العراق بيضة القبان وروسيا خشبة الخلاص: ناصر قنديل
– بتوازن الخيارات المتاحة أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل بلوغ ساعات الذروة في الحمى الانتخابية، إذا حُشر بين خيارين لا ثالث لهما هما الحرب الشاملة أو الانسحاب العسكري من المنطقة لا يبدو ثمّة شك أن خيار الانسحاب هو الذي سيفوز، لكنه ليس الخيار المفضل إذا توافرت الفرصة بين خيارين آخرين الانسحاب أو التساكن مع مناخ تفاوضي ساخن
نحو استيلاد تسوية. فإن الرهان الأميركي سيكون طاغياً لحساب خيار التفاوض الساخن نحو تسوية مع إيران، ولأن الأمر يتوقف هنا على الجواب الإيراني أولاً بالاستعداد لخوض خيار التساكن التفاوضي نحو تسوية، فإن إيران ستظهر يوماً بعد يوم المزيد من الرسائل التي تؤكد أن باب التفاوض مقفل إلا على الانسحاب، الذي يمكن أن يشكل في حال حدوثه باباً لتفاوض لاحق على ما سواه، بينما ستجهد واشنطن لقراءة هذه الرسائل بصفتها تعبيراً عن التساكن التفاوضي الساخن.
– بين هذين المنهجين المتصاعدين يبدو العراق بيضة القبان في قول الكلمة الفصل. وتنطلق إيران من أوراق قوة يصعب نزعها من يدها؛ الأولى هي قرار البرلمان العراقي بالطلب إلى الحكومة اتخاذ الإجراءات التي تنتهي بانسحاب القوات الأميركية من العراق، مع وجود رئيس حكومة مؤمن بهذا الخيار ومستعد لملاحقته تنفيذياً بكل ما يستدعي قانونياً ودبلوماسياً، في ظل استعصاء استيلاد حكومة عراقية جديدة، واستحالة إجراء انتخابات نيابية تغير التوازنات تسبق تشكيل حكومة جديدة، وقدرة واشنطن على التصدّي لمطالبة شرعية دستورية عراقية بإجلاء قواتها عن أراضيها محدودة، ولا تغطيها الكلمات المنمّقة عن الحرب على داعش؛ أما الثانية فهي بقاء اغتيال القائد الأول في الحشد الشعبي العراقي وفصائل المقاومة دون ردّ، والتزام قوى الحشد والمقاومة بالانتقام، وبالتالي وجود أرضية كافية لمشروعية استهداف القوات الأميركية في العراق، سواء كترجمة لرفض الأميركي ترجمة قرار سيادي عراقي وتحوّل قواته إلى قوات احتلال، أو كتعبير عن قرار الردّ على اغتيال المهندس. وهنا سيكون على أميركا أن تتساكن مع هذه المواجهة القاسية وتفقد الكثير معنوياً وسياسياً مع سقوط القتلى والجرحى بين صفوفها أو أن تختار الرد على إيران كما وعدت إذا تعرّضت للأذى على يد قوى المقاومة فتعود إلى مربع الحرب التي تسعى لتفاديها. والثالثة وجود إجماع عراقي على تجنيب العراق التحوّل إلى ساحة للمواجهة الإيرانية الأميركية. وهنا يملك العراقيون إلتزاماً إيرانياً بتجنيب العراق هذا الخطر إذا تم الانسحاب الأميركي من العراق، طالما أن العدوان الأميركي على إيران بقتل أحد أبرز قادتها قد تمّ في العراق في ظلال التغطية القانونية العراقية للوجود الأميركي العسكري، بينما القائد الإيراني كان ضيفاً رسمياً للعراق وحكومته ومستشاراً معتمداً لدى رئيس حكومتها بصفته قائد قواتها المسلحة. – يوماً بعد يوم ستقترب الساعة التي يتحقق فيها الأميركي من استحالة إحياء التفاوض إلا حول الانسحاب من المنطقة، وسيبدأ التفكير بين خيارين وحيدين هما الحرب التي تتصاعد مؤشراتها واحتمالاتها، ومخاطر الانزلاق إليها، والانسحاب الذي سيبدأ البحث الأميركي باعتبار فرصة حصره بالعراق وسورية نتيجة مناسبة لتحديد الخسائر. وقد بات وجوده بلا تغطية قانونية من حكومتي البلدين بعد تحوّل وضعه في العراق إلى مايشبه وضعه في سورية، من الزاويتين القانونية والعملية، بعكس الحال في دول الخليج حيث يحظى بتغطية قانونية وشرعية ويحظى بتعاون وربما تبعية الحكومات. وفي منتصف الطريق ستلمع فكرة التوجّه نحو موسكو كخشبة خلاص متاحة لمنع التمدد الإيراني، وتخرج التنظيرات التي تتحدّث عن خلاف روسي إيراني على النفوذ، وعن فرصة أميركية لتوريط روسيا بخوض المواجهة مع إيران. وهذا كلام يسهل تسويق قرار الانسحاب لدى الإسرائيليين، والقول لهم تفاهموا مع أصدقائكم الروس، رغم اليقين الأميركي بوجود تقاسم أدوار روسي إيراني منذ معركة تحرير حلب على دور المطرقة والسندان.