة فرنسية اهمها باريس وضواحيها ومنطقة شمال شرق فرنسا وجزيرة كورسيكا.
هذه التطورات الدراماتيكية دفعت السلطات الصحية الفرنسية ومعظم شركات تطوير الأدوية الى الدخول في سباق كبير مع الزمن، لتطوير افضل واسرع واقوى العلاجات المُمكنة لهذا الفيروس والتعقيدات الخطيرة الناتجة عنه.
ومع إعلان البروفسور “ديديه راؤول” الباحث المعروف في علم الأوبئة والأمراض الفيروسية ومدير المعهد الجامعي المتوسطي لمكافحة الامراض المعدية في مدينة مرسيليا الفرنسية، عن نجاح تجربته التي قام بها على 24 مريضا، يقول منتقدوه ان حالات المصابين بفيروس كورونا لم تكن حرجة بل متوسطة او حتى خفيفة الخطورة ، ما أدى الى جدل كبير في الأوساط العلميّة الفرنسيّة حول التجارب التي قام بها راؤول في مستشفيات مدينة مارسيليا.
فقد أعلن أنّه أجرى تجارب علميّة ناجحة على 24 حالة مرضيّة تأكّد من خلالها أنّ دواء ال هيدروكسي كلوروكين (plaquenil) وأزيثروميسين (مضاد حيوي) معاً ،فعّالان جداً في مُراقبة وتخفيف الأعراض الناتجة عن هذا الفيروس. وقد أظهروا جميعاً تجاوباً تاماً، فتم شفاؤهم خلال 6 أيام من بدء ظهور علامات المرض عليهم.
وأعلن راؤول أن العلاج قلص مدة المرض، وأوقف المضاعفات الناتجة عنه.كما اعلن أنّه من الأوائل الذين إكتشفوا هذا الدّواء وسوّقوا له، وقد اِعتُمِد كما قال في الصين وفي دول مُتعدّدة وكانت النتائج إيجابيّة جداً.
وما كان لافتاً أن وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ضجت في الأيام والساعات الأخيرة بأنباء عن التوصل الى هذا العلاج ،وانُ الكثير من الأشخاص الأصحّاء هرعوا الى الصيدليات لشراء كميّات كبيرة من هذين الدوائين كإجراء إحترازي في حال إصابتهم بمرض فيروس كورونا.
لكنّ السلطات الفرنسيّة مُمثّلة باللّجنة العلميّة الإستشاريّة التي يستشيرها الرّئيس ماكرون ،عارضت بشدّة حتى تاريخ اليوم تعميم إستعمال هذا الدّواء الذي تصنّعه شركة Sanofi الفرنسيّة، واختفت من الأسواق كل الكميّات المُتوفّرة من هذا الدّواء الذي يقول البعض انّ الناس لجأت الى تخزينه بهوس، لإستعماله عند الحاجة (حالة هلع جماعي) وقامت السلطات الصحيّة الفرنسية بسحب ما تبقّى منه لاستعماله داخل صيدليات المستشفيات او لمنع استعماله من قِبل عامة الناس بحجّة أنّ التّجربة التي قام بها البروفسور راؤول غير كافية، او لأن إستعماله دون إشراف طبي خطير .
فهذا الدواء له آثار جانبية كبيرة وخاصة على القلب ،فيجعل دقاته غير منتظمة. وقد سجل حصول حالات إضطرابات في كهرباء القلب وتغييرات مُقلقة في تخطيط القلب ،كما ان لديه آثار جانية اخرى قد تكون خطيرة على الكبد والكلى او الجهاز الهضمي او الدم .
وقال عضو اللّجنة العلميّة الإستشاريّة البروفسور “برينو لينا” من مدينة ليون الفرنسيّة انه لا يُمكن له ان يؤكّد إدّعاءآت راؤول ،لأن عدد المرضى في التجربة التي نشرها الأخير قليل ،وبالتالي فلا يُمكن تعميم إستعمال ال هيدروكسي كلوروكين على عدد كبير من المرضى. وقال ان الخبراء في فرنسا واوروبا اتفقوا البارحة على إجراء تجربة علميّة واسعة تحمل إسم “ديسكوفري” إنطلق العمل عليها، وهي تشمل 3200 شخص، بينهم 800 من فرنسا، ستسغرق نحو 6 الى 8 أسابيع قبل صدور نتائجها، وستشمل عددا كبيرا من المرضى من سبع دول أوروبيّة أخرى لكي يتمّ خلالها البحث العلمي المنهجي وحسب الأصول في فعّاليّة أكثر من 15 صنف من الأدوية من ضمنها دواء الهيدروكسي كلوروكين.
وقال انّ الدواء الذي استعمله راؤول سيكون من ضمن هذه الأدوية بالإضافة إلى مضادات حيويّة أخرى ومضادات فيروسية وأدوية تستعمل لمنع تكاثر الفيروسات ،منها أدوية أخرى يُعمل على درس فعاليتها في محاربة كوفيد 19، مثل “رمدزيفير” و”ليبونافير/ريتونافير”، و”أنترفيران ألفا”، و”توسيليزوماب”.
وأكد البروفسور لينا ان هذه التجربة ستكون التّجربة العلميّة الأولى الأوسع لكي يتمّ من خلالها التّأكّد والتّثبُّت من فعاليّة الأدوية التي سوف تُستَعْمَل.
لكنّ الأوساط العلميّة الفرنسية اثارت البارحة عبر وسائل الإعلام سجالاً كبيراً حول هذه المسألة ،وطالبت بالإسراع في توسيع إعتماد دواء الهيدروكسي كلوروكين (plaquenil) وإستعماله في كل الحالات التي تدخل إلى المستشفى وتكون في حالة مرضيّة مقبولة، لمنع تطوّر المرض والحدّ منه وعدم الدخول الى العناية الفائقة . وقد دافع الكثير من الخبراء اللامعين في فرنسا عن وجهة النظر هذه. وتساءلت هذه الأوساط العلميّة المُمثّلة بالكثير من خبراء علم الفيروسات والأوبئة والأمراض الجرثوميّة عن سحب دواء الهيدروكسي كلوروكين من الصيدليات وحصره فقط للإستعمال في المستشفيات ،وتساءلت لماذا تريدوننا ان ننتظر 6 إلى 8 اسابيع إضافية،ونحن نرى المرضى يموتون امام اعيننا ! لماذا لا نعطيهم الأمل مع هذا الدواء وهو دواء موجود وقليل الكلفة وآثاره الجانبية من الممكن مُراقبتها؟
كما تساءلت ايضا عن عدم اخذ السلطات الصحية الفرنسية القرار المُباشر بتوسيع إستعمال هذا الدواء الذي يُعتَبَر ذا كلفة قليلة جداً ،وقد أُستعملَ زمناً طويلاً في علاج الملاريا وبعض أمراض الروماتيزم ،مؤكِّدين أنّ الأعراض الجانبيّة لهذا الدواء سوف تكون قليلة جداً في حال تمّ إستعماله تحت مُراقبة مُشدّدة في المستشفيات.
كما قال بعض الخبراء أنّهم لو شرعوا اليوم بإستعمال البروتوكول الذي طوَّره البروفسور راؤول لمعالجة الحالات المُتوسّطة الخطورة المُصابة بفيروس الكورونا، فلن يتطوّر هذا المرض ولن تحصل الإلتهابات الرّئويّة وحالة الإختناق او الفشل التّنفسي الحاد القاتل.
كل هذه المُعطيات تُشير إلى أنّ هناك صراعاً خفيّاً يدور بين شركات الأدوية الطّامحة لتطوير أدوية جديدة من ضمنها مضادات فيروسية أو أدوية تمنع تكاثر الفيروسات أو مضادّات حيوية ،قد يكون الهدف الرئيسي من وراءها جَني الكسب المادّي وإستغلال هذه الأزمة العالميّة التي إكتسحت حتى اليوم أكثر من 174 دولة من أجل جني الأموال والأرباح الطائلة من جرّاء إستعمال هذا الدّواء عند أكبر عدد من المرضى.
والمُستَغرب هنا أنّ المدافعين عن نظرية البروفسور راؤول يستغيثون من انتظار دراسات علميّة ستمتد من شهر الى شهرين لإختبار أدوية جديدة، في حين أنّ البروتوكول الذي اعتمده راؤول متوفّر وأنه من الممكن أن تُصَنّع كميات كبيرة منه خلال أيّام.
فهل فَقَدَ هذا العالم انسانيته بالكامل،ويحاول الآن إستغلال هذه الأزمة العالميّة من أجل تسويق أدوية جديدة وجني أموال طائلة رغم أنّ المرض يَفتُك كل دقيقة بأرواح جديدة في مختلف دول العالم؟!.
وهذا ما يدعو الى طرح السؤال التالي :هل انّ البشرية وصلت الى اسفل درجات الإنحطاط بحيث انه حتى في أحلك الأزمات ،فإن الصّراع على جَني الأموال في عزّه وهناك من يتاجر بأرواح العباد ويسعى لتدمير البلاد؟فمن يحاسب ومن يراقب واين اصحاب الضمير ؟
*طبيب قلب وشرايين – مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود