العراقيون والتحدي التاريخي
غالب قنديل
أطلقت القوى الوطنية والشعبية العراقية اليوم مليونية طرد المحتلين ودشنت معركة تاريخية لتحرير البلاد من الاحتلال الأميركي المستمر والمتجدد بطرق وأنماط متعددة جرى اعتمادها منذ ابتكار داعش على يد المخابرات الأميركية وادواتها الإقليمية والتي انبثقت في مجابهتها قوى شعبية مقاتلة كانت نواتها الفصائل الوطنية التي قاتلت الاحتلال الأميركي منذ قدومه إلى العراق عام 2003 .
هذه الفصائل الوطنية المقاومة هي التي فرضت على إدارة أوباما اتخاذ قرار الانسحاب الأول الذي تضمنته وثيقة بيكر هاملتون التي شكلتها ؟إدارة جورج دبليو بوش وقد قدمت البرهان للعراقيين على ان طريق القتال والمقاومة هو السبيل المجدي للتخلص من الهيمنة الأميركية العسكرية والسياسية والاقتصادية ومن نهبها اللصوصي لخيرات البلاد كما أثبتت فعالية خيار المقاومة في التصدي لغزوة الإرهاب والتكفير التي قادها المحتلون الأميركيون من الخلف.
اولا بعد جريمة اغتيال القائدين الكبيرين الفريق قاسم سليماني والقائد أبو مهدي المهندس كان قرار غالبية أعضاء المجلس النيابي بطلب خروج القوات الأميركية والأجنبية من العراق وهو ما كرسه رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي بطلب رسمي بناء على إرادة السلطة التشريعية العراقية ومعلوم ان عبد المهدي كان هدفا لضغوط وتهديدات اميركية انتقاما من قراره بالتوجه شرقا وتوقيعه اتفاقية تاريخية مع الصين ومن إنجازه لفتح الحدود العراقية السورية التي اغلقها المستعمر الأميركي بإحكام عن طريق وجوده العسكري وضغوطه السياسية وتهديداته في بغداد.
ثانيا عمل الأميركيون على سد الحدود واحتلوا قاعدة التنف واستهدفوا مواقع الحشد الشعبي في المناطق المحاذية لبوابات العبور المغلقة وداخل العمق العراقي بالشراكة مع العدو الصهيوني عملا بمبدأ استعماري غربي صاحب سايكس بيكو بمنع أي تواصل سوري عراقي لحماية العصابات الصهيونية التي استعمرت فلسطين من خطر نشوء جبهة شرقية مقاتلة توضع في رصيدها قدرات العراق الهائلة بشريا واقتصاديا وقتاليا ؟إلى جانب القدرات السورية الكبيرة وقد جددت تجربة داعش تلك العبرة في مراكز التخطيط الاستعماري لمستقبل المنطقة حيث كانت النتائج الهائلة لوجوه التكامل بين الجهود العراقية السورية التي سعى الأميركيون لإحباطها وإفشالها ومنعها من التطور.
ثالثا معركة تحرير العراق انطلقت اليوم بمسار تعبئة شعبية سياسية وتمهد في حال صمم المحتلون اللصوص على البقاء لانطلاق عمليات المقاومة حتى تحقيق الهدف الوطني المتمثل بإجبار الغزاة على الرحيل.
رغم المحاولات الأميركية لتحريك اكثر من جهة عميلة بهدف اعتراض هذه المسيرة الوطنية واستدراج العراق إلى اقتتال داخلي من خلال ركوب ادواته لتعبيرات الغضب الشعبي والسخط المتراكم نتيجة الضائقة المعيشية ومظاهر اللصوصية والفساد التي تعاظمت منذ قدوم الغزاة إلى بلاد الرافدين وفي رعاية اميركية كاملة دشنتها الصيغ المتعاقبة لأجهزة الحكم وقواعده الطائفية التي أرساها الحاكم الأميركي العرفي الأول بعد الغزو بول بريمر .
رابعا إن الجلاء الاستعماري العسكري من العراق هو هدف وطني عراقي اولا لأنه سيحرر الثروة النفطية العراقية الضخمة من اخطر نهب لصوصي تتعرض له منذ اكتشاف النفط في العراق وسيتيح لأي سلطة وطنية سيادية وحرة ان توظف تلك الثروة في إعادة بناء البلاد وتحسين شروط العيش وقد رسم الرئيس عبد المهدي معالم الطريق العراقي الجديد بالاتفاقية الضخمة مع الصين التي تتضمن مشاريع إعادة بناء شاملة للبنى الأساسية وللمرافق العامة بورشة شاملة توظف فيها عائدات النفط لتأسيس نواة قوة اقتصادية صاعدة ستفتح مجالات نمو وتطور هائلة امام شعب العراق وتوحي عناوين بنود الاتفاقية بتلك المعالم الواعدة لمستقبل البلاد المهيأة بثرواتها وكفاءات شبابها ان تكون قوة إقليمية وعربية كبرى.
خامسا يمثل طرد الاحتلال الأميركي نقطة تحول هائلة في مستقبل العلاقات العراقية مع سورية وإيران ولبنان وهو يؤسس لنواة تكتل اقتصادي مشرقي متحرر من الهيمنة يمكن ان يجسد تكامل الثروات والإمكانات بتعاون وثيق في الإنتاج الصناعي والزراعي وفي جهود التنمية العلمية والتكنولوجية وتأصيل الخبرات المتقدمة في جميع القطاعات الاقتصادية وبالتالي فالعراق المحرر هو فرصة أكيدة لنمو وتطور المنطقة برمتها وليس فحسب لتحقيق الفرص المنشودة للعمل المنتج والتطور الاقتصادي التي تخص العراقيين بمفردهم ومشاريع العراق الطموحة في الشراكة مع الصين تؤمن شبكات المواصلات الحديثة الداخلية والعابرة للحدود وإحياء الثروة المائية العراقية وشبكات الري وتوليد الطاقة الكهربائية والصناعات البتروكيماوية المتقدمة وغيرها الكثير وهي ورشة سوق تتطلب مئات آلاف الأيدي العاملة العراقية والعربية.
سادسا إن رحيل القوات الأميركية من العراق في حصيلة المرحلة القادمة سيمثل هزيمة قاسية للعنجهية الاستعمارية الأميركية وبادرة إحباط وضعف للكيان الصهيوني الذي استقوى بالغزو العسكري الأميركي للمنطقة لترميم هيبته المكسورة امام الردع الاستراتيجي الذي تشارك فيه قوى محور المقاومة في لبنان وسورية وفلسطين.
شكل الاحتلال الأميركي في سورية والعراق قاعدة لتوسيع دوائر النفوذ الأميركي في المنطقة ومحفزا للحروب والغزوات المباشرة وبالواسطة التي شنت في المنطقة العربية ولإخضاع الشرق العربي لتمكين منظومة الهيمنة الأميركية الصهيونية الرجعية في تثبيت مواقعها من شواطئ لبنان حتى موانئ اليمن والممرات البحرية والمضائق وسيكون صعبا على القوات الأميركية المحتلة وأذنابها من الوحدات الفرنسية والبريطانية والغربية الأطلسية ان تتمسك بمواقع احتلالها في سورية لاسيما مع تصاعد عمليات المقاومة الشعبية كما هو متوقع في المدى المنظور.
ما سطره العراقيون هو اليوم نقطة البداية في مسيرة تحرر شاملة لوطنهم وللشرق العربي كله.