الرهاب الأميركي وفرصة الإنقاذ
غالب قنديل
تطبق الولايات المتحدة سياسة مدروسة اتجاه الوضع اللبناني قوامها الخنق والعزل عبر تشديد الطوق المصرفي والمالي بالعقوبات والوعيد المتواصل بتصعيدها لاعتراض أي شراكة او تواصل بين لبنان ومحيطه القومي بدءا من سورية والعراق وصولا إلى الشرق الكبير وخصوصا إيران وروسيا والصين ومما لاشك فيه أن الولايات المتحدة تتحكم بتوجيهاتها في سلوك حكومات الغرب والخليج في المنطقة وبالتالي في طريقة تعاملها مع الحكومة اللبنانية وهذا ما يجب وضعه دائما في الحساب.
أولا لابد من إعادة قراءة ما ادلى به مؤخرا امام الكونغرس احد اهم سفراء الولايات المتحدة السابقين في لبنان والمنطقة جيفري فيلتمان الذي ساهم في تخطيط واقتراح السياسات الأميركية بما فيها العقوبات وخطة حرب تموز وهو قدم اطروحة تصلح لتفسير السلوك الأميركي اتجاه حكومة الرئيس حسان دياب ومهمتها الإنقاذية الطارئة فقد وضع عنوانا عريضا لسلوك الإدارة الأميركية المقترح وهو منع تحول لبنان تحت تأثير الانهيار الاقتصادي والمالي إلى مجال نشاط ونفوذ لسورية وإيران والصين وروسيا كما شدد فيلتمان على اهمية الاحتفاظ بالحضور الأميركي حتى لايقع التحول الخطير في موقع لبنان ودوره كما وصفه وللحؤول داخليا دون مخاطر توسع نفوذ حزب الله المطلوب تعريته من حلفائه وفق فيلتمان الذي حذر من توسع نفوذ الحزب كنتيجة لتمادي الانهيار وتحوله إلى سقوط كامل لهياكل النظام الاقتصادي والسلطة السياسية معا وبذلك يمكن لنا ان نتوقع تعاملا أميركيا بمعادلة “أسعفه كي لايقع دون ان تعينه ليقف” وهذا على الأرجح هو ما تطبقه إدارة ترامب في توجهاتها وأذوناتها المتحكمة منهجيا بحكومات دول غرب اوروبا وما يسمى بالجهات المانحة الغربية والخليجية وتاليا بمنظومة سيدر وعلينا ان نتوقع تجاوبا مع طلبات الحكومة الإسعافية ضمن حدود الإنعاش المالي بالقطارة.
ثانيا منذ سنوات طويلة يستهدف المخططون الأميركيون تحقيق تدجين جماعي للبنانيين من خلال نشر رهاب العقوبات والحصار الغربي ردا على أي مخالفة للمعايير والشروط الأميركية وقد كان التهديد الأميركي المبطن خلال العقود الماضية بخطر تقويض النظام المالي والمصرفي اللبناني الهش الذي انهار فعلا خلال الشهور الماضية.
وقع الانهيار في حصيلة الخلل التكويني المصاحب لنموذج ريعي تابع للغرب وبعد استنزاف تعددت أسبابه وكانت أخطرها العقوبات الأميركية الضارية التي قتلت مصرفين لبنانيين بتهمة التعامل مع حزب الله ومن حقنا ان نواجه المهولين من طبول عوكر وسائر السفارات وهم يولولون ليل نهار ليحذروا من خيار الانفتاح على إيران وقبول هباتها او التواصل العاجل مع سورية والعراق لإقامة شراكات طارئة ومستحقة في وجه المتاعب الاقتصادية المتزامنة التي تضغط على البلدان الثلاثة القادرة على تحسين ظروف عيشها بتكامل الجهود في جميع المجالات وهذه عملية شديدة الإلحاح خصوصا بالنسبة للبنان كهربائيا ونفطيا وتجاريا.
ثالثا ينتشر التخويف من الغضب الأميركي ويروج الخنوع لحفظ الرأس ومنع الضربات القاتلة والتدابير العازلة في جميع الأوساط السياسية اللبنانية بدون استثناء وتتنوع التعبيرات عن ذلك برفع الصوت العالي ضد التوجه شرقا أحيانا أو من خلال الخجل في الدفاع عن هذا الخيار الوطني التحرري أو الدفاع عنه لتحاشي فجور الطابور الأميركي السعودي في البلد وهو مهيمن ومشبوك إعلاميا ومصرفيا وقد شن هذا الطابور بقيادة مشغليه في واشنطن عملية تطويع للرأي العام ولسائر القوى السياسية وآخر الجرعات ما تضمنته خطة ترامب المسماة بصفقة القرن لعرض المال مقابل الإذعان لخطط التوطين وتصفية قضية فلسطين والسير في سياق التطبيع مع العدو الصهيوني وفي مصادفة غير بريئة يجري التلويح بالمليارات في زمن الانهيار اللبناني الكبير ليرجح منطق مسايرة الشروط الأميركية الصارمة سياسيا في مجابهة محاولة الإنقاذ التي تطوع لها فريق حكومي لايحسد على ما يتصدى له من مهام وتحديات.
رابعا يظهر من خلال ما تقدم وجود حاجة فعلية لموقف وطني واضح وشجاع في التصدي لمنطق الخضوع للوصاية ودعم الخيارات البديلة لترجيح كفتها على طاولة مجلس الوزراء كضرورة حياة وجودية وبلورة البرنامج والتوجهات التي تتيح احتواء الانهيار وإعادة بناء الاقتصاد الوطني والتقاط الفرص المتاحة في جميع المجالات ومن جميع الجهات.
المطلوب مبادرة سياسية وشعبية داعمة لخيار التوجه شرقا بدءا من سورية وعدم التعويل على رهانات هشة من نوع انتظار الدعم الأوروبي اوالالتفاف على الضغوط الاميركية بالتعويل على التذاكي السياسي فهذا لاينفع مع خصم يعرف مصالحه جيدا.
على جميع الساسة الوطنيين ان يتركوا للحكومة دبلوماسية الخطاب الموجه إلى الولايات المتحدة والغرب بمنطق المصالح اللبنانية العليا بينما عليهم القيام بواجبهم في مقاومة الوصاية الأميركية وشروطها الخانقة ونشر ثقافة الكرامة الوطنية الداعمة لخيارات الحكومة ولحث مجلس الوزراء على الإقدام في اعتماد خيار توسيع الشراكات اللبنانية نحو الشرق ابتداءا من سورية والعراق وإيران وهذا ما يمثل وضعه على الطاولة تعزيزا لشروط التعامل الحكومي الممكن والمحتمل مع عواصم الغرب والخليج اما بلادة الانتظار فهي هدر مقيت لوقت ثمين.