بقلم ناصر قنديل

ليس مطلوباً تمثيل الحراك في الحكومة: ناصر قنديل

كل مَن كان يتابع منذ بداية الحراك الشعبي الذي خرج بمئات الآلاف دون الدخول في لعبة الأرقام، يعبّر عن إرادة جامعة للبنانيين بعبور الطائفية نحو ما هو جامع بينهم في فكرة الدولة، أي إدارة الشأن العام الذي يصير بتفاصيله اليومية شأناً شخصياً لكل منهم، بعدما خبروا الإدارة الطائفية ولمسوا وتحققوا من أنها لم تجلب لهم إلا التراجع والفشل، ورأوا ثروات بلدهم منهوبة من فاسدين يحتمون بالطائفية. وعبّروا عن تطلعهم البسيط لدولة تدير شؤونهم كمواطنين، وتتناول قضاياهم وهمومهم واهتماماتهم، كان بمستطاع هذا المتابع أن يلاحظ أن هناك مجموعة من الناشطين تساندهم وسائل إعلامية نافذة، يتصرفون على قاعدة أن ما يجري هو ثورة ستطيح بالنظام السياسي ورموزه وتؤسس لنظام جديد مدني قائم على الشفافية تجاه المال العام ويبني مرتكزات ازدهار من نوع مختلف، وكان واضحاً أن هؤلاء يرفضون كل نقاش لهم حول كيفيات بلوغ هذا الهدف ويعتبرونه تشكيكاً بصدق “الثورة”، ويرفضون أي أسئلة حول وجهة التعامل مع قضايا سياسية بحجم الموقف من مسألة السيادة الوطنية بشقيها المتصلين بالنظر إلى التعامل مع السياسات الأميركية، أو موقع المقاومة وحمايتها من الاستهداف. وكانت هذه المجموعة التي تولت رسم الشعارات والآليات الضاغطة لتحقيقها، قد وضعت شعار استقالة الحكومة والضغط عبر قطع الطرقات ثنائية لرؤيتها التي تسببت بخلاف مع المجموعات الموازية التي رأت في الحراك فرصة تاريخية يجب ألا تضيع وعبّرت عن الخشية من إدخال الحراك في زواريب التوظيف السياسي الداخلي والخارجي، خصوصاً من بوابتي الدعوة لاستقالة الحكومة والسير بالدفاع عن منهجية قطع الطرقات.

 

جاءت استقالة الرئيس سعد الحريري وما رافقها من توظيف للحراك في التفاوض على تسمية رئيس مكلّف، وتحوّل قطع الطرقات إلى إنتاج شبح حرب أهلية، وبقي عناد القيّمين على الساحات عند التمسك بأن “الثورة” تسير في الطريق المرسوم لها نحو النصر، وأن ما بعد استقالة رئيس الحكومة وتعطيل التشريع، سيكون المسار متواصلاً لمزيد من الزخم نحو فرض حكومة برئاسة تفتح الباب لانتخابات مبكرة، وتم توظيف الضغط بقطع الطرقات والساحات لحساب إلزام رئيس الجمهورية بتسريع الاستشارات النيابية، رغم كون المطلب توظيفاً للحراك في تعزيز الوضع التفاوضي للرئيس الحريري. وعندما تمّ تحديد موعد الاستشارات وطلب الرئيس الحريري تأجيلها، لم يبدِ القيمون على الساحات أي رد فعل، وعندما تمّت تسمية الرئيس المكلف الدكتور حسان دياب، سارع القيّمون على الساحات إلى رفع البطاقة الحمراء، وكانوا كتفاً إلى كتف وقدماً جنب قدم، مع جماعات تيار المستقبل التي خرجت تنادي بالتمسك بالتمثيل الطائفي للرئيس الحريري، حتى ضاعت الفوارق في التجمعات وقطع الطرقات بين الحراك والجمهور المستقبلي المسمّى سلطوياً من الحراك، وصارت “كلن يعني كلن” مذيّلة بجملة “والحريري مش منن”. هذا علماً ان الرئيس المكلف يلاقي دفتر الشروط الذي طرحه القيّمون على الساحات في توصيفهم للرئيس العتيد، وإذ بهم يقولون إن الذي تسمّيه الطبقة الفاسدة فاسد مثلها، وهم مَن كانوا يطلبون أن تأتي التسمية من النواب وفقاً للدستور ويستعجلونها.

– لم يُصغِ القيّمون على الساحات لكل دعوات التفكر بما فعلوه، وردّوا على كل انتقاد بصفته تهجماً على “الثورة” ودفاعاً عن السلطة الفاسدة. وربما يكون هذا حقهم ما دام الشعب يُصغي لهم ويلبّي دعواتهم، فيثقون بأنهم على حق، لكن هل يسمع القيّمون على الحراك صوت الشعب ويُصغون لموقفه العملي منذ تسمية الرئيس المكلّف، والصوت يقول بوضوح مع دعوة القيّمين على الساحات لمليونية الأحد رفضاً لتكليف الرئيس دياب، أن هؤلاء الذين أمسكوا بالشارع لأكثر من ستين يوماً، يخسرون ثقة الشعب، فالحضور في مليونية الأحد اقتصر على بضع مئات من الناشطين ومعهم آلاف من مناصري تيار المستقبل جاؤوا من منطقة الشمال ليهتفوا للرئيس الحريري، وتكرّر صوت الشعب ثانية مع الدعوة لعشاء ميلادي في ساحة الشهداء بقيت كراسيه فارغة وهي بالمئات فقط، في بلد يجوع فيه الناس، فهل هذا كافٍ للاستنتاج أن مرحلة تنتهي ومرحلة تبدأ؟ – الخلاصة التي يجب التأكيد عليها أن شعار تمثيل الحراك في الحكومة الجديدة، بما يعنيه من تمثيل الجماعات المنظمة والتي تمسك بالساحات هو خطأ سياسي جسيم، بإعادة تتويج هذه الجماعات التي فشلت في إدارة أعظم تعبير شعبي في تاريخ لبنان، وقال الشعب رأيه فيها، وفرضها على الشعب ومكافأتها على سوء تدبيرها، على حساب الناس لتواصل سوء التدبير، بحسن نيّة او بسوء نيّة، والمطلوب حكومة تحاكي الحراك بكل مكوّناتها، وتمثيل مَن وقفوا بشجاعة من ساحات الحراك يرفضون قطع الطرقات، ويجاهرون باعتبار الحراك صوت الشعب الغاضب وليس بمستطاعه أكثر من دفع معادلات تكوين السلطة لملاقاة هذا الصوت، وفقاً للدستور ومن داخل المعادلات التي يرسمها، ويملكون الجرأة اليوم للقول بأنهم يجدون في تكليف الرئيس دياب فرصة لترجمة الأهداف التي صرخت الناس طلباً لها، أما تحويل الحراك إلى مكوّن تمثله شخصيات وجمعيات المطلوب تمثيلها فهو مشاركة في اغتصاب صوت الشعب، سواء عند النزول إلى الساحات أوعند مغادرتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى