مقالات مختارة

عون ربح الجولة ضد الحريري، فماذا عن الحراك؟ سامي كليب

 بدا رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في كملته اليوم في قداس الميلاد، واثقا من نفسه الى درجة الاستهزاء من الرئيس سعد الحريري ووصفه إياه بزهرة ” المارغريتا ” متهما اياه بالتردد بين النعم واللا في قبوله رئاسة الحكومة لأكثر من ١٠٠ يوم. وكان رئيس الحكومة المُكلّف د. حسان دياب أيضا قد أعرب عن ثقة كبيرة بالنفس وشدّد على استقلالية قراراته وعلى ان الحكومة ستكون من اختصاصيين تماما كما أشار عون اليوم.  فماذا تغيَّر؟

 

الواضح أن السرعة في تكليف حسان دياب، سمحت للرئيس عون بسحب البساط من تحت اقدام الحريري، رغم ان رئيس تيار المستقبل كان يحظى بإجماع معظم الطبقة السياسية، ويتمتع بقاعدة شعبية جيدة. فالعلاقة التي توترت جدا بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل كادت تُعيق كل شيء، وتضيِّق الخناق على الرئيس الذي أشار امام زواره الى أنه قد لا يتردد في ترك منصبه كخيار أخير إذا ما سُدّت كل الأبواب ورفض الجميع انقاذ الوطن. كان هذا التهديد على الأرجح تعبيرا عن غضبٍ واشارةً الى الحلفاء المتمسكين بالحريري، اكثر مما هو قرار قابل للتنفيذ.

الواضح ثانيا أن زيارة المبعوث الأميركي الى لبنان دافيد هايل، كشفت أن واشنطن ليست معترضة على شخص الرئيس دياب ( وهو النائب السابق لرئيس الجامعة الاميركية)، وليست متمسكة بالحريري بعد ان اسقط خصومها و” حلفاؤها” خيار نوّاف سلام، وانما هي تنتظر شكل وبرنامج الحكومة كي تأخذ موقفا، ويبدو ان الشكل والبرنامج سيكونان مرنين لدرجة جذب الدول الغربية مجددا صوب لبنان، او على الأقل عدم اثارتها.

الواضح ثالثا ان الثنائي الشيعي وحلفاءه الذي بقي حتى اللحظة الأخيرة يسعى لإقناع الحريري بالبقاء، قرّر بعد رفض الأخير كل المغريات بما فيها ” لبن العصفور” الذي اقترحه بري، إعطاء كل التسهيلات الممكنة لحسان دياب، حتى ولو ان بعض هذه التسهيلات جاءت على حسابهما، ذلك ان لبنان بحاجة الى إنعاش اقتصادي ومالي سريع كي لا يفقد الحياة بعد الانهيار الذي وضعه في حالة غيبوبة اقتصادية قاتلة.

 الواضح رابعا، ان حركة الشارع المؤيدة للرئيس الحريري، أثرت سلبا على الحراك، ذلك أنها اعادت الى الاذهان المشاعر المذهبية، وافقدت الشارع جزءا من جمال تآلفه العابر فوق الطوائف. وكان قد سبقها الى ذلك ايضا الهجمات التي رفعت شعارات مذهبية أخرى ضد المتظاهرين، فاذا بالشارع يقدّم صورا سنية وشيعية ومسيحية تتناقض تماما مع الشعارات الوطنية التي رفعها الحراك.

الواضح خامسا: انه بعد استيعاب السلطة لصدمة الحراك الذي عمّ مختلف الأراضي اللبنانية، وبعدما تبيّن ان ثمة حراكات داخل الحراك، وان التناقضات الكبيرة تمنع تشكيل قيادة موحدة رغم الاوراق السياسية والاقتصادية المهمة التي انتشرت تحت بعض الخيم، انتقلت السلطة الآن الى مرحلة انهاء الحراك عبر مسارين: الاول من خلال تبني عدد مهم من مطالبه (وهذا أمر جيد) والثاني من خلال استغلال ما حصل مؤخرا في الشوارع والقول بأن الأمن بات مهددا وانه لا بد من اتخاذ إجراءات امنية عاجلة لمنع أي تهديد من الشارع.

يستطيع الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف دياب الاستمرار في ربح المعركة في حالتين : أولا تقديم حكومة تُلبي فعلا مطالب الناس وتحظى بغطاء سياسي جيد، وثانيا تضمين برامجها أبرز مطالب الحراك والمباشرة بتطبيق ما يمكن تطبيقه. ثم انهما بعد تشكيل الحكومة سيكونان أكثر حزما في الطلب من قوى الأمن والجيش التحرك في الشارع ضد قاطعي الطرق والزعران.

يستطيع الحراك من جانبه الاستمرار بالتأثير في حالتين: أن يستجمع شتاته بغية تقديم برنامج موحد وواضح ويطمئن الخائفين من الحراك، وتشكيل قوة ضاغطة ودائمة تستطيع النزول الى الشارع حين ترى أن الإصلاحات بقيت حبرا على ورق ولم يطبق منها أي شيء. وثمة استعدادات الآن للنزول بقوة اكبر الى الشارع في حال لم تقنع الحكومة وبرنامجها الناس، لذلك من المهم بالنسبة للرئيس ورئيس الحكومة تفادي ذلك عبر برنامج حكومي واضح ووزراء موثوقين.

لا شك ان الحريري الذي فقد جزءا من المناورة حاليا، يستطيع الاستمرار بتحريك بعض الشارع المؤيد له، لكن هذا يفترض غطاء سعوديا واميركيا ويفترض كذلك تحالفات داخلية قوية. يبدو ان كل ذلك مفقود في الوقت الراهن (يكفي ان ننظر مثلا الى موقفي سمير جعجع ووليد جنبلاط حياله)، فهو وباختصار تعرّض للهجر من قبل الحلفاء في الداخل وللتجاهل من قبل الرياض، وللمساومة من قبل واشنطن الراغبة عاجلا او آجلا في العودة الى التفاوض مع طهران.

لكن يبقى السؤال الأهم: إذا ربح الرئيس عون هذه الجولة ما يعني أيضا ربحا لحليفه الشيعي الأبرز، فهل سيقبل الغرب تسهيل المساعدات الاقتصادية؟

كل ذلك يتعلق طبعا بما هو خارج لبنان، أي بمدى تقارب وتناقض إيران وأميركا في ما بقي من وقت قبل الانتخابات الاميركية. المهم الآن تمرير الوقت بحكومة ترضي الحراك ولا تغضب الخارج. وهذا يبدو ان الرئيس عون والرئيس دياب مقبلان عليه، الا اذا حصلت مفاجآت طبعا.

لو سارت الأمور على هذا النحو، فهذا يعني حتما، ان ثمة شيئا إيجابيا للعهد حصل في خلال اجتماع المبعوث الاميركي مع الوزير جبران باسيل على ضوء تطورات المنطقة. يبدو من خلال كلام وتسريبات المناهضين الدائمين للرئيس عون، انهم يشعرون بخذلان أميركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى