لعبة الإرهاب د. بثينة شعبان
من يعرف لماذا اتجهت الولايات المتحدة إلى أفغانستان والعراق بعد هجمات 11 أيلول عام 2001 حيث بدأت بشن هجمات جوية على أفغانستان بعد شهر من هجمات 11 أيلول؟ ومن يعرف لماذا توصلت الولايات المتحدة وهي أقوى دولة عسكرية في العالم إلى اتفاق مع طالبان وهي حركة صغيرة مصنفة إرهابية تمّ تتويجه باتصال مباشر بين الرئيس ترامب والملا عبد الغني برادر أحد أبرز القادة المؤسسين لحركة طالبان “الإرهابية”؟ ومن يستطيع أن يفسّر ما قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال حفل توقيع الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان في قطر وهي راعية الاتفاق رغم أنها من أصغر الدول في العالم حيث قال: “إن الولايات المتحدة وطالبان واجهتا عقوداً من العمل العدواني وغياب الثقة مؤكداً أن الحركة أثبتت أن بإمكانها تحقيق السلام عندما تقرر ذلك”.
السؤال للوزير بومبيو هو: من هو الذي قام بأعمال عدوانية على مدى عقود؟ وهل كان هناك طرف ثالث يستهدف الولايات المتحدة وطالبان في الوقت ذاته؟ كلّما قرأت عمّا يجري في منطقتنا والعالم كلّما أدركت أن المعركة الحقيقية القادمة هي معركة سرد رواية وأن الذي يثبت سرده ووجهة نظره في كتابة ما جرى من أحداث ستسجله كتب التاريخ على أنه المنتصر وستتم على الأغلب تبرئته مما ارتكبه وربما إلحاق تهم ارتكاباته بآخرين غيره أبرياء منها تماماً. فما الذي جرى في العراق أيضاً بعد أحداث 11 أيلول 2001 ولماذا استهدفت الولايات المتحدة العراق مع أنه لا علاقة له بتلك الأحداث بل كان الإرهابيون كلهم سعوديين؟ هناك فيديو لمسؤول أميركي رفيع المستوى يبدي دهشته حين تمّ إعلامه أنهم ينوون مهاجمة العراق. فسأل: العراق؟ لماذا وما دخل العراق بالذي تعرضت له الولايات المتحدة؟ لقد كان معظم الذين نفذوا الهجوم سعوديين فلماذا العراق؟ أتاه الجواب أنه لا أحد يعلم لماذا العراق.
هل يعلم أحد اليوم لماذا تمّ استهداف أفغانستان والعراق ومن بعدها تم استهداف ليبيا واليمن وسورية بالإرهاب والتدمير الشامل؟ الجواب الأكيد هو أن هذا الاستهداف لا علاقة له بمحاربة الإرهاب لأننا ومنذ أحداث أيلول في الولايات المتحدة وحتى اليوم نشهد نمواً متزايداً وانتشاراً متسعاً في بلدان وجغرافية لم تشهد الإرهاب قبل اليوم وكانت تعيش بأمن وسلام تحسد عليه. الذي ثبت اليوم من خلال الحال الذي آلت إليه هذه الدول هو أنه تمّ استخدام عنوان “محاربة الإرهاب” لاحتلال مصادر الثروة والمواقع الجغرافية التي تضمن زيادة ثروات وهيمنة الدول التي تدعي مكافحة الإرهاب وإضعاف الدول التي تم زرع الإرهاب على أرضها أو تمّ استقدامه من مختلف أنواع المرتزقة لتحقيق الهدف الذي رُسِم له في خطط واستراتيجيات الدول التي تعمل جاهدة أن تبقى قبضتها محكمة في التحكم بمسار ومستقبل الدول في أكثر من منطقة جغرافية لفرض هيمنتها على العالم في القرن الحالي.
وإذا دخلنا في التفصيل في الحالة السورية لنشرح ما تمّ تسطيره مقدّماً نجد أن رأس النظام التركي وبالتأكيد بالتنسيق مع الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية المعروفة قد لعب دور المسهّل لشذاذ الآفاق والمرتزقة والتكفيريين ليأتوا إلى سورية حصراً عبر الحدود التركية من سورية وتمّ اختراع الأغطية المناسبة لهؤلاء من ضعاف النفوس والعملاء والخونة فعاثوا في سورية قتلاً وتدميراً لكلّ ما يعتبر من عوامل قوة الدولة من البنى التحتية إلى المدارس والمؤسسات الزراعية والصناعية إلى محطات توليد وخطوط الكهرباء وآبار النفط، إلى كل ما هو أداة إنتاجية وخدمية، وترافق هذا كله مع حرب على الهوية فتمّ تدمير الآثار وسرقتها واستهداف الأوابد المصنّفة على لائحة التراث العالمي بأنها إرث إنساني، وترافق هذا كله مع حرب إعلامية وسياسية ودبلوماسية تشوّه الحقائق. نقرأ الآن الخطط التي وضعت لها والتمويل السخي والذي كان مصدره الأساسي المملكة المتحدة البريطانية حيث نشروا مؤخراً تقريراً مفصلاً عن شراء الذمم وتشويه الأخبار وتضليل العالم برمته حول ما يجري في سورية. وبعد تسع سنوات من سفك الدم السوري وتضحيات الجيش العربي السوري والصمود الأسطوري لسورية مدعومة بالحلفاء والأشقاء والأصدقاء خرج اللاعب الأساسي من وراء الستار ووقف بشخصه على المسرح مدعوماً هذه المرة بجنوده وآلياته وإذ به “أردوغان” بعد أن أوشك الجيش السوري على سحق مرتزقته وتحرير الأرض منهم، زجّ بقواته وجنوده لاستكمال الحرب التي بدأها منذ سنوات على سورية وشعبها تنفيذاً لهوسه الإخواني العثماني وتواطئه مع الأعداء الذين يستهدفون سورية منذ عقود مستغلاً مفاهيم الخيانة الوطنية التي ينشرها تنظيم الإخوان المسلمين باعتبارها زوراً وبهتاناً مفاهيم دينية. وبعد أن أبلى الجيش السوري بلاء عظيماً وأوقع بجند أردوغان خسائر فادحة سببت له ازمة داخلية بدأ ينقل الإرهابيين إلى ليبيا أملاً منه في أن يحرز نتائج لم يتمكن من إحرازها في سورية، ولكنّ هؤلاء الخونة والمرتزقة الأجانب لم يقتصروا على طرابلس ولكنهم يمتدون اليوم من ليبيا إلى تشاد ومالي والنيجر ومنذ أيام ذكّروا بوجودهم في تونس من خلال عمل إرهابي يحيون به ذكرى تواجدهم في الشارع التونسي وأنهم باقون ولم يندحروا. وقد تشهد الأشهر القادمة أعمالاً إرهابية أخرى في دول شمال أفريقيا لأن الإرهاب لا يعرف حدوداً ولأن عمله يعتمد على من يخطط له ويحدد له الأهداف وقد لا تنجو أوروبا من ارتدادات هذا الإرهاب أيضاً لأن أردوغان لديه أدواته من الإخوان المسلمين في الدول الأوروبية وربما المندسين اللاجئين الذين يصر على إدخالهم إلى الدول الأوروبية.
ما هو الدرس المستفاد من كل هذا ومن أمثلة كثيرة مشابهة لا يتسع المجال لذكرها؟ أعتقد أنّ الدرس المستفاد الأهم هو أن الإرهاب أداة تستخدمها دول بعينها وتمدّها بالسلاح والمال من اجل تنفيذ خطط معينة ومحددة ومرسومة ضد دول أخرى، ولا يوجد إرهاب منفلت من عقاله وخاصة حين نرى جيوشاً بأسماء مختلفة تحتاج إلى ميزانيات ضخمة كي تتمكن من ممارسة الإجرام الذي تمارسه في بلداننا. وهدف هذا الإرهاب هو إضعاف الدول المستهدفة وسرقة ثرواتها وربما هويتها وحضارتها في المستقبل، ولهذا فقط نرى أن أردوغان والذي هو عضو في الناتو يشن عدواناً على دولة ذات سيادة ولا تبادر أي من دول الناتو لإدانة هذا العدوان على الأقل، لأن مثل هذا السلوك مقبول لديهم لتحقيق الغايات المتفق عليها بينهم والتي يسعون إليها في مناطق مختلفة من العالم ولأسباب مختلفة، ولكن الذي يجب أن يتذكره هؤلاء هو أن الإرهاب مثل أي وباء حين ينتشر؛ فقد يصيب الجميع دون أن يستطيع أحد إيقافه عند حدود بلد ما أو حصره في بقعة جغرافية واحدة، وبما أن العالم تحول فعلاً إلى قرية صغيرة فلاشك أن الذي ينقل الإرهابيين من بلد إلى آخر لن يتمكن بالنتيجة من التحكم بكل تحركاتهم وأبعاد انتشارهم وقد يفاجأ بأنهم وصلوا إلى حيث لا يريد على الإطلاق ورسموا لأنفسهم اهدافاً قد لا تتناسب مع الأهداف التي رسمها لهم، ولكن في ذلك الحين سيكون الوقت متأخراً وسيجد نفسه كالذي خلق وحش “فرانكشتاين” ومن ثمّ قضى عمره يحاول التخلص من همجيته وجنونه. قد يكون من المفيد في هذه اللحظة التاريخية أن يعيد البعض قراءة تاريخ هتلر وما فعله في أوروبا وكل محاولات استرضائه وإعطائه أجزاء من دول للحد من آثامه وشروره ولكن في النتيجة كلّف هتلر العالم حرباً عالمية وملايين القتلى للقضاء على خطر لم يتمكن الآخرون من رؤيته في مرحلة تشكّله وانتشاره. أوليس لهذا الهدف يجب قراءة التاريخ كي يتعلم الآخرون منه دون أن يكرروا الأخطاء ذاتها ويدفعوا الأثمان ذاتها أو أكثر؟ .