اجتماع بعبدا: المخاوف الأمنيّة المرتفعة مقابل الارتخاء السياسي: هيام القصيفي
لم يتعدّ اجتماع بعبدا الأمني الصورة التذكارية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع قادة الأجهزة الأمنية والوزراء المعنيين بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الانتفاضة الشعبية، ومع تطور الأحداث والمواجهات التي قادتها قوى الأمن الداخلي ضد المتظاهرين، والتي أدت الى إصابات بالغة في صفوفهم. أوساط سياسية مطّلعة رأت أن اجتماع بعبدا هدفه جسّ النبض قبل تشكيل الحكومة، واستطلاع الموقف الأمني من أي تحركات قد تشمل الخارجين عنها ومعارضيها، من تيار المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي والجماعة الإسلامية والوزير أشرف ريفي وكل المجموعات التي تتحرك في الشارع.
كان واضحاً منذ زيارة قائد الجيش لثكنة الحلو، على افتراض أنها تفقّد لغرفة العمليات، أن هناك رغبة في الوقوف الى جانب قوى الأمن الداخلي، بعدما تصاعدت النقمة الشعبية عليها جراء ما حصل في الحمرا ووسط بيروت. تكمن الرغبة في عدم كسر دور قوى الأمن لأسباب موضوعية تتعلق بالحاجة إليها، وخصوصاً في أدوار ومناطق حيوية، في ظل حالة الاستنفار الأمني منذ ثلاثة أشهر في الشارع. لا شك أن حجم الجريمة الأخيرة التي ارتكبت في حق المتظاهرين، شكل حافزاً لضرورة احتواء الوضع، رغم أن القوى الأمنية لا تزال تصرّ على اعتبار ما حصل أخطاء وأن تحقيقات تتم لمعرفة حقيقة الرصاص المطاطي واحتمال وقوع خطأ في اختيار نوعية الرصاص، بحسب الرواية الأمنية. لكن الواقع الأمني ليس معزولاً عن الغطاء السياسي، ولا عن الحالة الاجتماعية والمالية التي تنذر بمواجهات متجددة وعواقب وخيمة إذا استمرت على ما هي عليه.
تبدو الصورة الأمنية عبثية بالمطلق حين يتحول العنصر الأمني الذي لا يتعدى راتبه مليوناً ونصف مليون ليرة وانخفضت قيمته جراء تدني سعر الليرة الى النصف، ويفترض أنه يعيش ضغوطاً مماثلة يتعرض لها كالمتظاهرين، إلى أداة قمع بأوامر ضباطه، فيتحول عنفه مزدوجاً تجاه المتظاهر وحالته المعيشية المتدنّية معاً. لكن ذلك لا يعود مهماً، حين يتحول المشهد الأمني مدروساً لغايات سياسية، لا تأخذ في الاعتبار المعاناة الاجتماعية للعنصر الأمني أو المتظاهر. من هنا، يؤسس ما جرى في وسط بيروت والحمرا لأسئلة مشروعة وضعت على طاولة الأمنيين، لكنها لم تجد أجوبة واضحة من المراجع الرسمية. إذ بدا لافتاً حتى الآن أن التعامل الرسمي مع الأجهزة الأمنية لا يزال يتم وفق الانتماءات السياسية. وكل مرجعية رئاسية تتعامل وتنسق وتستفسر من الجهاز الأمني التابع لها، وهذا لا يزال يشكل خطراً أمنياً بالمعنى الواسع، فلم نشهد مثلاً اجتماعاً أمنياً دورياً بين رئيس الجمهورية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي المحسوب على الرئاسة الثالثة، على غرار ما يحصل مع قادة الأجهزة الآخرين. إضافة الى أنه بعد تجارب المواجهات التي بقيت مضبوطة الإيقاع، الى حين واقعة بيروت، لا يبدو أن القوى السياسية المعنية امتلكت من الشجاعة ما يجعلها تعطي أوامر واضحة للقوى الأمنية بشأن التحركات الشعبية، ما خلا موضوع قطع الطرق، ولا سيما أنها تعلم أن هناك عقبات وأسباباً داخلية وخارجية كثيرة تحول دون تطبيق أوامرها في قمع المتظاهرين، ولا سيما من جانب الجيش. حتى قوى الأمن، ستكون بعد اليوم تحت المجهر الدولي، بعدما أصبحت كل الانتهاكات موثقة أمام المحافل الدولية المختصة، وهذا يترك تداعيات سياسية وأمنية ومالية على الأجهزة وقادتها ورعاتها السياسيين أمام الرأي العام الدولي والواهبين مساعدات لها. هذا يفتح الباب أمام اجتهادات أمنية رسمية وحزبية في اتخاذ إجراءت ضد أي تحرك احتجاجي، بعيداً عن الأطر الرسمية المعروفة.
في اجتماع بعبدا، طرح الأمنيون مخاوفهم المتعلقة بغياب الحل السياسي، وسط إجماع قادة الأجهزة على أن معالجة كل ما يحصل أمنياً تتم من خلال أول خطوة سياسية بتشكيل الحكومة. وكان عرض الأمنيين متشابهاً لجهة الواقع الأمني والضغوط التي تتعرض لها المؤسسات. لكن ثمة أسئلة بقيت من دون أجوبة، من خلال عرض أمني لمستقبل الاحتجاجات: ماذا لو تطورت المشاركات الاحتجاجية، من متظاهرين مستقلين الى تظاهرات حزبية معلنة وليس تحت الطاولة كما يحصل اليوم مع بعض المشاركات الحزبية الفردية ومن دون لافتة الأحزاب الرسمية؟ وماذا لم قررت أحزاب سياسية أن تشارك رسمياً في التظاهرات الاحتجاجية، وما الموقف الذي يجب على القوى الأمنية والجيش اتخاذه، وما هي الأوامر التي ستعطى له؟ ماذا لو قررت هذه الأحزاب أن تصعّد تحركها وتشارك في كل ما يحصل في بيروت في صورة معلنة ومن دون أي التباس؟ من الأسئلة العسكرية أيضاً المتعلقة بالوجود الحزبي، ما حصل في بيت الكتائب من تراجع المتظاهرين وتجمّعهم داخله، كان السؤال المطروح: ماذا لو تكررت هذه الواقعة التي شاهدها اللبنانيون على شاشات التلفزيون، كيف تتصرف القوى الأمنية، هل يمكن ملاحقة المتظاهرين الى المقار الحزبية، وأي ارتدادات يمكن أن تحصل، ومن يتحمّل عواقب هذا الفعل؟ بقيت هذه الأسئلة من دون أجوبة، ولم تتلقّ القوى الأمنية أي تعليمات محددة. لا بل إن النقاش تفرّع إلى كيفية التعامل مع «رؤساء» مجموعات المتظاهرين، وإمكان توقيفهم، وهو ما رفضه جميع الموجودين، وإلى محدودية دور القضاء. وتعددت أوجه النقاش بشأن قدرة الأجهزة على مواجهة عودة التظاهرات بكثافة، وخصوصاً بعد الإنهاك الذي أصاب جميع القوى الأمنية، علماً بأنه جرى تبليغ المعنيين رسمياً أن عديد هذه القوى لا يكفي لتغطية شوارع العاصمة وضواحيها مهما ارتفعت درجة الاستنفار.
استطراداً، لم تقف الهواجس الأمنية عند حد الشارع ومواجهة المتظاهرين، لا بل إن الأجهزة العسكرية المختصة طرحت تحذيرات من خطرين، تطور أي مواجهات محتملة الى استخدام السلاح الفعلي، وهذا احتمال بات موضوعاً على الطاولة، وكيفية مواجهة هذا الاستحقاق، مع تعدد المجموعات واحتمال تسرّب مسلحين إليها أو تعمّد استخدام السلاح فيها لغايات معروفة. والخطر الثاني استخدام السلاح إفرادياً في خضمّ أزمة المصارف والمحروقات والمستشفيات وتأمين الدواء في الصيدليات. وهذا في عرف الأمنيين كلام ليس في الهواء أو مبالغ فيه، بل كلام جدي، وهناك مؤشرات ودلائل كثيرة عليه، في ظل وقائع معلوماتية موسعة عن الانهيار المالي والصحي والاجتماعي، تشكل منطلقاً لأي توتر أمني لا يمكن توقعه وحصره بمنطقة أو مواجهته بانتشار عسكري.
(الاخبار)