نظرة على مسار الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي د.منذر سليمان
نشطت الجهود الانتخابية لكافة المرشحين عن الحزب الديموقراطي، فيما يعرف بسلسة انتخابات تمهيدية، مع مطلع العام الجديد، يميزها مرشحين إثنين من كبار الأثرياء، المليارديرين توم ستاير ومايكل بلومبيرغ؛ واكبها استمرار تدفق “التبرعات” المالية لمعظم المرشحين.
تجري مهرجانات الانتخابات التمهيدية وفق لوائح الحزب الديموقراطي بالاتساق مع قوانين الولايات المختلفة، وليس وفق نصوص دستورية، للوصول إلى مرشح بمفرده يقع عليه الاختيار في المؤتمر العام للحزب، 16 تموز/يوليو المقبل.
ستعقد الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية في 3 شباط/ فبراير المقبل، في ولاية أيوا وسط البلاد، وما ستسفر عنه من انتخاب مندوبي الولاية للمؤتمر العام. وهذا ما يفسر طول الحملة الانتخابية نسبياً، منذ الآن ولحين موعد الانتخابات العامة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
يتسم المشهد الراهن ببروز أربعة مرشحين “عاديين،” وإثنين من فاحشي الثراء مع تباين حجم ونوع القاعدة الانتخابية الداعمة لكلا الفريقين.
يتصدر الفريق الأول نائب الرئيس السابق، جو بايدن، يليه المرشحين الليبراليين، بيرني ساندرز، واليزابيث ووران؛ ويتميز بخاصية حسن التنظيم والتدبير والخبرة. أما الآتي بقوة غير معهودة، بيت بوتيجيج، فأقلهم خبرة وتمرساً في المناصب العامة والسياسة الخارجية؛ وآخرين يتوقع انسحابهم سريعاً من السباق.
الفريق الثاني يضم توم ستاير ومايكل بلومبيرغ، يميزهما ضعف وسطحية الدعم الشعبي وميل العامة لاستبعاد أي مرشح يشبه الملياردير الرئيس ترامب.
يعد المرشح جو بايدن، 76 عاماً، من المفضلين لآلية وهيكلية الحزب الديموقراطي لخبرته السياسية الطويلة وفرط ولائه للتيار الليبرالي / الوسطي داخل الحزب؛ رغم تقدمه في السن وظهور أعراض الشيخوخة عليه أمام الجمهور، لا سيما النسيان والادلاء بتصريحات محرجة تفتقر للكياسة الديبلوماسية وعمق التفكير؛ بل شوهد أكثر من مرة يمارس “هوايته” باحتضان النساء دون موافقتهن.
ليس مستبعداً أن يصل مؤتمر الحزب العام إلى طريق مسدود وعدم توصله لمرشح في جولة التصويت الأولى؛ وعند هذه المحطة سيبرز بايدن كأفضل مرشح يدعمه الحزب للفوز بجولة ثانية من أصوات المندوبين نظراً لكل المزايا السابقة.
على الناحية المقابلة، لا سيما تسليط الحزب الجمهوري الأنظار على نجل بايدن، مرة أخرى، فيما يتعلق “بفضيحة أوكرانيا غيت،” قد يضطر بايدن الأب للإدلاء بشهادته أمام محكمة العزل التي ستعقد مطلع الأسبوع المقبل، وما سيرافقها من انكشاف حجم “الفساد” الذي يمارسه جو بايدن وتوظيف ذلك ضده في الحملة الانتخابية.
اللافت أن ثلاثة من منافسي بايدن عن الحزب الديموقراطي، أعضاء مجلس الشيوخ: بيرني ساندرز، اليزابيث ووران، وآيمي كلوبوشار؛ سيشاركون إجراءات المحاكمة وستكون على حساب حملتهم الانتخابية، وربما سيطرقون أبواب مثلب الفساد للنيل وتعرية بايدن وربما إسقاطه.
بيرني ساندرز: استطاع المحافظة على نبل سيرته أمام الناخبين وأدائه المميز في الجولة السابقة، 2016، والذي كان على أعتاب الفوز بترشيح الحزب أمام منافسته هيلاري كلينتون؛ لكن مراكز القوى الرئيسة داخل الحزب الديموقراطي تهابه وتسعى للحفاظ على مسافة منه لسياساته الاجتماعية ومناهضته للحرب.
وحظي ساندرز، البلغ 77 عاما، بشهادة من المرشح الجمهوري آنذاك، دونالد ترامب الذي أقر بأن ساندرز لو فاز بترشيح الحزب الديموقراطي ربما كان سيهزمه في الانتخابات العامة.
يتميز ساندرز، ومنذ الجولة السابقة، بصفاء توجهاته الاجتماعية والاستثمار في البنى التحتية ومناهضة الحروب؛ وحظي بدعم واسع ولا يزال من الجيل الشاب لتعهده بمجانية التعليم العالي، ورفع مستوى الحد الأدنى من الأجور، والأهم توفير الرعاية الصحية الشاملة دون قيود. وعليه، لا يزال الدعم المالي من تلك الأوساط سخياً لحملته وتوجهاته.
ويحظى كذلك بدعم قاعدة واسعة من التيارات التقدمية داخل الحزب الديموقراطي والمستقلين، دون التفاتها لتقدمه النسبي في السن. أما مفاصل القوى في الحزب الديموقراطي فهي تعبر عن قلقها من توجه مؤيدي ساندرز للتصويت لصالح ترامب، نكاية بقيادات الحزب في حال فشل الأول الفوز بترشيح المؤتمر العام.
اليزابيث ووران: هي الأقل خبرة سياسية بين المرشحين المخضرمين، بايدن وساندرز، وأصغرهم سناً، 69 عاماً. اكتسبت شهرتها بدفاعها الحثيث عن صغار المودعين أمام تسلط كبريات المصارف المالية، وميلها لفرض قيود على المعاملات المالية في “وول ستريت.”
ونظراً لخلفيتها الليبرالية فقد تبنت شعار “إعفاء الطلبة الجامعيين من ديون الرسوم بالكامل،” وتتقاطع في البرامج الاجتماعية والرعاية الصحية مع بيرني ساندرز، لا سيما في تغيير السياسة الأميركية الراهنة من الانبعاثات الحرارية؛ وكان ملفتا في المناظرة الأخيرة دعوتها لسحب القوات الاميركية من منطقة الشرق الأوسط.
بيد أن علاقتها الشخصية مع ساندرز يشوبها الجفاء على خلفية الكشف أحدهم عن محادثة في عام 2018 اشار فيها الى أن ترامب لن تهزمه إمراة مرشحة عن الحزب الديموقرطي وعندما نفى ساندرز ذلك تولدت حالة استياء ووابتعاد بينه وبين ووران. من غير المرجح أن تعكر تلك المسألة الخلافية علاقة المرشحين، وتوجهما المشترك لتسليط الضوء على ضرورة إسقاط الرئيس ترامب في الانتخابات.
بيت بوتيجيج: المرشح الأصغر سناً والأقل خبرة بين المجموع، وأول مثلي يشارك في السباق الرئاسي، ويتمتع بعلاقات جيدة مع شركات الأسلحة والمصالح الكبرى.
وقال مخاطباً جمهوراً من قيادات اليهود الأميركيين حديثاً إن “رحلة قام بها مؤخرا إلى إسرائيل مع “اللجنة اليهودية الأمريكية” عززت علاقته مع الدولة اليهودية.” موضحاً ولاؤه بالزعم أن “محاربة معاداة السامية، مثل محاربة جميع أشكال الكراهية، يجب أن تكون قضية غير حزبية.”
دخول بوتيجيج حلبة السباق الرئاسي رغم يفاعة سنه وانعدام الخبرة السياسية عنده تثير جملة تساؤلات حول الحكمة من وجوده، لا سيما وهو لا يزال يتلقى دعماً مالياً لا بأس به، تفوق فيه أحياناً على التبرعات الواردة لحملة بيرني ساندرز؛ كما يحظى بدعم قيادات الحزب الديموقراطي. وربما قد يحالفه الحظ لاختياره لمنصب نائب الرئيس.
آيمي كلوبوشار عضو مجلس الشيوخ عن ولاية منيسوتا تدرك أن فوزها بالترشيح تبدو ضئيلة إلى معدومة وتطمح أيضاً لاختيارها كنائب للرئيس في مؤتمر الحزب، لا سيما إن وقع الاختيار على بايدن أو ساندرز.
فريق الأثرياء:
مايكل بلومبيرغ، عمدة مدينة نيويورك السابق لعقد من الزمن ويبلغ 77 عاماً، تقدر ثروته 54 مليار دولار، ويعد من بين أغنى 10 أثرياء عالمياً؛ أعلن عن رفد حملته الانتخابية بـ 31 مليون دولار خصصها لإعلانات متلفزة؛ مما دفع منافسيه في الحزب الديموقراطي اتهامه بمحاولة “شراء الانتخابات؛” وهو الآتي من صفوف الحزب الجمهوري سابقاً.
اتسم عهد بلومبيرغ في بلدية نيويورك بسياسته المعادية للأقليات والمهاجرين بتطبيقه مبدأ “فتش واعتقل” للشرطة في المشتبه بهم، خلافاً للقوانين السارية التي تشترط توفر أمر قضائي لتنفيذ حملة تفتيش.
توم ستاير نال شهرته بالتبرع من ماله الخاص لتمويل محاكمة الرئيس ترامب على طريق عزله؛ موجهاً انتقادات لنفوذ كبريات الشركات في الحملات الانتخابية؛ من ضمن أولوياته السياسية التحول المناخي وآفة انتشار المخدرات بشكل غير مسبوق.
حظوظ مرشح الحزب
ضمن اللوحة الراهنة لموازين القوى في قواعد الحزب الديموقراطي، وقبل بدء إجراءات محاكمة الرئيس ترامب وإمكانية تعرية جو بايدن، فإن أفضل المرشحين للفوز في المؤتمر العام هو الثلاثي: جو بايدن، بيرني ساندرز، واليزابيث ووران؛ خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار توزيع المندوبين على الفائزين الأوائل بنسب موازية للحصيلة النهائية، وفق لوائح الحزب الديموقراطي، وذلك بخلاف لوائح الحزب الجمهوري التي تعطي الفائز الأول كافة المندوبين وإقصاء الآخرين.
محطة الانتخابات التمهيدية المقبلة في ولاية أيوا ستفرز بعض المؤشرات الأقوى على تراتبية الأوفر حظاً كونها تعتبر مقياس اختبار للرأي العام، لا سيما وأن الثلاثي المذكور يحافظ على نسبة تأييد شعبية تتراوح بين 20 – 30% لكل منهم.
المحطة الرئيسة التالية ستعقد في ولاية نيوهامبشير، 11 شباط/فبراير المقبل، التي ستفضي إلى استنتاجات تشكل بوصلة التوجه الشعبي العام والاستعداد للجائزة الأكبر، ولاية كاليفورنيا، في آذار/مارس المقبل.
من المرجح أن يحافظ بيرني ساندرز على الزخم ومنسوب التأييد الراهن ليحتل المرتبة الأولى أو الثانية بعد بايدن في المحطات الأولى. تضعضع قاعدة تأييد اليزابيث ووران ستصب في صالح بيرني ساندرز نظراً لتقاطع الخطوط المشتركة بين جمهورهما وبرامجهما، بعيداً عن بايدن.
من السابق لأوانه التكهن بما ستؤول إليه موازين القوى في المؤتمر العام للحزب، لناحية توصله لمرشح من الجولة الأولى أو اضطراره للذهاب لجولة تصويت ثانية يتخللها مناورات ووعود من الطامعين في المنصب لمراكز القوى الأساسية. واذا استمرت حالة توزع اصوات الناخبين من الحزب على عدة مرشحين رئيسيين قد لا يتم حسم مرشح الحزب الا حين عقد المؤتمر العام.
لعله من المفيد عند هذه المحطة تعداد أبرز مثالب المرشحين الثلاثة والتي ستلاحقهم لنهاية السباق الرئاسي، استناداً إلى معلومات موثقة متداولة.
بايدن سريع الانفعال وسلس الوقوع في مطبات ضارة، وقد يواجه استحقاقات “أوكرانيا غيت” قريباً.
ساندرز تم دمغه بوسم “الاشتراكي” وميله لتعزيز القطاع العام والحد من سيطرة وتغول الشركات الكبرى. المجتمع الأميركي بشكل عام مناهض للتوجهات الاشتراكية، على الرغم من أن الرئيس أوباما طبق حلولاً اشتراكية لأزمة الشركات الرأسمالية عام 2008، بضخه تمويلات من الميزانية العامة لإنقاذ صناعة السيارات والمضاربات المالية.
اليزابيث ووران وقعت في سلسلة مبالغات لسيرتها بزعمها انتمائها لأصول الأميركيين الأصليين في الجولة الانتخابية السابقة، ولا زالت تهمة التلاعب والادعاء بالنسب هذه تلاحقها ويتم استغلالها بكثافة من قبل الرئيس ترامب.