إلى الناهضين بالانتفاضة الشعبية: الشبكة الحاكمة انتهت صلاحيتها والكرة في ملعبكم…: عصام نعمان
رغم حماوة الاضطرابات وتزايد التعقيدات والتحديات يجهر المشهد السياسي بحقيقة ساطعة: لبنان، دولةً ومجتمعاً، لم يعد واقفاً على حافة الهاوية بل انزلق اليها. الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي وَقَع ولا سبيل الى الإنكار. كذلك نظام المحاصصة الطائفية تهاوى، وكان تهافته لافتاً.
وحدها الشبكة الحاكمة، بكلّ أركانها وشرائحها، ثابرت على إنكار ما حدث، وفوق ذلك وجدت نفسها، رغم تفاهم أركانها الضمني على تقاسم السلطة والنفوذ والمغانم، متعثرة في تأليف حكومة بديلة بعد مضيّ نحو شهرين على استقالة حكومة سعد الحريري، في وقتٍ عاودت جماهير الحراك الشعبي الانتفاض بقوة مضاعفة في معظم مناطق البلاد.
هل باتت الشبكة الحاكمة عاجزة عن حكم البلاد بعد الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي؟
اذا كانت الشبكة الحاكمة تثابر على إنكار مفاعيل الانهيار الشامل، فإنّ مجموعة مستقلة من الخبراء الاقتصاديين والماليين والمتخصّصين اجتمعت، بإيحاء من البنك الدولي، في أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي لمناقشة الأزمة الراهنة والخلوص الى «خطة عملٍ من عشر نقاط تهدف الى إعادة الاستقرار الاقتصادي ووضع البلاد على مسار التعافي المستدام» (جريدة «النهار» تاريخ 14 كانون الثاني / يناير2020
(.
لعلّ أهمّ من النقاط العشر المستخلصة هو إقرار واضعي خطة العمل بأنّ «الأزمة الاقتصادية هي، في جوهرها، أزمة حوكمة منبثقة من نظام طائفي يعاني من خلل بنيوي، مما حال دون صنع سياسات عقلانية، وسمح بانتشار ثقافة الفساد والهدر».
إزاء هذا الحكم المبرم، ولو مداورةً، على النظام الطائفي الفاسد من قِبل خبراء موثوقين من مؤسسة دولية غير معادية بل مساندة للشبكة الحاكمة، تنتصب أسئلة ملحّة: هل بإمكان هذه الشبكة تأليف حكومة قادرة فعلاً على مواجهة الاضطرابات والتحديات التي تعصف بلبنان؟ واذا تمكّنت من التوافق على تأليف حكومة بديلة، هل تستطيع تنفيس حراك شعبي تحوّل انتفاضة شعبية متعاظمة وشاملة كل مناطق البلاد؟ ثم مَن يضمن قبول مجلس النواب ــ وهو نتاج نظام المحاصصة الطائفية المغضوب عليه والمتهاوي ــ بتشريع الإجراءات الإصلاحية الاستثنائية التي ستطال، بقليل او كثير، أركان الشبكة الحاكمة وحلفاءهم؟
لنفترض انّ الشبكة الحاكمة أخفقت في تأليف حكومة مقتدرة، وانّ مقاليد الحكم بقيت، والحالة هذه، في عهدة حكومة تصريف الأعمال التي يمتنع رئيسها سعد الحريري عن القيام بأعباء مسؤولياتها لحين تأليف حكومة جديدة بحسب أحكام الدستور، هل يُعقل أن تبقى البلاد والعباد فريسة فوضى عارمة وأمن سائب؟
الجواب يستوجب، بادئ الأمر، إلقاء نظرة متفحّصة على المشهد السياسي بعد تصاعد حراكات الشارع في كلّ المناطق وردود فعل أهل السلطة عليها. فالانتفاضة الشعبية بدت صاعدة في حركتها وأنشطتها واتساع قاعدتها الجماهيرية وازدياد فعاليتها السياسية. في المقابل، بدت الشبكة الحاكمة منقسمة على نفسها ومتفككة وعاجزة عن تشكيل حكومة قادرة على وراثة حكومة سعد الحريري، وبالتالي عاجزة عن احتواء الانتفاضة الشعبية.
هنا وقع حدث جلل شكّل مفصلاً في أداء أهل السلطة. ذلك أن الانتفاضة صعّدت حركتها وأنشطتها في الشارع على نحو حمل أهل السلطة على مواجهتها بضراوة غير مسبوقة ما أدى الى وقوع ضحايا بشرية عديدة ومُقلقة وأضرار مادية بالغة شملت بعض المصارف في بيروت والمناطق.
إزاء كلّ هذه المفاعيل والتداعيات، بدا أهل السلطة مضطرين الى اعتماد أحد أمرين: التعجيل في إعلان حالة الطوارئ بقرار من حكومة تصريف الأعمال أو التعجيل بتأليف حكومة بديلة إذا لم يوافق رئيسها سعد الحريري على إعلان حالة الطوارئ، وذلك بغية استكمال عملية إعلانها وتنفيذها.
ما العمل؟
لا غلوّ في القول إن الكرة باتت في ملعب الانتفاضة الشعبية وقادتها. فالشبكة الحاكمة تفككت وانتهت صلاحيتها ولا يجوز ان ينتظر منها المواطنون، ثائرين او متعاطفين، حلاً أو مخرجاً؛ الأمر الذي يفرض على جماهير الانتفاضة تطهير نفسها من مأجورين ومتطرفين للثورة المضادة تسللوا إلى صفوفها، ومضاعفة ضغوطها الشعبية السلمية بغية دفع الشبكة الحاكمة، سواء نجحت في تأليف حكومة بديلة أو أخفقت، إلى تقديم التنازل الرئيس الذي يُجمع معظم الإصلاحيين والمنتفضين على الجهر بمتطلباته، وهي الآتية:
أولاً، التسليم بضرورة المسارعة الى اعتماد قانون ديمقراطي للانتخابات على أساس الدائرة الوطنية الواحدة، والتمثيل النسبي، وخفض سنّ الاقتراع الى الثامنة عشرة، وتنفيذ المادة 22 من الدستور التي تقضي بانتخاب مجلس للنواب وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف.
ثانياً، إقرار قانون الانتخابات الجديد في استفتاء شعبي لكون «الشعب هو مصدر السلطات والسيادة» (الفقرة «د» من مقدّمة الدستور) وإجراء الانتخابات خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ إقرار القانون. بذلك تُتاح للشعب، ديمقراطياً، فرصة لتكوين مجموعة نيابية قيادية متجدّدة وملتزمة مواجهة ما يكون قد تبقّى من أهل النظام الطائفي المتهاوي.
ثالثاً، تأليف حكومة وطنية نهضوية في ضوء نتائج الانتخابات تعتمد برنامجاً إصلاحياً وإعمارياً وتنموياً متكاملاً لإعادة تأسيس لبنان دولةً ووطناً.
أهداف طموحة، أليس كذلك؟
نعم، هي طموحة وشديدة الطموح، ولمَ لا؟ إنّ تحرير الأوطان والدول وبناءها يتطلبان قادة ومناضلين شديدي الطموح والشجاعة. ولعلنا، في هذا المجال، نستعير نداء ديغول في حثّه مواطنيه على تحرير فرنسا من الاحتلال النازي الألماني إبّان الحرب العالمية الثانية بقوله: «تعقّلوا وناضلوا لإنجاز التحرير كالمجانين»…
مرحى لمجانين الانتفاضة.
(البناء)