الإعلام الأميركي: اغتيال سليماني سيكلّفنا كثيرًا
أثارت عملية اغتيال الولايات المتحدة لقائد قوة القدس في حرس الثورة الإسلامي اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في العراق “زوبعة” من الانتقادات لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وسائل الإعلام الغربية، أجمعت على أنها ستكلف واشنطن ثمنًا أكبر من خسارة سليماني بالنسبة لإيران، ورأت أن الأخيرة ستحول الخسارة إلى مكسب استراتيجي، وأن العملية ستخلّف أضرارًا جانبية لدى أميركا أكثر مما قدّر ترامب.
الكاتب الأميركي هانتر دي رينتس تناول عملية اغتيال قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني، موضحا في مقالة نشرتها مجلة “ذا أميريكان كونزيرفاتف” أن العملية لا تقلّ عن إعلان حرب مفتوحة بين القوى المتحالفة مع أميركا وتلك المتحالفة مع إيران في العراق.
وأشار الكاتب إلى مشاركة حوالي 400 مواطن أميركي في تظاهرات أمام البيت الأبيض يوم السبت الماضي، احتجاجا على التصعيد الأميركي ضد إيران، ولفت إلى تظاهرات متزامنة جرت في أكثر من سبعين مدينة أميركية أخرى، ورأى أنه على الرغم من أن المتظاهرين هم من المعسكر التقدمي، إلا أن منظمي التظاهرات أعربوا عن استعدادهم لكسر الحواجز السياسية من أجل الوصول إلى السلام.
وشدد الكاتب على ضرورة أن تتحالف قاعدة الحزب الجمهوري مع معسكر التقدميين رفضا للحرب مع إيران، معتبرا في الوقت نفسه أن الرئيس الأميركدي دونالد ترامب تبنى حلم المحافظين الجدد بالذهاب إلى الحرب مع إيران.
الكاتب أشار إلى أنه سبق وأن اتخذ الأميركيون من معسكري اليمين واليسار موقفا موحدا رفضا للحرب، وذلك عام 2013 عندما كانت إدارة الرئيس السابق باراك أباما مستعدة لتغيير النظام في سوريا، ولفت إلى أن المواطنين الأميركيين وقتها وجهوا رسالة واضحة مفادها أنهم لا يريدون أن يروا الجنود الأميركيين يُقتلون كي تقوم الحكومة الأميركية بوضع أشخاص مثل أبو محمد الجولاني في الحكم في دمشق.
ورأى الكاتب أن على الجمهوريين الرافضين للتدخلات العسكرية أن يضعوا الانتماء الحزبي جانبا عندما يريد رئيس أميركي بدء حرب غير دستورية وغير أخلاقية، مشددًا على أن ثمن اغتيال سليماني سيكون أكثر مما تتوقع واشنطن.
عملية اغتيال قائد قوة القدس في حرس الثورة الإسلامي قاسم سليماني تناولها أيضا كل من الدبلوماسي الأميركي السابق الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية خلال حقبة أوباما ويليام بيرنز وجاك سوليفان، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وذلك في مقالة نشرتها مجلة “ذي أتلانتك”، قالا فيها إن إيران تملك استراتيجية خلافا لإدارة ترامب.
وأضاف الكاتبان إن إيران تربط الغايات بالأهداف وتُفقد الأعداء توازنهم (بما في ذلك أميركا)، وأنها تبقي أعداءها خارج جوارها، ورجحا أن تكون الأضرار الجانبية لاغتيال اللواء سليماني أكثر مما كانت تحتسب إدارة ترامب.
وأوضح الكاتبان أن من بين الأضرار الجانبية توحيد الصفوف أكثر داخل إيران وتزايد الخطر على الجيش الأميركي في العراق، وأشارا إلى دعوة البرلمان العراقي لانسحاب القوات الأميركية، كما تحدثا في السياق نفسه عن انتهاء الاتفاق النووي وانتهاء العمل الدبلوماسي عموما بين أميركا وإيران.
وشدد الكاتبان على أن كل ذلك سيكلف الولايات المتحدة ثمنا أكبر بكثير من ثمن مقتل سليماني بالنسبة لإيران، وأضافا أن سليماني جراء وفاته ربما سيقوم بآخر عمل ثأري له ضد الولايات المتحدة.
وحول الاتفاق النووي، اعتبر الكاتبان أن السؤال هو فقط حول الطريقة التي سينهار فيها الاتفاق وسرعة انهياره. أما على صعيد المنطقة فقال الكاتبان إن طهران ستقوم بكل ما في وسعها من أجل جعل الوجود العسكري الأميركي في العراق غير قابل للاستمرار على الصعيد العملي والسياسي.
وفي الوقت نفسه، شدد الكاتبان على أن قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي والدبلوماسية القسرية التي يمارسها أوصلا الأمور إلى ما هي عليه اليوم، كما أردفا أن الانسحاب من الاتفاق النووي من دون دليل على قيام إيران بانتهاكه أدى إلى التصعيد وسياسة حافة الهاوية، وأضافا أن ترامب سرّع من وتيرة هذه العملية من خلال التبجح والضغوط القصوى، وقالا في الوقت نفسه إن هذا التصعيد لا يستند إلى أهداف واقعية أو بصيرة.
وفيما قال الكاتبان إن إدارة ترامب ليست الإدارة الأميركية الاولى التي تتبنى التفكير السحري في الشرق الاوسط، إلا أنهما اعتبرا أن التناقضات في مقاربة إدارة ترامب حددت معيارا جديدا، كما أضافا أن ترامب جاء إلى الحكم وهو يتوعد بتقويض تمدد إيران الاقليمي والحصول على اتفاق نووي “أفضل”، تزامنا مع تقليص الوجود العسكري الأميركي في المنطقة ورفض الدبلوماسية الموثوقة.
وتابع الكاتبان أن هذه الأهداف لم تصبح بعيدة المنال أكثر فحسب مقارنة مع ما كان الوضع عليه قبل ثلاث سنوات عند مجيء ترامب إلى الحكم، بل إن الولايات المتحدة أصبحت معرضة أكثر لمخاطر الصراع المتصاعد مع إيران وانعدام الأمن في الشرق الأوسط.
الكاتبان خلصا الى أن الحكمة من اللجوء إلى أساليب معينة على غرار اغتيال سليماني مرهونة بالنتائج الاستراتيجية، وخلصا إلى أن اميركا تدخل مأساة تسببت هي بإيجادها، كما توقعا أن تستفيد إيران وأن تحول خسارة سليماني إلى مكسب على الامد الطويل.