أسئلة لبنانية مغيبة
غالب قنديل
يدوخ اللبنانيون في يوميات الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي ويلهثون خلف التحديات المتلاحقة التي تنحدر بمستوى عيشهم اليومي وقدرتهم الشرائية لكن أسئلة جوهرية تطرح نفسها في الواقع وهي مغيبة كليا عن النقاشات السياسية والإعلامية.
أولا ألم يكن الانهيار الذي وقع ممكن التوقع وبالتالي مرتقبا ومحتملا بفعل المؤشرات الاقتصادية والمالية السابقة ؟ ولماذا تم إخفاء الحقائق عن الناس ولم يجري تحذيرهم مما هو قادم وتحفيزهم للمشاركة في التدابير الطارئة والملحة للمعالجة ؟ وإن كان حاكم مصرف لبنان هو من يمسك بمصادر المعلومات والمؤشرات النقدية والمالية فماذا عن السلطة السياسية ومؤسستها التنفيذية أي مجلس الوزراء؟
لماذا لم توضع خطط استباقية للانهيار ومورس التكتم الكلي رسميا حتى وقع انفجار الغضب ؟ وهل كان الواقع السياسي القائم مطمئنا إلى طواعية الجمهور وعزوفه وفوجيء بما جرى وبتفاعلاته وهو ما زال يحاول احتواءالنتائج؟
ثانيا إذا كانت العقوبات الأميركية قد حرمت لبنان من تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج وخنقت القطاع المصرفي وفرضت تصفية مصرفين محليين وتهدد غيرهما مؤخرا وهي ساهمت في تجفيف سيولة العملة الصعبة فلماذا لايقال ذلك صراحة ويبنى عليه موقف سياسي وطني ضد العقوبات الأميركية وضد التكيف السياسي معها والخضوع لأحكامها.
إن كان المرتبطون بالنفوذ الأميركي مصلحيا وسياسيا يساندون العقوبات ويسهلونها فماذا يعيق الفرقاء الآخرين داخل السلطة وخارجها عن إعلان هذه الحقيقة بالقوة التي تستحقها في فهم مسببات الانهيار خصوصا وان مراكز التخطيط الأميركية تدرس تصعيدا للعقوبات يدمج بين تهمة الإرهاب المستخدمة لمحاربة المقاومة وحلفائها وبين تهم الفساد التي يلوح بها الأميركيون ضد حلفاء المقاومة بالذات وهم يعملون لتطويع الواقع السياسي وتفكيك حلف المقاومة ويتناغمون في ذلك مع قوى محلية ترفع يافطات سياسية مضللة.
ثالثا يتضح من وقائع المازق الراهن ان انقطاع العلاقة مع سورية والعراق وإيران ساهم في تدهور الوضع المالي والاقتصادي اللبناني وحرم البلاد من تسهيلات التصدير واحتمالات تعظيم عائدات القطاعات المنتجة كما جعل لبنان أداة اميركية في محاصرة سورية من خلال تجميد ودائع الأشقاء السوريين في المصارف اللبنانية وهي مقدرة بثلاثين مليارا وقد منع الغرب أضعاف هذا المبلغ من الانتقال إلى لبنان وتم توجيه كتلة ضخمة من الودائع السورية ضمنا إلى مصارف غربية وخليجية منذ اندلاع الحرب على سورية.
إنه وجه آخر من وجوه المساهمة الأميركية الأوروبية في دفع لبنان نحو الانهيار وهو استكمل باعتراض عودة النازحين السوريين والتحكم بوجودهم من خلال دورة نهب واستثمار مالية وسياسية فيها شركاء لبنانيون وفريق من عصابات البيرقراطية الدولية لنهب المساعدات الإنسانية وهذا من اخطر ملفات الفساد المسكوت عنها في السنوات الأخيرة .
هذا ملف يستحق فتح تحقيق لبناني مباشر قد يطال سياسيين واحزابا وموظفين اممين وجمعيات محلية مرتبطة بصناديق المساعدة الغربية تاجرت بالنازحين وسرقت خبزهم وأدوية أطفالهم ونهبت باسمهم فمن يجرؤ من مراصد الفساد وجمعيات الانجيؤوز التي تصيح ليل نهار؟.
رابعا ما هو دور ومسؤولية الجهات السياسية التي اعترضت على العلاقة مع سورية ومنعت التواصل اللبناني السوري منذ سنوات ومدى مساهماتها في التسبب بالاختناق الاقتصادي والمالي اللبناني وهي بالمقابل نفس الجهات التي ساهمت في رعاية اوكار الإرهابيين داخل لبنان وهي التي تتحمل مسؤولية الخسائر الاقتصادية والمالية التي وقعت جراء المعارك المتنقلة وعمليات التخريب بالإضافة إلى فعلها التدميري والانكماشي في التجارة والسياحة وتعطيل الإنتاج لسنوات مما عجل في الانهيار.
بكلمة ثمة فاعلون سياسيون لبنانيون سرعوا في الانزلاق نحو الانهيار وهم كانوا جزءا من آلية الخنق الأميركية الغربية للبلد ولهم أسماء وعناوين واحزاب والعجيب ان هؤلاء يتبارون اليوم في إلقاء التهمة على المقاومة وخياراتها الإقليمية التي يحملونها مسؤولية تراجع الاهتمام السعودي وهم يتحايلون ويكذبون لطمس مسؤوليتهم ولتجاهل التبدل النوعي في الأولويات السعودية سواء بسبب ورطة اليمن ام نتيجة ماجرى على خط علاقة المملكة بالرئيس سعد الحريري.
خامسا قد يقال إن الحاجة إلى العمل المشترك في احتواء الانهيار تتطلب تجنب النقاشات والمناكفات في خلفيات ما جرى وتقديم خطاب التضامن الداخلي في وجه الكارثة وهذا مفهوم لكن ما نحتاج إليه هو مراجعة النهج الخطير والمدمر الذي دفع البلاد إلى الهاوية واستخراج الدروس لبلورة الخيارات والخطوات الإنقاذية التي تنطلق من ملاقاة الفرص المتاحة في المحيط القومي من خلال العلاقة والشراكة مع سورية والعراق وإيران حيث يمكن إيجاد الحلول للعديد من المشاكل التي تضغط في يوميات اللبنانيين الصعبة.
لا تقتصر أهمية التوجه إلى سورية والعراق وإيران في مجال الترانزيت وتصريف المنتجات الزراعية والصناعية والبحث عن مساعدات كثيرة عرضتها طهران في مجال الكهرباء وصناعة الأدوية وغيرها وما يمكن أن يقدمه العراق في التمويل والنشاط المصرفي وفي الإنعاش الممكن لقطاع الطاقة وتوفير الكلفة الهائلة التي تحملها البلد لصالح كارتيل المحروقات الاحتكاري منذ تدمير المصافي اللبنانية وصناعة التكرير وتعطيل الأنبوب العراقي ومصبيه على الساحل اللبناني السوري.