بقلم ناصر قنديل

لا لبنان مفلس ولا حزب الله اشتراكيّ … ولا ساندرز شيوعيّ… ولا كورونا إيرانيّة: ناصر قنديل

لا يمكن تجاهل حرب إعلامية منهجيّة تشتغل على غسل الأدمغة بزرع مفردات في اللاوعي الجمعي للناس، بطريقة مدروسة تتحوّل في لاحق الأيام إلى خلفية حكمية للتفكير تخضع لها عملية تلقي المعلومات وتظهيرها، وهذا علم أشدّ عمقاً وتعقيداً من فذلكات البروباغندا الإعلاميّة التسويقيّة والترويجيّة، ومن منهجيّة غوبلز حول «اِكذب ثم اِكذب» فلا بدّ أن يصدّق الآخرون. فالتدقيق العلمي سيوصلنا إلى نفي فرضية توصيف مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتشريع اغتصاب فلسطين وحقوق شعبها، بصفقة، فيكف بصفقة القرن، لكن أحداً لن يستطيع بسهولة انتزاع هذا التوصيف من أي استعمال لغوي للمشروع، الذي نجحت الحملة الاستباقية لطرحه بحجز مكان له في الذاكرة بحيث بات جاهزاً لاحتواء ما تتضمّنه تحت هذا المسمّى.

 

من مضامين بعض الحملات المبرمجة المشابهة التي نشهدها، مفردة يتداولها خبراء وإعلاميون وسياسيون، تربط عدم سداد سندات اليوروبوند ومشروع هيكلة الدين، بتسويق مفردة عنوانها، إفلاس الدولة اللبنانية. وبعيداً عن انتقاد الحكومة أو تأييدها يلتقي فريقان هنا وهناك على ترويج المفردة، باعتبارها الخلفية الفعلية للقرار الحكومي، وكثيراً بلباس حسن النيّة، عبر القول، لقد سرقوا البلد وأكلوا الأخضر واليابس، وها نحن مفلسون، فكيف ندفع، وبتدقيق بسيط يسهل اكتشاف أن لبنان ليس مفلساً، رغم ما سُرق وما نُهب، وأن هيكلة الدين نقطة الانطلاق نحو نهوض اقتصادي، وترسمل للدولة والاقتصاد، فالدولة لديها مرافق إنتاجية من الاتصالات والكهرباء والمرافئ والمطار وشركات منتجة كالكازينو والميدل إيست وغيرها، وإذا كانت الكهرباء هي أشدّها تعثراً، وإفلاساً بالتوصيف المذكور، فلماذا تتنافس شركات أميركية وفرنسية وصينية وكورية وإيطالية وألمانية، على تقديم عروض لتولي تمويلها وإدارتها وتشغيلها، أما عن الاتصالات فحدّث ولا حرج عن حال التشهي في أوساط المال والأعمال على فرضيات الخصخصة والمليارات المستعدّة للتداول على الطاولة. فماذا عن المطار والمرافئ، والكازينو والميدل إيست، إنهم يقفون بالصف انتظاراً لرواج نظرية الدولة المفلسة تمهيداً لتقاسمها مغانم وغنائم، ولهذا يريدون تعميم نظرية الدولة المفلسة قبل أن نتحدث عن النفط والغاز.

من هذه المفردات ومضامين البرمجة للتسويق المضلل والمبرمج، ما يتمّ تسريبه على دفعات وجرعات، حول وجود مشروع جاهز لدى حزب الله يطبق بالتدريج، عنوانه فك ارتباط لبنان بالغرب ونموذج الاقتصاد الحر، نحو الارتباط بالشرق، ونماذج التأميم وإدارة الدولة على الطريقة الاشتراكية، ويعرف المتابعون والمعنيون بالملفات الاقتصادية، أن حزب الله براغماتي اقتصادياً وداعية لنموذج الاقتصاد الحر واحترام الملكية الفردية، والمبادرة الفردية، لكن ضمن ضابطَيْ إيقاع، الأول سيادة الدولة وعدم تحول البعد الاقتصادي سبباً لانتهاكها، وفرض الشروط عليها؛ والثاني عدم انفلات الاقتصاد من الضوابط الإنسانية والمسؤوليات الاجتماعية التي يجب على الدولة رعايتها لحماية الفئات الضعيفة والمهمشة من تحمل أعباء لا تستطيع حملها، كما هو واجب الدولة تأمين حاجاتها الأساسية من صحة وتعليم وفرص عمل، لكن عندما ترسخ في الأذهان مرة من باب التمني الإيجابي، ومرة من باب التنديد والتحريض، نظرية وسم خطوات الحكومة باتباع مخطط لدى حزب الله، بمضمون «اشتراكي»، يصبح صعباً استبعاد نظريتين مرادفتين، الأولى أن الحكومة تخضع لخطة لدى حزب الله يتم تمريرها بالتدريج فيُحجم الكثير من الخارج عن التعامل مع الحكومة، والثانية أن لا مكان للرأسمال الوطني في هذا المخطط، فيُحجم عن التعاون مع الحكومة، والبعض فرح بالمشاركة في الحديث عن «اشتراكية» عند حزب الله هي غير موجودة، لكنها ربما تصير موجودة ببعض وجوهها لدى الحكومة، إذا نجح أصحاب هذه النظرية بترويجها.

مثل ما سبق تخاض حملة في الداخل الأميركي، وتتسع تدريجاً، لتصير عالمية، تريد ترسيخ توصيف للمرشح الديمقراطي المنافس نحو الرئاسة الأميركية بوب ساندرز، بالشيوعيّة، لسبب واحد، هو تضامنه مع القضية الفلسطينية وتجرُّئه على المساس بالمحرمات الديمقراطية والجمهورية بالمساندة العمياء لـ«إسرائيل»، ومثلها حملة لربط فيروس كورونا بكل من الصين وإيران، وهما رغم حجم الأذى الذي سببه لهما الفيروس تتعافيان، لكن المطلوب أن يقال إن النموذج المناهض للولايات المتحدة وهيمنتها يتهاوى، ولا يجلب إلا الكوارث، ويمكن الغوص تفصيلاً بكل من هاتين النظريتين وطريقة تسويقهما، والأساليب المعتمدة في جذب الطيبين وحسني النية لمعسكر الترويج للنظريتين، لكن الأهم هو الانتباه إلى أنه في زمن ثورة المعلوماتيّة ووسائل التواصل، صار الانطباع أقوى من الاقتناع، وإذا تصادما في اللاوعي يفوز الانطباع بالمشاعر، فترى صاحب القناعة ذابلاً شاحباً يائساً، رغم قناعته، لأنه قد هزم بالانطباع المعاكس قبل أن ينتبه لموقع قناعاته، وكثيرون قالوا في استطلاعات الرأي الأميركية أنهم يؤيدون طروحات ساندرز لكنهم لن ينتخبوه، لأن لا حظّ لشيوعي بأن يصير رئيساً لأميركا، بمثل ما يتحدث كثيرون عن إعجابهم بشجاعة الصين وإيران في تحدي السياسات الأميركية، لكنهم يضيفون أن تجربة كورونا قالت إن ذلك لا يكفي، فعثرة صغيرة قد توقعك عن السلم، فيما التقارير العلمية تقول إن التعثر في مواجهة كورونا يظهر غرباً لا شرقاً، رغم عامل المباغتة الذي عرقل فعالية المواجهة الصينية والإيرانية للفيروس في البدايات، وهو عامل غير حاضر في حالة الغرب الذي استقبل الفيروس وهو في جهوزية تامة نفسية وتقنية، تكفي مقارنة إيران وإيطاليا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى