بقلم ناصر قنديل

واشنطن تتهرّب من المواجهة: ناصر قنديل

عندما بدأت الحشود الأميركية في الخليج صرّح كل قادة أميركا من الرئيس دونالد ترامب إلى وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر وقائد الأركان الجنرال بيكيت ماكينزي وقادة المنطقة، أن هذه القوات موجودة لحماية مصالح واشنطن وحلفائها، وأن إيران ستتحمّل مسؤولية أي استهداف لهذه المصالح ولهؤلاء الحلفاء حتى لو جاء ممن تسمّيهم واشنطن بوكلاء إيران في المنطقة. وبعد فترة وجيزة بالأيام لا بالأسابيع تعرّضت المصالح النفطية في الخليج للاستهداف، وتوّجت بإعلان من أنصار الله عن المسؤولية عن استهداف خط نقل النفط بين الدمّام وينبع بطائرات مسيّرة وتدمير محطات الضخّ فيه. فأعلنت واشنطن انها لن ترد إلا إذا استهدفت قواتها، وتخلّت بسرعة عن حلفائها الخليجيين ومصالحهم وأمنهم، وقال الرئيس الأميركي وردّد قوله مراراً في فترات لاحقة، إننا نبيع السلاح لحكومات الخليج لتدافع عن نفسها لا لندافع عنها. وعندما أسقطت طائرة التجسس الأميركية العملاقة بصاروخ إيراني مباشر، قال الرئيس الأميركي إنه طالما لم يسقط قتلى فإن تفادي الحرب يتقدّم على الانتقام والرد.

 

مع إقدام واشنطن على اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد الشعبي العراقي أبي مهدي المهندس، ظنّ كثيرون أن قواعد الاشتباك قد تغيرت، وأن القرار الأميركي قد انتقل من تلقي الضربات إلى توجيهها. وعندما جاء الرد الإيراني باستهداف قاعدة عين الأسد وتدمير منشآتها، امتنعت واشنطن عن الرد رغم أنها هددت بأنها ستستهدف عدداً حدده الرئيس الأميركي بـ 22 هدفاً بينها أهداف ثقافية، وفيما قال الإيرانيون إن سبب عدم الرد هو المعادلة التي تبلغها الأميركي بأن أي رد على أهداف إيرانية سيعني تعريض تل أبيب لضربة إيرانية قاسية تهدّد بإزالتها عن الخريطة، بينما عاد الأميركيون إلى نغمة عدم وقوع قتلى، رغم اعترافهم بعشرات المصابين بالارتجاج الدماغي لاحقاً.

استهداف قاعدة أميركية في العراق وسقوط قتلى أميركيين باعتراف رسمي هو الأول من نوعه الذي يحرج القيادة الأميركية بتكذيب معادلاتها للردّ. وقد سبق القول بعد قصف قاعدة عين الأسد أن أي استهداف للقوات الأميركية في العراق من حلفاء إيران سيرتب رداً أميركياً على إيران نفسها. وكانت المواقف الأميركية التي ستعقبه موضع تتبع واهتمام لمعرفة القرار الاستراتيجي الأميركي في المنطقة، فإيران المنهمكة بمتابعة فيروس كورونا بنظر أميركا شديدة الضعف، ويفترض أنها تمثل هدفاً نموذجياً للنيل منها الآن، وإلا لا فرصة لاحقة. وكان واضحاً أن الرد الأميركي على مواقع الحشد الشعبي في منطقة البوكمال هو ردّ موضعي تقليدي، وأن الرد الذي يترجم القرار السياسي الكبير سيأتي لاحقاً، حتى خرج الموقف الأميركي الرسمي يتحدث عن تحليل الجهة التي قامت بالعملية، وعن عدم وجود تغيير بتقدير واشنطن لدرجة وجود خطر إيراني على أمن القوات الأميركية. ويبدو أن الأميركيين لم يتردّدوا باستعمال الباب الموارب الذي تُرك لهم للخروج من خيار المواجهة، بعدم إعلان جهة مسؤوليتها عن العملية.

– عملية التاجي رسمت معادلات وقواعد الاشتباك في العراق، وهذا سيعني رسم مسار الانطفاء الأميركي، لأن قرار عدم المواجهة، سيعني التحضير للانسحاب، لأن الذين قاموا بالعملية لن يعتبروها الأخيرة، بل البداية إلا إذا وصلت الرسائل الأميركية الواضحة: لا تطلقوا النار نحن منسحبون !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى