مقاومة «قيصر» بالتنسيق العراقيّ – السوريّ المفتوح على الخارج؟: د. وفيق إبراهيم
السوريون والعراقيون مصرّون على الربط الاقتصادي بين بلديهما عبر حدودهما المشتركة في «القائم» و»البوكمال».
ولهذا التنسيق أسبابه السياسية والاجتماعية الاضافية، لكنه يصطدم بمعوقات اميركية كبيرة تعمل على منع تشكله تحت اي عنوان، لانه يؤدي الى استقرار البلدين بمعدلات كبيرة مقابل تراجع الادوار الاميركية الاستعمارية فيهما.
إلا أن سورية والعراق لا تتوقفان عن تأمين الظروف الموضوعية للتكامل، ولكل منهما أهدافه.
ماذا يريد العراق؟ بات سياسيوه على قناعة راسخة ان الاحتلال الاميركي لبلادهم يعمل على تفكيك وحدة الشعب العراقي بين اتجاهات كردية وشيعية وسنية، فيعمقون من مستوى الخلافات بينهما، فتبقى الدولة ضعيفة غير قادرة على إنتاج قرار له قوة وطنية عامة، بما يشمل العجز عن اتخاذ موقف موحد من الاحتلال الاميركي نفسه، هذا بالاضافة الى استمرار التراجع الاقتصادي العراقي بسبب الضغوط الاميركية والفساد الداخلي.
هناك عوامل مستجدة تشجع على اعادة بلد الرافدين الى مستواه الحقيقي عربياً وداخلياً، وتظهر على شكل إصرار من معظم مكونات الحشد الشعبي على فتح المعابر السورية العراقية الأردنية لتحقيق تكامل اقتصادي بين سبعين مليون نسمة تقريباً، هذا الى جانب نقطة أساسية وهي اصرار العراق على تأمين منفذ بحري لسلعه على البحر الابيض المتوسط، استيراداً وتصديراً.
فيبدو الساحل السوري هو الهدف الأساسي باعتبار ان لبنان خاضع لحظر أميركي يمنعه من استعمال حدوده مع سورية لغايات اقتصادية، حتى ان انبوب النفط العراقي الذي كان يوصل النفط الى مدينة طرابلس الشمالية عبر سورية متوقف بقرار غربي – خليجي سرّي.
ما يبدو هنا أن العراق أدرك بما يزيل أي شك ان نهضته الاقتصادية مرتبطة بعلاقاته مع الممكن من جيرانه وهما سورية والأردن.
وكلاهما قانعان وراضيان، حتى أن الاردن الخاضع للوصايات الغربية مؤيد لهذه الخطوة، بسبب تراجع المساعدات الخليجية والغربية التي كان يتلقاها حتى أن أوضاعه المعيشية تكاد تؤسس لانتفاضة جماهيرية.
هذه هي الأوضاع الحقيقية التي تدعم الانتماءات التاريخية المشتركة.
فماذا عن سورية؟
تعتبر أن ما عجز الحلف الاميركي الاوروبي الخليجي الاسرائيلي والتركي عن تحقيقه بالوسائل الحربية يريد إنجازه بالتفجير الاقتصادي. ولم تكتفِ هذه المحاور بالعقوبات الاقتصادية التي تطبقها منذ اكثر من نصف عقد وأدت الى افقار البلاد، بل تركت للاميركيين اعلان وضع سورية تحت عقوبات قانون «قيصر» ابتداء من حزيران المقبل وهي عقوبات شاملة تضرب كل القطاعات الاقتصادية بعلاقاتها الداخلية والخارجية وصولاً الى حركة البشر في تنقلاتهم.
لذلك، فإن تحرير إدلب وأرياف حلب تؤسس لبناء أسس مقاومة بنيوية لقيصر من طريق توسيع التفاعلات الاقتصادية الداخلية بربط حلب وادلب بحماه وحمص ودمشق والأردن وكذلك بين حلب واللاذقية.
وهي فرصة إضافية للربط بين العراق ودمشق وجسر الشغور واللاذقية بما يؤدي الى ازدهار اقتصادي يزيل المفاعيل السلبية لقانون قيصر، وقد يُلغيها بشكل كامل.
ضمن هذا التحليل يجب فهم الإصرار الاميركي على عرقلة فتح المعابر السورية – العراقية والإصرار الأميركي التركي على منع تحرير ادلب والاستمرار بإقفال الخطين اللذين يربطان حلب بدمشق واللاذقية وبالتالي بالعراق والاردن.
وضمن هذا الإطار أيضاً يمكن تفسير المنع الاميركي المفروض على لبنان لإكراهه على رفض اي التزام بسياسات تكاملية مع سورية.
للإشارة فإن انهياراً اقتصادياً كبيراً يضرب لبنان متسبباً حتى الآن بوقف نحو مئتي الف لبناني عن العمل والوتيرة الى تصاعد، هذا بالإضافة الى إغلاق آلاف المؤسسات وتتجه الدولة الى إصدار قرارات مؤلمة بخفض ثلاثين في المئة من الرواتب للعاملين والمتقاعدين مع انخفاض في سعر عملته الوطنية بمعدل اربعين في المئة، وهذا يؤشر الى مستوى انهيار كبير، لكنه لم يمنح السياسيين اللبنانيين القدرة على رفض قرارات أميركية تستهدف سورية لكنها تنقذ لبنان.
وها هو رئيس مجلس الشوري الإيراني علي لاريجاني يعرض على لبنان في زيارته الأخيرة له بناء أربعة معامل كهربائية تؤمن الطاقة للبنان 24 ساعة يومياً على شكل هدية مجانية، فيسارع الأميركيون الى تحذير لبنان من قبولها والموافقة على كل العروض الاقتصادية الايرانية وهي كثيرة.
ونجد السفير السوري في بيروت يعرض تكاملاً اقتصادياً بين البلدين، من دون أي رد من طرف لبناني يعيش تحت هموم الخطر الأميركي الخليجي مترقباً مساعدات خليجية لا تلوح في الأفق وتهدئة اميركية في الضغوط عليه، لا يبدو ان واشنطن متجهة اليها.
تكشف هذه القراءة عن أهمية تحرير ادلب داخلياً وعربياً، وخطر تحريرها على الاميركيين والاتراك وحلفائهم.
لذلك يبدو التنسيق العراقي السوري مسألة استراتيجية تمنح البلدين طاقات هائلة في مقاومة الخطط الأميركية للاستمرار في احتلال البلدين لسرقة النفط فيهما، واستخدام العراق لإدارة المنطقة، كما قال الرئيس الأميركي ترامب حرفياً.
ان العلاقات الاقتصادية بين لبنان وسورية والعراق والاردن مسألة تبعث على ازدهار هذه البلدان وتُلبي الحاجات الى التكامل كما تفتح على الخليج والاردن. بما ينتج نظاماً اقتصادياً عربياً هو الأقوى في الإقليم والقادر على سد التراجع في انتاج النفط الذي تقول مصادر غربية إن عمره لن يزيد عن العقدين، فماذا لو اتجهت هذه الدول نحو بناء آليات إنتاجية مشتركة تتعامل مع كل الاحتمالات؟ هذا يحتاج الى شجاعة سياسية ليست موجودة في الخليج والاردن ولبنان.
لكن التاريخ يؤكد ان الحاجات الاقتصادية تسبق القرارات السياسية وتدفع اليها على امل ان يلتزم العرب بهذه السياقات الطبيعية ولا يفرون كدأبهم من مواجهة مصالح بلادهم بالمزيد من الاستسلام لـ»قيصر» الاميركي الذي يشبه نيرون الذي أحرق روما.
(البناء)