هيل للبنانيين: نواف سلام أو الفوضى! ابراهيم عوض
كاد يُنسى اسم نواف سلام، الأستاذ الجامعي ورجل القانون الذي يشغل منصب قاضٍ بمحكمة العدل الدولية في لاهاي، بعد أن شغل منصب سفير ومندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة بين تموز 2007 وكانون الأول 2017، لو لم يأتِ على ذكره رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي رشحه لخلافته بتشكيل حكومة جديدة، وعاب على كل من رفضه محملاً إياهم مسؤولية عدم التمكن من الإتيان بحكومة تخلف حكومته المستقيلة.
لم يعد خافياً أن نوافاً لم يلقَ قبولاً لدى من تُطلق عليهم صفة الإنتماء إلى “محور المقاومة” وفي مقدمهم الثنائي الشيعي (أمل – حزب الله) ومعهم “التيار الوطني الحر” وغيرهم كُثر.
لم يُعرف بدايةً من الذي أوحى للحريري بإسم الرجل المذكور، وإن كانت الرائحة الأميركية تُشتَم من وراء ذلك، وقد فاحت أكثر بعد ان راحت “القوات اللبنانية” بشخص رئيسها ونواب من كتلتها تروج له وتصوره على انه الأصلح للإنقاذ في المرحلة الراهنة، وجاراهم في ذلك رئيس “حزب الكتائب اللبنانية” سامي الجميل الذي أعلن صراحة بأنه سيمنح الصوت في التكليف لسلام. كما أن العالمين بخفايا الأمور رووا أن موفد الحريري إلى الدكتور سمير جعجع الوزير السابق غطاس خوري تبلغ من الأول، يوم زاره عشيه موعد الإستشارات النيابية الملزمة الأحد الماضي، تأكيده على ان جماعته ستصوت إلى جانب الحريري. إلا أن المفاجأة – الصدمة – جاءت بعد منتصف الليل، حيث تبلغ “بيت الوسط” عدول جعجع عن قراره ،فيما المعلومات تُفيد ان أعضاء كتلته النيابية كانوا سيتلفظون بإسم نواف سلام بعد لقائهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. ومن هنا يُبدي رئيس مجلس النواب استغرابه لهذا الموقف ويتساءل عما حصل خلال ساعات قليلة حتى جعلت جعجع ينقلب على نفسه ويتراجع عن وعده.
“فتش عن الأميركي” يُجيب المتابعون للوضع الحكومي ويوضحون بأن نواف سلام أضحى مرشح واشنطن بلا منازع لتشكيل الحكومة الجديدة. ويذهبون إلى حد القول بأن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية دايفيد هيل، الذي يصل بيروت غداً، يحمل في جعبته اسم مرشحهم المذكور ولا غرابة إن استعان هيل بعبارة زميل سابق له هوالسفير ريتشارد مورفي، الذي عمل مساعداً لوزير الخارجية الأميركي قبل سنوات وقدم إلى بيروت في خريف العام 1988، حاملاً إسم الوزير والنائب السابق مخايل الضاهر كخلفٍ لرئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل الذي انتهت ولايته من دون التوصل إلى اتفاق على من يشغل كرسي الرئاسة الأولى بعده. وقد قال عبارته الشهيرة يومها مخيراً اللبنانيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”!. وقد حصلت الفوضى بالفعل.
التاريخ يُعيد نفسه ربما.. لكن الأوضاع مختلفة اليوم عما كانت عليه أواخر الثمانينات. لم يكن هناك محور مقاومة ولا حلفاء وأصدقاء في استطاعتهم صد ومواجهة، لا بل تحقيق النصر في “حرب كونية” كتلك التي شُنت على سوريا.
وازاء “حربٍ” من نوع آخر تُشن على لبنان اليوم، لا يمكن لأمثال نواف سلام أن يُشكلوا ذلك السد المنيع في وجهها، خصوصاً أن اللبنانيين خبروه إبان توليه منصبه في الأمم المتحدة إذ شكلت مواقفه هناك، وفي أكثر من محطة، تصويباً على المقاومة لا بل تطويقها و”من جرب المجرب كان عقله مخرب”، وهذا ما لا ترغب به الأكثرية الساحقة من أبناء الوطن، ومعهم أهل “الحراك” بالتأكيد، وإن كان مجيء الأخير – في حال حصوله – سيُفرح صديقه الرئيس فؤاد السنيورة، ولا داعي هنا لمزيد من الشرح.
إلى أين من هنا..؟. العودة إلى إقناع الرئيس الحريري لتولي تشكيل حكومة جديدة يدعمه في ذلك “الثنائي الشيعي” الذي يرغب أيضاً أن يُعدل الأخير في بعض توجهاته.