الأميركي يعرف التناقض الرئيسي !
غالب قنديل
يعيش الشرق العربي خضات لا تنتهي منذ دحر غزوة داعش التي قدر لها المخططون الأميركيون أن تعيش عشرين عاما على الأقل عبر إدامة طواحين الدم وتدمير صروح الحياة وخطف فرص النمو والتحرر والتقدم وكسر إرادة المقاومة والتحرر فتجدد الهيمنة الاستعمارية وتعزز فرص النهب اللصوصي للثروات والأسواق وتمنع أي حركة عابرة للحدود اقتصاديا وسياسيا.
كان المطلوب ايهام العراقيين بأن الاحتلال الأميركي حاجة وضرورة حياة في مجابهة التوحش التكفيري الذي رعا الغزاة الأميركيون والصهاينة في الشرق العربي بذرته منذ البداية وقدموا له كل مساندة ممكنة مخابراتيا وإعلاميا وعسكريا كما برهنت بوضوح المعارك السورية لتصفية بؤر الإرهاب في تخوم الجولان المحتل وقد أراد المستعمرون برعاية داعش والقاعدة وبحشودهما متعددة الجنسيات التي استقدموها من جميع أصقاع الأرض أن يعوضوا انكسار التفوق الصهيوني أمام المقاومة في لبنان وفلسطين والقلعة السورية التحررية وليمنعوا بواسطة فصائل التكفير والتوحش أي بوادر محتملة للوحدة السياسية الجغرافية والاقتصادية والنضالية لبلدان الشرق كما منعوها من قبل بجحافل المهاجرين والمستوطنين الصهاينة.
بلدان المنطقة المصطلح على تسميتها بمحور المقاومة هي المستهدفة وهذا المحور هو قلب الاستهداف وقد خاض بجميع اطرافه مجابهات بطولية ضد فصائل التكفير بمعونةالشريك الإيراني والحليف الروسي حتى نجت سورية والعراق ولبنان من دوامة المذابح.
كان الحشد الشعبي العراقي بفصائله ثمرة الصمود والمقاومة العراقية في مجابهة الغزوة الداعشية وقد سعى الأميركيون بكل ما لديهم من قوة لاعتراض نمو هذه الظاهرة التي أثارت خشيتهم من محاكاة نموذج حزب الله التحرري في لبنان بقوة شعبية مقاتلة مناهضة للهيمنة تدعمها إيران وهي شاركت في القتال إلى جانب الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية وفصائل يمنية مقاتلة في معمودية مشتركة للمحور على الأرض السورية بدعم من إيران التي كانت السند الأهم لجبهة القوى التي قاومت غزوة التكفير الأميركية الصهيونية وهزمتها وشتت قواها.
يعرف المحتل الأميركي المتغطرس من هم خصومه الفعليون في المنطقة ويدرك أن تناقضه الرئيسي هو مع كل نواة للتحرر الوطني وأي مجموعة مقاتلة تتبنى المقاومة كطريق للتخلص من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية بغض النظر عن اليافطات والهويات السياسية والعقائدية ومثل أي قوة استعمارية يعتلم الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون في منطقتنا مصادر الخطر الحقيقي الذي قد يهدد الهيمنة وعملاءها وأدواتها الاقتصادية والسياسية والثقافية وهم يعرفون بالضبط كيف يسخرون جهدهم وإمكاناتهم واختراقاتهم السياسية والأمنية والثقافية والأكاديمية في بلداننا لمحاصرة أنوية المقاومة والتحرر ولاستنزافها ولتطويق سندها الشعبي وحاضنها السياسي الاجتماعي واستنزافه بحملات الشيطنة.
انكشفت بالغارة الأميركية التي دمرت معسكرا للحشد الشعبي وجهة الاستثمار الاستعماري الغربي في الثورة العراقية الملونة التي تم تحريكها واقعيا وافتراضيا تحت شعارات مكافحة الفساد وحصاد شيطنة الحشد وعمليات التحريض الواسعة ضد فصائله وغارات إحراق القنصليات الإيرانية فالمهم هو صرف انتباه العراقيين عن أولوية التخلص من الاحتلال الأميركي واللصوصية الأميركية التي استظلها في الباطن فساد النخب العراقية التي استجلبت من المنافي برعاية المحتلين الغزاة وعلى متن دباباتهم واشتقت عنها صيغ الحكم الجديد وبرز بقوة سر الاستهداف المنهجي لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي أرغم على الاستقالة لأنه امتلك شجاعة الاتفاق مع الصين وربط العراق بمبادرة الطريق والحزام وفتح الحدود مع سورية وهذا ما يناقض هدفا محوريا حاسما للغزوة الاستعمارية التي أنشأت بقواعد الاحتلال في العراق نقاط ارتكاز تتصل بمستقبل المنطقة برمتها.
يتلون النفوذ الأميركي الغربي ويتكيف بمنوعات محلية متعددة لحماية الهيمنة ولتجديدها فالمهم إدامة النهب اللصوصي بكل شكل ممكن وعرقلة احتمالات نهوض مقاومة شعبية تحررية والعدو الرئيسي هو انوية تلك المقاومة في جميع بلدان المنطقة وهنا جوهر التناقض الرئيسي الذي يعيه الأميركي ويدركه بقوة ولذلك يتركز جهد المخططين على استنزاف الدولة الوطنية السورية وتطويقها بالحصار والعقوبات لمنع نهوضها وتأخير اكتمال انتصارها وعلى مواصلة تشديد العقوبات ضد إيران التي قهرت خطط الإخضاع الأميركية وانتقلت بشراكتها مع روسيا والصين إلى مستوى جديد بنواة حلف عسكري دفاعي أشهرته بفعل مباشر يهدد سطوة الأسطول الأميركي في المحيط الهندي وبحر عمان وعموم منطقة الخليج وضمن السياق نفسه كانت الخطط الأميركية في لبنان والعراق.
للأسباب ذاتها يستهدف حزب الله في لبنان مع حلفائه السياسيين في السلطة ومن خارجها فالمهم تطويق إرادة التحرر والمقاومة وخنقها بتجريدها من الاحتضان الشعبي والسياسي ووجهة توظيف الثورة الملونة في لبنان واضحة بكونها اداة لخلط الأوراق ولمحاولة فرض حصار سياسي على المقاومة كخيار تحرري سيادي يعيق استمرار الوصاية الأميركية واستحواذها على القرار السياسي اللبناني.
الغارة العسكرية الأميركية على الحدود العراقية السورية تدل على وجهة التناقض الرئيسي بين محور المقاومة مجتمعا والاحتلال الأميركي في العراق وسورية وهو التناقض الذي يعرفه الأميركي جيدا وينبغي تحصين الوعي الشعبي لحقيقته وتعبئة الجهود في مجابهة ما يطرحه من تحديات.
الرد المتوجب على الجريمة الأميركية ليس موضعيا فحسب بل هو إطلاق سياق جديد من المبادرة الدفاعية الشاملة بتطوير المقاومة الشعبية العراقية والسورية لاقتلاع القواعد الأميركية وتحويل يومياتها على أرضنا العربية إلى جحيم لا يتوقف ولتكن بداية مستحقة لمسيرة المقاومة العربية التحررية العابرة للحدود ولوحدة كفاحها التي كانت هي الطريق لكسر غزوة داعش الأميركية الصهيونية.