بقلم ناصر قنديل

إيران والحلفاء لتكامل مفهوم الدولة الوطنية والمقاومة: ناصر قنديل

تحوّلان كبيران يتزامنان ويستهلكان قسماً كبيراً من النقاشات والتقييم على مستوى قيادة محور المقاومة وساحات حضوره، وبصورة خاصة في إيران والعراق وسورية ولبنان، حيث يتشكّل العمق الاستراتيجي الجغرافي القادر على التحول لقوة ضخمة متعددة الموارد متسعة المساحات المفتوحة على حدود الخليج والمتوسط وفلسطين وقزوين وأفغانستان، والمستند إلى موارد وحجم أسواق يتكفّل انفتاحها على بعضها بتحويلها قوة اقتصادية كبرى وسنداً لكل من القوتين الفاعلتين في محور المقاومة في اليمن وفلسطين. التحوّل الأول هو الانتقال في المواجهة مع المشروع الأميركي الإسرائيلي من مرحلة إلى مرحلة بعد اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، وبعد الإعلان عن صفقة القرن وتكامل المواجهة بين العنوانين وصولاً لإخراج الأميركي عسكرياً من المنطقة وإسقاط صفقة القرن. والتحول الثاني هو بلوغ الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات

والحصار مرحلة خطيرة، وتزامنها مع ظهور الحاجة لإعادة النظر في الكثير من السياسات الاقتصادية ولو بدرجات مختلفة بين إيران، حيث الدولة المقتدرة والمكتفية ذاتياً، وبين العراق ولبنان حيث حراك شعبي مفتوح على التوظيف ضد قوى المقاومة ووجود قوى سياسية تتربّص بخيار المقاومة محلياً، تنفيذاً لمشروع مموّل ومدعوم من حكومات الخليج ومن خلفها واشنطن الحاضرة مباشرة في الساحتين وعلناً بصورة لا جدال حولها، وبين سورية التي تخوض حرباً ضارية لاسترداد سيادتها على ما تبقى من أراضيها في أيدي الجماعات الإرهابية بدعم تركي واضح ودعم أميركي غير خفيّ.

هذان التحوّلان فرضا تفكيراً مختلفاً على محور المقاومة، وربما يكون مدخلاً لتغييرات هيكلية في نمط تعامل قوى المقاومة في كل من ساحات العمل، وفقاً لخصوصياتها، لكن تحت عنوان مشترك بات شبه واضح المعالم، يقوم على تعزيز مشروع الدولة الوطنيّة لتتولى ترشيق الاقتصاد وبناء مقوّمات صمود وطنية تستطيع منع فرض أجندات دولية اقتصادية ستحمل معها شروطها السياسية وتظهر واشنطن في خلفية الصورة، والتوجه لاعتبار مكافحة الفساد وفضح دور المنظمات المدنية المموّلة دولياً في اللعب بهذا العنوان بنيّة التخريب وإشاعة الفوضى، لفتح الباب للتلاعب الخارجي. ففي إيران تخاض الانتخابات النيابية تحت هذا العنوان، تعزيز بناء الدولة بما هي دولة الاستقلال والتنمية. وفي العراق تمّت عملية التلاقي بين قوى المقاومة والسيد مقتدى الصدر، تحت هذا العنوان بنسخة عراقية، إخراج الأميركيين وبناء دولة قادرة على الصمود والبناء ومكافحة الفساد كمتلازمة مترابطة. وفي لبنان الوقوف وراء الحكومة ضمن ضوابط منع الانحراف نحو الوصفات الدولية المسمومة، والدفع بتمكين الحكومة لتقديم نموذج مغاير عما سبقها من حكومات في العلاقة بالهموم التي تشغل بال الناس من الشؤون الحياتية والمصرفية وصولاً لملاحقة الفاسدين، وإراحة الحكومة بهوامش حركة واسعة لتحقيق هذه الأهداف وتمكين المقاومة من التفرغ لمهامها الأهم والمتصلة بإخراج الأميركييين من المنطقة، وإسقاط صفقة القرن. أما في سورية فالجمع قائم بين ثنائية تقدم الجيش نحو تحرير المزيد من الجغرافيا السورية، وتقدم المسار الإصلاحيّ في معالجة المشكلات الضاغطة على الفئات الشعبية وملاحقة الأموال المنهوبة في عمليات فساد.

– مرة أخرى محور المقاومة يحوّل التحدي فرصة. فخلال سنوات تم ترك الملفات الاقتصادية والاجتماعية لحكومات أنتجتها المساكنة مع حلفاء واشنطن في لبنان والعراق، وكانت النتيجة دفع الوضع نحو الانهيار لتقديم الشروط الأميركية ثمناً لتجاوز الخطر. وفي سورية وإيران كانت الأولوية لبناء المقدرات العسكرية والفوز بمعارك تفرضها الحرب الأميركية المفتوحة تحت عنوان داعش والقاعدة، فيما كانت المعالجات الاقتصادية عاجزة عن بناء منظومة تحقق الرضا الشعبي، نما خلالها المنتفعون على حساب خيرات الاقتصاد، وتورّمت قطاعات غير منتجة، وصار لزاماً بدء المعالجات. ومنذ شهور توضع المسألة على جدول أولويات القيادتين الإيرانية والسورية، وخلال شهور ستتبلور معالم مشروع محور المقاومة على أرض الواقع وليس على الورق، وسنشهد ملامح نهوض وطني، تجسّده عملية تكامل موضوعيّة بين ما يجب على الدولة أن تقوم به وما يجب على المقاومة فعله، من دون صلات تنسيقية مؤسسية تُحرج الدولة وتُشغل المقاومة.

(البناء)

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى