جلسة الثقة: دياب يلمّح إلى عدم دفع الديون: ميسم رزق
حصَدت حكومة الرئيس حسان دياب ثقة 63 نائباً من أصل 84 نائباً حضروا جلسة مناقشة البيان الوزاري. عشرون نائباً رفضوا منح الثقة، وواحد امتنع عن التصويت. وقبل أن يدلي النواب بمواقفهم، برز كلام رئيس الحكومة الذي لمّح إلى تراجعه عن تأييد خيار دفع سندات اليوروبوند بقوله إننا «نريد الحفاظ على الموجودات من العملات الأجنبية من أجل أولويات الناس من السلع الحيوية، مثل الأغذية والأدوية والوقود، وقد أبلغنا حاكم مصرف لبنان بهذه الثوابت»
هي أوّل جلسة ثقة لحكومة في عهد الرئيس ميشال عون بوجوه وزارية «غير مُستعملة». وأول جلسة منذُ أكثر مِن ثلاث سنوات لا يتربّع على عرشها رُكنا التسوية الرئاسية: سعد الحريري وجبران باسيل. لا الحريري رئيساً ولا باسيل «وزيراً أولاً». تغيّب الأول عن الحضور. لكن شريكه السابِق في «تفاهم المصالِح» كانَ أقوى. أتى وجلسَ في المقاعد الأمامية، مُثبتاً أنه أقدر من الحريري على لعب كل الأدوار بكلّ الوجوه، ولو أنه لم يكُن نجم الحاضرين. كان ثاني المتحدثين في جلسة أمس، ولعب دور الناصِح لحكومة دياب: افعلوا هذا ولا تفعلوا ذاك… اسمحوا بهذه ولا تسمحوا بتِلك. وقَف على المنبَر لنصف ساعة من أجلِ تقديم الإرشادات، وتصحيح ما اقترفته الحكومات السابقة، وكأن ليسَ بينها من حكومات للعهد!
لم يكُن لغياب الحريري وقعٌ قاسٍ على الحياة البرلمانية التي بدأت تعتاد السير من دونِه. رئيس مجلس النواب نبيه برّي افتتح الجلسة غيرَ آبه إلا بتأمين النصاب والتصويت على الثقة. لكن المتحدث باسم الحريري وكُتلتِه «كفّى ووفّى». في الماضي تناوَب نواب كُثر على مِنبر المجلس كي يقولوا آراءهم في «الحريرية». يوم أمس أتى من يتكفّل بذلك من قلب الطاقم الأزرق. النائب محمد الحجار لم يطبُخ خطابه بمهارة. كانَ يظنّ أنه يخدُم الحريري بالهجوم على البيان الوزاري لحكومة دياب، فاتهمه بأنه بيان «مُستنسخ عن الحكومات السابقة، وكلها أفكار سبَق أن طُرحت»، مُسجّلاً هدفاً في مرمى الحريري بدلاً من دياب! واستكمالاً لمشهد عدم المصالحة مع الذات، يُمكن الى هذا كله إضافة «سقطتين» للحجار: الأولى إطلاق اسم حكومة العهد على حكومة دياب، وذلك يعني أن الحكومتين السابقتين اللتين ترأسهما الحريري لا قيمة لهما. والثانية بدت واضحة في أن من طرّز كلمة الحجار «استنسخها» من البيان الأخير للنائب نهاد المشنوق الذي أعلن عبرَه عدم المشاركة وحجب الثقة، لناحية مهاجمة خطة الكهرباء والتطرق إلى الاستراتيجية الدفاعية. مرّت ثلاث سنوات من دون أن يتجرأ المستقبليون على فعل ذلك.
في الخارِج لم يكَد المارّون يطلّون بسياراتهم صوب برج المرّ، حتّى ينهال عليهم المُتظاهرون بالصراخ للنزول الى الشارع. يتسابَق «الثوار» في اتجاه السالكين الى عملهم لـ«توبيخهم»، لكونهم «فقراء صامتين غير مشاركين في الثورة». وعلى بُعد مئات الأمتار نزولاً، خطّ تماس فاصِل بينهم وبين نقطة باب ادريس المؤدية الى ساحة النجمة. على المدخل، تجمّع كبير للقوى الأمنية. مُقابلها ناشطون يمسِكون لافتات الـ«لا ثقة» بالحكومة، ويتمسّكون بقرار منع النواب والوزراء من الوصول الى الجلسة. يختلِط الحابل بالنابل. عسكريّون و«حراكيّون» وسيارات ومارّة ودراجات نارية وزحمة سير. مِئات أمتار إضافية، يتكرّر المشهد عندَ الواجهة البحرية. طُرق مقفلة وعوائق حديدية ودشم إسمنتية وبوابات سود وجدران عازلة وأسلاك شائِكة، تمتدّ الى ساحة الشهداء. من حولِها خيم المُنتفضِين وصولاً الى مسجد محمد الأمين. تتعدّد الشعارات المُناهِضة للسلطة وتتنوّع المطالِب، على شكل غرافيتي وكتابات مُلوّنة ويافطات تصِل الى مدخل آخر عند مبنى «الإسكوا»، يستحيل الولوج منه الى محيط البرلمان الذي أصبح كمن أحاطَ نفسه بسور كبير. لا يُمكن للناس رؤية مجلس النواب، كما لا يُمكن لمن في داخله أن يرى الناس.
النواب والوزراء الذين حضروا الى البرلمان بدوا أسرى هذا السور. تسلّلوا إلى ساحة النجمة بسيارات مموّهة أو عادية بلا مواكبة. ومع ذلك لم يأمنوا من غضبة المتظاهرين الذين كمنوا لهم بالبيض والبندورة والحجارة والاتهامات بالسرقة والفساد. الجميع دخل سالماً، باستثناء نائب الحزب السوري القومي الإجتماعي سليم سعادة الذي أنزل زجاج السيارة للتحدث الى المتظاهرين، لكنه تعرّض للرشق بالحجارة، وأصيب بإحداها، ما استدعى نقله إلى أحد المستشفيات.
في الداخل اقتربت عقارب الساعة من الحادية عشرة والثلث. لم تكُن الجلسة قد بدأت بعد بسبب عدم اكتمال النصاب. تردّد أن عدداً من النواب باتَ ليلته في المجلس، لكن قاعة الهيئة العامة بعد وقت من موعِد الجلسة لم يدخلها إلا 45 نائباً لتكتل «لبنان القوي» وكتلتي «التنمية والتحرير» و «الوفاء للمقاومة»، إضافة الى النائب جميل السيد. في هذه الأثناء، سادت حالة من البلبلة أروقة المجلس بسبب تداول معلومات عن عدم مشاركة كُتلتي «المُستقبل» و«اللقاء الديمقراطي»، بينما حبسَ نواب كتلة «الجمهورية القوية» أنفسهم في إحدى القاعات بانتظار اكتمال النصاب، وفجأة رنّ الجرس ودخل جميع الذين نجحوا في الوصول الى المجلس، باستثناء نواب القوات.
افتتح الرئيس نبيه بري الجلسة بالإشارة إلى أن «المستقبل والقوات سيحضرونها»، فيما كان نواب التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل والمردة والسيد والنواب عبد الرحيم مراد وفريد الخازن وفيصل كرامي قد لزموا مقاعدهم. دقائق قليلة بعدَ انطلاق الجلسة انضم النواب «الاشتراكيون» بلال عبد الله، وأكرم شهيب، وفيصل الصايِغ وهادي أبو الحسن، وبعدهم بنصف ساعة النائب وائل أبو فاعور. انطلقَت جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسّان دياب على عكس الوتيرة التي كانت متوقعة منها. المداخلات بدت هامدة، والمواقف الُمعارضة والمؤيدة ظلّت تحتَ سقف التركيز على مرحلة ما بعد منح الحكومة الثقة وإنجازاتها على مختلف الصعُد.
بعدَ أن تلا دياب أمام الهيئة العامة البيان الوزاري لـ«حكومة مواجهة التحديات»، بدأت مداخلات النواب التي استمرت حتى الساعة الرابعة من بعد الظهر، مع النائب محمد رعد الذي قال إن «الحكومة لا تُشبه فريقنا السياسي، إلّا أنه لتسهيل مهمة التأليف ارتضينا بها ونحن واثقون من إمكانية الحوار». بعد رعد باسيل، فستريدا جعجع وجميل السيد الذي اختصر الطريق الوحيد لنجاح حكومة دياب بجملة «عليها أن تفعَل تماماً عكس ما فعلته الحكومات السابقة»، ثم هادي أبو الحسن والحجار. ومن بعدهم النائب سليم سعادة وميشال الضاهر وميشال معوض. يُمكن القول إن كلام النواب الثلاثة سعادة والضاهر ومعوّض كانَ الأبرز. الضاهر ربطَ ثقته بالحكومة بتعهدها بعدم دفع استحقاق اليوروبوند في آذار 2020. ورغم الاعتداء الذي تعرّض له، لم يحِد سعادة عن أسلوبه الذي يتبعه في الجلسات، من خلال توصيف الواقع بلغة شعبية واضحة وصريحة، فقال إن «نصف الودائع بالدولار صُرف، وما حصل ليس (كابيتال كونترول) بل حجز للأموال».
باسيل كانَ أقرب الى الناصِح لحكومة دياب
حصر سعادة كلامه بالأزمة الراهنة مسلطاً الضوء على مصدر الوجع، أي مصرف لبنان، الذي نفّذ الهندسات المالية، وسحب السيولة من المصارف اللبنانية وحاول كبح الصرافين، ما أدى إلى تفلّت سعر الدولار في نهاية المطاف». وأوضح سعادة أنه «عند الانكماش الاقتصادي، تضخ المصارف المركزية السيولة في الاقتصاد، ولكن العكس يحصل في لبنان»، سائلاً عن «المحاسبة… فلنبدأ بوزارة المالية منذ الاستقلال إلى اليوم، من حاسبها؟ أشهد أن مجلس النواب ليس في حوزته أي رقم على الإطلاق متعلق بقطع الحسابات وتدقيقها»، أكد سعادة. أما معوّض، فقد دعا الدول الى الاعتراف «بالحقيقة الموجعة أن دولتنا أفلست واقتصادنا انهار وأن كل يوم إضافي نتنكّر فيه لهذه الحقيقة تصبح إمكانية الإنقاذ أصعب وأطول والكلفة أكبر بأضعاف».
في الجولة المسائية التي استؤنفت عند الساعة الخامسة من بعد الظهر، تحدث النواب ياسين جابر وجهاد الصمد وجورج عدوان وزياد حواط وفادي سعد وهاكوب تريزان. وبعد جلسة استمرت نحو ثماني ساعات حضرها 84 نائباً من أصل 128، أعلن الرئيس بري أن 63 نائباً صوتوا لصالح منح الثقة للحكومة الجديدة، مقابل رفض 20 منهم وامتناع نائب واحد، فيما برز موقف جديد لرئيس الحكومة الذي يعتبر من مؤيدي خيار دفع سندات اليوروبوند، إذ أشار إلى أننا «نريد الحفاظ على الموجودات من العملات الأجنبية، من أجل أولويات الناس من السلع الحيوية، مثل الأغذية والأدوية والوقود، وقد أبلغنا حاكم مصرف لبنان بهذه الثوابت»، مضيفاً «ندرس كل الاحتمالات للتعامل مع السندات الدولية المستحقة السداد هذا العام».
(الاخبار)