بقلم ناصر قنديل

ثورة الأقنعة السوداء على طريقة غزوة الأشرفية؟: ناصر قنديل

شيئاً فشيئاً تتراجع العناوين التغييرية الراقية والوجه المدني السلمي للانتفاضة التي خرجت في 17 تشرين الأول الماضي، لصالح صورة التخريب والمولوتوف وتكسير السيارات ورشق المارة بالحجارة، وتحلّ الأقنعة السوداء محل الشباب والشابات بحضورهم المثقف والراقي، ويحتلّ المشهد الصراخ الذي يهدّد بتخريب المدينة، وتغيب صرخات الجوع والغضب على الفساد ليحضر الكلام السياسي المباشر عن رفض حكومة يساندها لون سياسي معين، وتعلَن الحرب لإسقاطها، فيما يقوم قادة قوى الرابع عشر من آذار بلحس المبرد، فيشمتون وهم يرون عاصمتهم تحترق، لأنهم يسجلون الخسائر على قائمة خصومهم، وفي سجل أحقادهم.

 

تسقط المحرّمات فيطرد الشعب من الساحات لتحتله جماعات التخريب المهزوم في سورية، بغضبها من حزب الله وإحباطها من دوره في صناعة هزيمتها، والشعب لم يطل به المقام ليكتشف أن لا مكان لأخلاقه مع مجموعة الشتامين، وأن لا قيمة لوجعه وجوعه عند الذين يسيطرون على الساحات بحسابات لا علاقة لها بآلام وأمال اللبنانيين، وبينما لا يجد الفقراء خبز يومهم، يرون الباصات تحمل الجماعات التي فشلت بإحراق سورية، ليقوموا بإحراق بيروت، ويرون التسجيلات الصوتية المصوّرة لرموز كان لها باع طويل في الحرب على سورية، وهم يكشفون قيامهم بسرقة ثورة الناس وغضبهم، ويرون هذه الرموز تلبس قناع الثورة، وهم أنفسهم أبطال قطع الطرق وإذلال الناس عليها، والسعي لإشعال الفتنة من خلالها.

بعض الجماعات المدنية الصادقة الغاضبة من الفساد والمتطلعة لدولة مدنية يحكمها القانون، تجد نفسها ضائعة في المشهد، وهي تحمل خطاباً جذرياً للتغيير وتصبّ غضبها على الطبقة السياسية والمصارف والسياسات المالية، ولا تمانع ببعض رسائل الخشونة لتظهير غضبها، فتكتشف أنها تمنح الشرعية لهذا الكم من الحقد على العاصمة ومدنيتها، وتكتشف أنها تمنح التغطية لهذا الظلم النازل بعناصر القوى الأمنية والعسكرية، الذين ليسوا إلا أبناء الشعب بالبزة العسكرية، بهدف استدراج ظلم يلحق بمتظاهرين مدنيين ربما يكون أغلبهم صادقاً في التعبير عن غضبه، واختلاط الصورة وتشوّشها لا يستفيد منه إلا الذين يحملون مشروع الفوضى، وتضيع في صخبه أصوات الشرفاء في الحراك، كما ضاع صوت الشعب قبل أن يخلي الساحات، داعياً الجماعات الصادقة لإشهار موقفها وفعل المثل لتعرية هذا المشروع الجهنمي التخريبي، وتركه يتحول إلى مشروع أمني مكشوف تتعامل معه القوى الأمنية ويتصرف تجاهه القضاء بما يمليه القانون.

في 5 شباط 2006 شهدت منطقة الأشرفية تظاهرة احتجاجية قصدت السفارة الدنماركية رفضاً لما عُرف بالرسوم الدنماركية المسيئة للرسول. وفجأة تحوّلت شوارع الأشرفية إلى خراب وحرق سيارات وتكسير واعتداء على الكرامات، وظهر لاحقاً أن جماعات تابعة لجبهة النصرة كانت تشكل العمود الفقري لتلك الغزوة التي عرفت بغزوة الأشرفية. ويذكر اللبنانيون يومها تصريحات قائد حزب القوات اللبنانية التي توجّهت لطمأنة أهالي الأشرفية ودعوتهم لعدم الخوف والقلق من هذه الجماعات، ومعاملتهم كحلفاء. ولأن الحلفاء لا يزالون حلفاء يفترض ألا يرتكب الرئيس سعد الحريري غلطة تصديق أن هؤلاء الذين يجري جلبهم إلى بيروت هم أهل طرابلس والشمال، فهم ذات جماعات غزوة الأشرفية، من بقايا جبهة النصرة التي هزمت في سورية، وأن يتذكر بأن الحرب في سورية انتهت، وأن المدينة التي تحترق هي بيروت.

لم يعد الرئيس الحريري رئيساً للحكومة، لكنه لا يزال زعيم المدينة التي تعاني أشدّ لحظاتها صعوبة، وتختلط في شوارعها جماعات الغضب من خروج الرئيس الحريري من الحكم بالجماعات التي تريد إحراق العاصمة. ومثلما ينتظر أن تغسل جماعات الحراك النظيفة يدها من هؤلاء يُسأل الرئيس الحريري عن موقفه منهم، ومثلما كان الرد على غزوة الأشرفية باللقاء الذي جمع السيد حسن نصرالله بالعماد ميشال عون، الردّ اليوم بلقاء الرئيس الحريري برئيس الحكومة حسان دياب، لعزل جماعات التخريب عن جماعات الغضب المشروع، وحماية البلد وعاصمته خصوصاً من مزيد من الفوضى السوداء المقبلة. فالرغبة بالانتقام من حزب الله إذا كانت هدفاً يتقبل الحريري جعله عنواناً للمرحلة، وإظهار فشل الحكومة الجديدة إذا كان الحريري يقبله مشروعاً له، وهما لا يليقان بمكانته وزعامته، لا يبرران التسامح مع مَن يريد إحراق العاصمة وبالتالي إحراق البلد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى