مقالات مختارة

بؤس التذاكي: بشارة مرهج

بعد الاجتماع الذي عقده مع لجنة المال والموازنة يوم الخميس الماضي بحضور وزير المالية بتاريخ 26/12/2019 وعد حاكم البنك المركزي بالتحقق من كلّ التحويلات التي حصلت عام 2019، مضيفاً «انّ الناس لديها الحرية في التصرّف بأموالها، أما إذا كانت هناك أموال مشبوهة فنستطيع ان نحصل على المعلومات اللازمة بشأنها».

 

      بمعنى آخر الحاكم ينكر معرفته بتحويلات ضخمة قام بها نافذون من أصحاب المصارف وسياسيون وسواهم، مع أنّ  موقعه الرسمي يخوّله معرفة هذا الأمر. لكنه كما يظهر يُؤثِر الإنكار حتى لا يُسأل بالتالي عن حجم هذه الأموال وعن أسماء أصحابها وعن الذين تواطأوا معهم من مدراء في المصارف والبنك المركزي (خاصة لجنة الرقابة على المصارف) فيضطر حينئذ إلى استعادة هذه الأموال ومساءلة كلّ الذين شاركوا في هذه العمليات المشبوهة وكأنّ شيئاً لم يكن، وحيث كبار المتموّلين  – كالعادة  – يتمتعون بامتيازات خاصة تمكّنهم من سحب ملايين الدولارات وتحويلها من وراء مكاتبهم معززين مكرّمين، في حين لا يستطيع المودعون سحب بضع مئات من الدولارات إلا بشقّ النفس وإراقة ماء الوجه.

وعندما ينكر الحاكم هذا الأمر، فكأنه يبرّر مسبقاً هذه العمليات التي تخطت تدابير المصارف، تلك التدابير التي طعنت في الصميم ثقة الجمهور في هذا القطاع المصرفي الذي بات اليوم بأشدّ الحاجة إلى الاعتراف بالحقائق واعتماد الشفافية واحترام عقول الناس كمقدّمة لاستعادة مكانته ودوره.

      أما القول بأنّ التدابير التي اتخذتها المصارف والبنك المركزي هدفها حماية حقوق المودعين، فهذا أمر مشكوك فيه لأنّ المودعين أصيبوا بخسارات فادحة لن يتمكّنوا إطلاقاً من تعويضها في المستقبل وباتوا أسرى القلق والخوف على ما تبقى لهم بسبب سياسات خاطئة واستثمارات فاشلة وتسليفات مشبوهة سمحت للأقرباء والأتباع والنافذين أن يغرفوا من أموال المودعين دون ضمانات مالية أو عينية مقابلة تماماً كما حصل في عمليات دمج المصارف والهندسات المالية، وكلّ ما يتصل بالتمييز الفاضح بين المودعين.

 إنّ هذا الانحياز من جانب الحاكم وأصحاب المصارف لطبقة الواحد بالمئة هو السبب الرئيسي في  تراجع الثقة بالقطاع المصرفي. ولا عودة لهذه الثقة إلى سابق عهدها إلا بردّ الأموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين واعتماد قيم الحقيقة والشفافية والعدالة، مهما كانت النتائج مؤلمة. أما الاستمرار في التذاكي وخداع الناس فمآله الفشل والخذلان.

      وبعد، كنا نأمل من لجنة المال والموازنة مناقشة الحاكم بجرأة ومسؤولية بغية الحصول على أجوبة صريحة منه حول الهندسات المالية والتدابير المصرفيّة الأخيرة، ولكن بعد انتهاء الجلسة وبعد الاستماع إلى الحاكم – الذي يعرف ولا يعرف – ازداد منسوب الغموض بدلاً من أن يزداد منسوب المعرفة. والله أعلم ما في الصدور.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى